الباب المفتوح (قصة قصيرة)

كان شاب مرفه، يدرس بالجامعة، هوايته المفضلة المراسلة عبر المجلات الأجنبية، كون أصدقاء في كثير من الدول الأجنبية، وفي أجازة من الأجازات الصيفية راسل أصحابه أنه سوف يأتيهم سائحا يمكث معهم يومين أو ثلاث ويذهب للدولة الأخرى، رحب به أصحابه، وهذا ما فعله بعد أن انتهت دراسته تلك السنة، زار فرنسا وألمانيا ثم إلى أسبانيا ثم رجع إلى موطنه.
عندما زار فرنسا وألمانيا انبهر بالطبيعة هناك وبالحضارة العمراني التي وصل لها أهل هذين الدولتين زار أصحابه فيهما والذين بدورهم زاروا أهليهم في القرى المجاورة، ولا حظ برود الترحيب وعدم الحفاوة بهم من قبل أهل أصدقائه، زار بعدها أسبانيا ورأى فيها حضارة الإسلام الأولى، وكان كلما تجول في مكان فيها مع صاحبه كان يخبره عن عدل المسلمون الذي حكموا هذه البقاع منذ أبد بعيد، وكان يخبره بالفتوحات الإسلامية والتاريخ الإسلامي فيها، وصاحبنا الزائر وقف جاهلا لا يعلم كثيرا عن تاريخ أمته بل دينه بالأحرى، دخل المساجد هناك ورأى عظم عمارة وهندسة المسلمون الأوائل، اهتز قلبه وعقله لمثل هذه الأمور.
انتقل بعدها بالحافلة لزيارة صديقه جابر في المغرب على الحدود الجزائرية فرأى الحفاوة على أصولها فقد كان جابر وأهله وأهل القرية جميعا في انتظاره منذ أسبوع، فهو آت من أرض الحرمين، عملت له حفلة كبيرة على مستوى القرية كاملة حضرها أهلها بلا تغيب من ذكر أو أنثى، وضعت منصة ألقى عليها ”علي” عمدة القرية مقدمة صغيرة ثم قال: أترككم مع الزائر الكريم من أرض الرسالة وأرض الحرمين مكة والمدينة، ذهل الزائر الذي كان يجلس على نفس المنصة فليس على هذا اتفاق، لكنه تشجع قليلا بعد الإحراج والإلحاح، قام فأخذ يتكلم كلام إنشائي عن مكة والمدينة وعن فضلهما ثم خاض في الحديث عن العمرة والحج، ولم يدر ما أثر كلامه على الحضور، واصل حديثه حتى دعا الله لأهل القرية أن يكتب لهم زيارة لهم إلى مكة والمدينة فضج المكان بالتأمين والدعاء والتهليل والبكاء، أنهال البكاء الحار المؤلم على الجميع وأخذوا يدعون الله بحرقة المشتاق بصوت عالي، حتى هو لم يتمالك نفسه عن البكاء من عظم ما رآه من صدق محبة هذين المكانين، تحمس هو وأخذ يشرح عن الإسلام ويتكلم عن فضله في كلام لم يتحدث بمثله من قبل.
انفض بعد ذلك الاحتفال ومازال قلب هذا الفتى خجل من نفسه أنه لا يشعر بمثل هذا الشعور الصادق نحو دينه وبلده وعدم اكتراثه بالثقافة والحضارة الإسلامية، لكنه في الأخير شعر بهذا وبدأ يدعو إليه، ويجب علينا ذلك.