الذات العاقلة : عندما نتحدث عن الأخلاق فكل آرائنا تنبثق من الفضيلة والفضيلة وحدها ، فكل ثقافة أخلاقية يتم من خلالها بناء السلوك الاجتماعي في المجتمع الفاضل ، لن تكون إلا تلك الأخلاق النابعة من الفضائل ، وما شذ عن ذلك في المجتمع وأن أُتفق عليه لكي يكون سلوكاً اجتماعياً فليس بالحقيقة خلق بقدر ما هو شذوذ خلقي منبثق من الرذيلة لا من الفضيلة ، والجاهل يقع في الرذائل ظناً منه أنها فضائل عندما تعصب عيناه عن النور .
المادة العاقلة : الأخلاق لا ترتبط بالفضيلة بقدر ما هي مرتبطة بالسلوك ، فالمجتمع وحده من هو من يحكم أو يقرر فلا وجود للفضيلة أو الرذيلة على ارض الواقع ، ولكن توجد الآراء والثقافات الاجتماعية - التاريخية ، التي تمثل إيديولوجيات ذلك المجتمع ، بحسب ما تقتضيه مصلحة ذلك المجتمع لبناء تلك الثقافة السلوكية التي تضمن له بقاءه واستمراريته ، إلى أن تنقرض ثقافته فتأتي ثقافة سلوكية أخرى وهكذا دواليك .
الذات العاقلة : إن لم ترتبط الأخلاق بالفضائل فكيف لنا أن نحكم على السلوك بأنه سلوك سوي أو غير سوي ، فمنها تنبثق السلوكيات وهي ركيزة أساسية للمعاير والقيم الأخلاقية التي لم تتغير حقيقة مذ أول تجمع إنساني في المعمورة ، فالفضيلة واحدة ، ولكن تفسيرها وفهمها يختلف من مجتمعٍ عاقل فاضل إلى مجتمعٍ جاهل ساقط ، فالفضيلة في اليونان هي نفسها في الصين وكذلك الرذيلة تماماً ، والاختلاف في السلوك والتفاسير فقط لا أكثر ، فالإفراز الثقافي للسلوك هو الصيرورة المُتغيرة المتأقلمة بحسب المنظومة الثقافية و الوضع الاقتصادي والسياسي للمجتمع وأسوء المنظومات السلوكية على الإطلاق هي تلك التي تنشأ في ظل المُجتمعات الأوتوقراطية وعادةً ما يسود عقلها الجمعي الجهل ، أما الأخلاق فهي الماهية الثابتة التي لا تتبدل ولا تتغير فهي لا تعرف المُتغيرات وإن تغيرت السلوكيات فمنها يُستمد كل سلوكٍ في المُجتمع فهي ماهية .
المادة العاقلة : السلوك سويٌ كان أو عكسه ، ذلك لا ينبثق من مبدأ الفضيلة والرذيلة ، ولكنه ينبثق مما اتفق عليه من العقل الجمعي للمجتمع ، فالعقل الجمعي قد يتفق أن الرذيلة فضيلة وقد يتفق على عكس ذلك ، على حسب الحقبة الثقافية الاجتماعية ، فكل تأويل للسلوك إنما هو نابع عن المصلحة العامة والمصالح المتصادمة فيما بعضها البعض لدى العقل الجمعي ، فينشأ سلوك ما لتنظيم هذا التصادم وتسييره لمصلحة المجتمع أو لإنتاج سلوك جديد من نتاج التصادم الثقافي في ذات المجتمع كما يرى جورج هيجل في جدلية التضاد والتصادم التي من خلالها تنمو الثقافات الإنسانية في المعمورة ، فهذا التصادم الفكري والثقافي والسلوكي هو قائم منذ أول تجمع إنساني إلى يومنا هذا وإلا لبقيت الأفكار والسلوكيات كما هي مذ أول تجمع ، وذلك كله لا يتصل بالفضائل أو الرذائل بقدر ما يتصل بالمصالح المُشتركة أو المُتصادمة في المجتمع وتنظيمها وتسييرها ، بينما الفضائل والرذائل هي أقرب إلى الاصطلاحات ( غائية - سفسطائية ) منها إلى الحقائق الموضوعية .
الذات العاقلة : ذلك صحيح ولكنه نسبي وغير قاطع ومتناقض ، العقل الجمعي قد يتفق على سلوكٍ ما ويبرره فيتم بناءه من قبل المجتمع ، ويرتكز البناء على ( الفضيلة - الرذيلة ) ( المقبول - غير المقبول ) ، فالمصلحة أصلها عادة سلوكية والعادة قبل أن تتبلور إلى تقليد كانت في الأصل نابعة عن اتفاق تام ومجمعٍ عليه على أنه فضيلة وإلا لما أتفق عليه كفكرة ثم أقر في النهاية كتقليد في المنظومة الاجتماعية في المُجتمع ، وان اختلف المفهوم للفضيلة ولكن الماهية واحدة وكذلك الرذيلة ، فالكرم لم يتغير أبداً بل هو ماهية ولكن قشرته الخارجية وشكله اختلف من مجتمعٍ إلى آخر فهي صيرورة ، فالكرم قد يرتبط بالفضيلة وقد يرتبط بالرذيلة والفيصل في ذلك العقل الجمعي ، فإكرام الإنسان بالطعام مثلاً هو فضيلة وتقليد فاضل لدى غالب المجتمعات الإنسانية ، وبعض المجتمعات الأخرى كقبائل الاسكيمو مثلاً تكرم الضيف بتقديم الزوجة له وذلك كرم ومتفق على أنه فضيلة لدى العقل الجمعي ، ولكنه في حقيقته رذيلة وإن كان نابعاً عن فضيلة ، فكل شيء في المجتمع يرتبط بالفضيلة أو الرذيلة وإلا لن يتبلور إلى مفهوم السلوك ، مسألة التصادم هي قائمة منذ أول تجمع إنساني ، فالأفكار والسلوكيات تتصادم فيما بعضها وتنتج سلوكيات أخرى ولكن الماهية في حقيقة الأمر لم تتغير ، فعلى سبيل المثال يتصادم الكذب والصدق لدى المجتمع مع تطوره وينتج فكرة جديدة وهي " النفاق " ولكنها في الحقيقة تبقى مرتبطة بالأمر الحتمي الفضيلة والرذيلة ، ومن وجه آخر التصادم ليس قائم بين الحضارات كثقافة أو فكر أو سلوك فلو كان قائماً لقضت الحضارات على بعضها والأفكار على بعضها ، وذلك غير صحيح فالحضارات برغم من تدهورها وتمزقها إلا إنها تحتفظ بديمومتها الفكرية والثقافية ، والمجتمعات الإنسانية تتطور في منظور التعاون والتبادل الثقافي من منظور اختلاف وتوافق وجهات النظر بقصد الفائدة لا بالتصادم والتعارض الذي يقود إلى الانهيار .
المادة العاقلة : الفضائل والرذائل تبقى مصطلحات وإن تبلورت لدى جميع المجتمعات الإنسانية ، فلو أمعنا النظر في المجتمع الإنساني لرأيناه عبارة عن ديمومة متصادمة فيما بعضها بمصالح مشتركة أو متصادمة ، ويتحتم على ذلك تشكيل السلوك القائم على المصلحة التي تسير كل ذلك في مفهوم التقاليد أو العادات أو الفضائل فهي كلها في النهاية مجرد تسميات فعندما يفقد العقل الجمعي القدرة على التحليل والنقد لن يدرك حينها أنه في الحقيقة لا وجود للفضيلة أو الرذيلة بل هي مجرد مصالح متضاربة ومتشاركة فيبرر عجزه الفكري بمسميات كالعادات والتقاليد وغيرها ، الفضيلة كما تسميها تختلف من مجتمع لدى آخر ، فقبائل الاسكيمو لديها فلسفتها عن الفضيلة مثل غيرها من المجتمعات ، فكما ذكرت الرجل يقدم زوجته إلى ضيف في سبيل فكرة الإكرام وأقروها أنها تقليد وفضيلة تمثل الكرم ، فكيف نسميها رذيلة وعلى أي أساسٍ ذلك والعقل الجمعي أقرها ، إذاً هي مجرد مصالح قد يتفق عليها ويقرها العقل الجمعي فيضعها تحت الفضائل وقد لا يتفق ويقرها فتندرج تحت الرذائل دون وعي بذلك ، ، فالعقل الجمعي برر الرذيلة وألبسها ثوب الفضيلة وأقر ذلك ولم ينكره ، إذاً لا وجود للفضيلة أو الرذيلة على أرض الواقع .
الذات العاقلة : كل خط أصله نقطة وكل فعل أصله فكرة وكل فكرة نتاج سبب فعلة ، والمبدأ هو السبب والسبب في الأصل فضيلة أما السلوك فهو علة نتاج أثر فقد يكون تماماً كما السبب وقد يناقضه وإن صدر منه ، فالتعاون وحب ذلك ينبع عن الفضيلة في روح الإنسان وتلك هي الفكرة الفاضلة التي لا ينتجها إلا الفكر الفاضل فينبع عن ذلك السلوك الفاضل الذي يخلق المجتمع الفاضل ، فعندما يحمل المُجتمع فكرةً ما عن الفضيلة وإن كانت خاطئة حقيقةً إلا أنها تعود في الأصل إلى الفضيلة ذاتها ولكنها شذت واختلفت وتبلورت في مفهوم العقل الجمعي الجاهل وتلك هي العلة نتاج التأثر بالمنظومة الثقافية والفكرية ففقد الإمكانية أو البصيرة التي من خلالها يفرق بين الفضيلة والرذيلة ، ففعل قبائل الإسكيمو في تقديم زوجاتهم للضيوف هو فعل نابع عن فكرة والفكرة نابعة عن فضيلة وهي الكرم وهو مبدأ لكنها تبلورت واختلفت في ظل الوعي الثقافي لدى المجتمع وذلك هو سلوك وهو علة ، وفي المقابل نرى قبائل الاسكيمو وفلسفتها عن الفضيلة في نظر المجتمعات الإنسانية الأخرى هي منحطة ورذيلة ، والدليل على ارتباط السلوك الفاضل في المجتمع أن مجتمعات كمجتمع قبائل الاسكيمو كانت منحطة وساقطة للغاية لأن الفلسفة السلوكية والثقافية لديها لم تكن صحيحة وإن كانت نابعة من الفضيلة في نظر العقل الجمعي الجاهل لديها لأن العلة كانت أثر رذيلة وجهل ، وأيضاً ذلك العقل الجمعي لا يمثل العدالة والمساواة في مجتمع متخلف بربري لا يعي الفضيلة كما هي والرذيلة كذلك ، وفي المقابل نلاحظ في جميع المجتمعات المتطورة والمتقدمة ثقافياً وفكرياً ، أن لديها فلسفة سلوكية عن الفضيلة متقدمة ومتطورة وتستحق الاحترام ، كالفلسفة الأخلاقية لدى اليونان ومصر القديمة ، فعندما أبصروا الفضيلة كما هي كحقيقة لا تقبل للتدليس أو المساومة رأينا التقدم الفكري والثقافي في مجتمعاتهم ، وعلى عكس ذلك قبائل الاسكيمو في فلسفتها الأخلاقية عن الفضيلة ، وأيضاً قبائل التودا مثلاً كانت تميل إلى ذات المنهجية في فلسفة المصالح ، حيث أن النظام الأسري القائم هو " بولنديري " فمثلاً عندما يتزوج الأخ الأكبر تتحول تلك الزوجة مباشرةً إلى حق شرعي إلى جميع أخوته ، وتلك الفلسفة قائمة على المصلحة العامة فالسبب وراء ذلك كان حقيقةً في الميراث ومحاولة احتواءه داخل الأسرة الواحدة ، فغابت الفضائل واتت المصالح بدلاً عنها وبررها العقل الجمعي كفضائل ولكنها لم تنجح ، فقبائل الاسكيمو كان لديها مصالح وكذلك قبائل التودا ولكنها كانت قبائل منحطة تماماً في منظومتها الاجتماعية والفكرية والثقافية ولم تقدم أياً ثقافة للإنسانية ، وعلى عكسها المجتمع اليوناني والمصري القديم ، فالفكرة إذا إن نبعت عن فضيلة كانت فاضلة وإن نبعت عن مصلحة كانت مضمحلة بالمادة التي تقود إلى الانهيار ، وكما ترى أن المصالح كانت موجودة في كلى المجتمعات السابقة ولكن بعضها انحط وبعضها ارتقى ، والسبب في ذلك كله يعود إلى أن المبدأ في الأصل هو فضيلة ولكن أثر العلة متأثر بالمنظومة الثقافية والفكرية فينتج سلوك غير سوي من مبدأ الفضيلة على ما يفسره العقل الجمعي ، و الفضيلة ودورها كركيزة أساسية في بناء المجتمع ، والرذيلة ودورها كركيزة أساسية في انهيار المجتمع .
المادة العاقلة : بين البداية والنهاية خط رفيع وهو يمثل العمر الافتراضي للمجتمع وفكرة وفلسفته وثقافته إلى أن ينقرض ويندثر تماماً ، فقبائل كقبائل الإسكيمو لم تجتمع أو لم تقدر تُكَوِن فكرة المجتمع إلا وهي تملك فكراً وثقافةً تهيئها لفرض فلسفتها ولا تستطيع الحكم عليها بأنها كانت ساقطة أو فاضلة في مفهوم سلوكها فقط ، فهي في النهاية قدمت في نهايتها الاجتماعية مفهوماً ثقافياً وفلسفةً ثقافيةً لها ، وكذلك السلوك في مصر القديمة كان يعاني أيضاً من " انحطاط خلقي " وهو متمثل في الشيوعية الجنسية وفكرة الدماء الزرقاء لدى الأسرة الحاكمة وفي المُقابل كان مجتمعاً مفكراً ناجحاً فرض فلسفته على الإنسانية وخلد في التاريخ ، فإذاً ازدهار المجتمعات وتطورها لا يرتبط بالسلوك بقدر ارتباطه بالامتيازات والثقافات التي يتصادم معها ذات المجتمع ، فقبائل الإسكيمو كانت منعزلة نوعاً ما عن باقي المجتمعات وعلى عكس ذلك كان المجتمع المصري متصادم مع مجتمعات كثيرة كالمجتمع السومري وغيره ، فالتصادم هو من قدم لهم الرقي الثقافي لا السلوك بالرغم من " انحطاط السلوك المصري " كما ترى أنت ، ولكنه ليس انحطاطاً بقدر ما هو تبادل للمصالح وتصارع فيما بينها فالشيوعية الجنسية كانت في سبيل الحفاظ على الدم الأزرق " الدم الملكي " فنتجت هذه الثقافة ومبدأها المصلحة الشخصية وعلتها المصلحة العامة للشعب بعيداً عن الفضائل والرذائل ، ولكن العقول التي لا تستطيع التحليل والنقد لا تملك سوى فكرة الفضيلة والعادة والتقليد التي تنبثق من خلالها أفكارها وتتكون إيديولوجيتها بعيداً عن الواقع في المصالح المتصادمة داخل المجتمع ذاته ، فأحياناً العقل الجمعي لا يستطيع استيعاب الواقع أو الحقيقة ، فالحقائق تصدم وتنقض كل ما بني وأقر وأعتقد وآمن فيه العقل الباطن على أنه مُقدسات ومُسلمات في ثقافته ومنظومته الاجتماعية .
الذات العاقلة : إن كانت الأفكار نتاج المصلحة فلن تنتج إلا الرذائل والانحطاط السلوكي ، فالمصلحة لن تدعوا إلى تشكيل المُجتمع في بادئ الأمر ولكنها ستدعو إلى تفكيك المجتمع وتمزيقه في ظل تصارع المصالح ، فلا وجود لمفهوم الفضيلة ولا وجود إلا لمفهوم تصارع المصالح ، ولا يُمكن للمجتمع أن يقوم ويتقدم ويزدهر وهو فاقد لفكرة التعاون والتواد والتلاحم والترابط والفضيلة ، فالمجتمعات التي تقدم الفضيلة للمجتمعات الأخرى لا تتصارع فيما بينها إلا نادراً وعلى شكل عرضي لا فرضي أو أساسي في فكرة تشكيل المجتمع وإلا لما استمر قيام المجتمع الإنساني ففي حين انتهاء المصلحة المشتركة انتهى التجمع فتوجد المنافسة في المنظومة الاجتماعية والفكرية كما يرى إيمانويل كانت بمفهوم المنافسة التي مبدأها المصلحة العامة والتوصل إلى الأفضيلة والإبداع ، وفي ظل المصلحة المتصادمة سينتهي الأمر بتمزق التجمع الإنساني بانتصار طرف معين من الفئات المتصارعة وسيقود ذلك إلى الانهيار والاستبداد فيما بين أفراد المجتمع ذاتهم ، والإنسانية ما استمرت قروناً عدة وأبدعت وأنتجت وهي تتصارع ، فالإنتاج لا ينتج إلى من تعاون والتعاون لا يتم إلا من مبدأ المصلحة العامة وهي الفضيلة ، فالتعاون للمصلحة الشخصية أو المتصادمة يقود إلى هدم فئات أخرى أو هدم ذات فكرة التعاون ، أم التعاون من أجل الفضيلة أو التنافس من أجلها للمجتمع والمصلحة عامة يقود إلى الازدهار والإنتاج في النهاية وهكذا استمرت المجتمعات الإنسانية فالفاضلة أنتجت وخلدت في ذاكرة التاريخ ، والساقطة الجاهلة اندثرت .
المادة العاقلة : التجمع الإنساني في حد ذاته لا ينم إلا عن مصلحة شخصيةٍ في الأساس ، فالإنسان لا يعي فكرة التجمع الإنساني في طبيعته فكل ثقافة أو فكرة لا تتبلور إلى واقع ملموس إلا بعد تطبيقها ، والدافع الذي يدفع الإنسان إلى الاجتماع بغيرة وبناء مجتمع إنساني هو المصلحة الشخصية تماماً ، فالإنسان أتى بفكرة الاجتماع الإنساني لكي يجد الأمان والاستقرار والإنتاج الأضمن وتلك كلها مصالح شخصية ولولاها لما تم التجمع الإنساني في بادئ الأمر ، والدليل على ذلك تبلور مفاهيم في داخل التجمع الإنساني كالسرقة مثلاً ، فالسرقة لم تنبع من عدم بل هي نابعة عن ذات المصلحة التي بنت المجتمع الإنساني ، وظهرت بعد فترة زمنية أخرى ، تبلور فيها مفهوم المصلحة الشخصية لتصادمها مع منظومة اجتماعية جديدة وثقافة إنسانية جديدة ، فالمصالح إذا لا تتوقف ولا تجمد في طوال مراحل الاجتماع الإنساني أو عدمه ، بل تتبلور وتستمر وتنمو مع نمو المجتمع الإنساني وإلا لانتهى المجتمع بالتمزق لعدم نمو ثقافة التصادم وثقافة التنظيم ، والمصلحة هي التي ترغم عجلة الكينونة الإنسانية بالدوران ، وهي ذاتها المصلحة التي تجعل الثقافات والأفكار تتصادم لكي تخلق ثقافة تنظم من خلالها هذا التصادم الفكري ، فالعلاج لا يأتي من دون مرض ، والمرض لا يأتي من دون علة ، والعلــة هي التي تدفع الإنسان ليبحث عن حلول ووسائل وأفكار وأنظمة ونظريات فلسفية لبناء المجتمع المتصادم فكرياً طوال الوقت ، ولولاها لجمد الفكر الإنساني مذ قرون لعدم توافر ما يصارعه أو يحاول حله .
الذات العاقلة : لكل شئ سبب ولكل أثر علة والعلة لا تنتج من عدم بل تنتج من المبدأ والمبدأ في الأصل أثر ثم يتأثر إذ لا يتأثر ما لم يكن أثر ، إذاً فالأصل صالح ثم تنتج العلة ، فالعلة عرض والمبدأ ثابت ، والأصل في كل شيء الصلاح والفضيلة والتأثير فالتأثر ، والتجمع الإنساني سبب حب التعاون والمصلحة العامة لا المصلحة الخاصة ، فلو كانت مصلحة خاصة لما استمر التجمع بل سينهار في النهاية بعد اكتفاء الأطراف أو المصالح المتصادمة ، فالمصالح في الأصل متبادلة ، والشذوذ التصادم ، فلو لم تكن متبادلة لما استمر التجمع الإنساني ولم
.ينتج أو يبدع ، والتجمع الإنساني أصله الاستمرارية والتبادل لا التصادم والانهيار ، اذاً فالمصلحة الشخصية هي علة وليست مبدأ ، تنتج إذا اتى الخلل في المنظومة الاجتماعية .
" لا يعانق الشمس سوى القاطنين في الأثير.
أما أولئك المنهكين على جادة الطريق خلف الشمس الهاربة ،
يموتون في الظل حيث ليس هنالك سوى السرمدية والظلماء
والبرد الذي يمضغ من صدورهم قوته .
وهكذا هو نحن ، في العالم الذي يذوب فيه النور من أجل الظلام والظلام وحده .
كم أود أن أبكي ولكني أخشى أن أضيع النور من عيناي "
اسبريد