تهديم المباني بالمتفجرات قد يكون في مقدورك تهديم جدارٍ حجريٍ باستعمال مطرقة ثقيلة (مهدّة), كما من السهل تهديم مبنى مؤلّف من خمسة طوابق باستخدام آلات التحفير الميكانيكية وكرات التهديم, لكن عندما يتعلق الأمر بتهديم إنشاءٍ هائل الحجم (على سبيل المثال ناطحة سحابٍ مؤلفة من 20 طابق) سيتوجب عليك استخدام الوسائل المتطورة.
قد يكون في مقدورك تهديم جدارٍ حجريٍ باستعمال مطرقة ثقيلة (مهدّة), كما من السهل تهديم مبنى مؤلّف من خمسة طوابق باستخدام آلات التحفير الميكانيكية وكرات التهديم, لكن عندما يتعلق الأمر بتهديم إنشاءٍ هائل الحجم (على سبيل المثال ناطحة سحابٍ مؤلفة من 20 طابق) سيتوجب عليك استخدام الوسائل المتطورة.
تعدّ عملية تهديم المباني بوساطة المتفجرات واحدة من الطرق المفضّلة لتهديم الإنشاءات الضخمة بطريقةٍ آمنة وناجعة. فقد يكون المبنى محاطاً بعدّة مبانٍ, أو يتوجب تهديمه بالطريقة التي تضمن انهياره إلى الأسفل على أثره.
في هذه المقالة, سنقوم باستكشاف كيفية تخطيط وتنفيذ طواقم التهديم لعمليات التفجير هذه. إذ قد تبدو هذه الإنفجارات العنيفة وسحب الغيوم المتموجة على أنها أمرٌ فوضوي, لكن هذه العملية واحدة من أكثر العمليات التي يتم التخطيط لها بصورة دقيقة, كما ستجد أنّها إحدى النجاحات الهندسية الدقيقة التي يمكن أن تشاهدها.
كلّما كان البناء أكبر كلّما زادت صعوبة الأمر:
ترتكز الفكرة الرئيسية لعملية تهديم المباني بالمتفجرات على أمرٍ بسيط. فإذا أزلت الإنشاء الداعم لأحد المباني فمن البديهي أن يسقط هذا الإنشاء على القسم الموجود في أسفل هذه المنطقة من المبنى. وإذا ما كان هذا القسم الأعلى ثقيلاً بصورة كافية فمن المؤكّد أنه سيصطدم بالقسم السفلي بالقوة المافية لإلحاق أضرار جسيمة به, وهذا مايبيّن أن المتفجرات لا تزيد عن كونها (زناد) عملية التهديم فقط, لأنّ الجاذبية الأرضية تشكّل العامل الرئيسي في سقوط البناء.
ويقوم مهندسو التفجير بتحميل المتفجرات ضمن عددٍ من المستويات المختلفة من المبنى بالطريقة التي تضمن سقوط المبن نفسة ضمن عدّة نقاط. وعندما يتم تخطيط وتنفيذ كافة الأشياء بطريقةٍ صحيحة, فإنّ الضرر الإجمالي الناجم عن المتفجرات ومواد البناء المتساقطة سيكنو قادراً على إسقاط الإنشاء بأكمله, تاركاً فقط كومة من الأنقاض تعمل طواقم التنظيف على إزالتها.
ولكي تتم عملية تهديم المبنى بالمتفجرات بسلامة, يتوجب على مهندسي التفجير التخطيط لكل عنصر من عناصر العملية قبل فترة من القيام بالعملية. وتتمثّل الخطوة الأولى في تفحّص المخططات المعمارية للبناء, إذا كان بالإمكان الحصول عليها, وذلك من أجل تقرير كيفية إنشاء البناء بالكامل, وبعد ذلك, يقوم طاقم مهندسي التفجير بالتجوّل في المبنى لعدة مرات من أجل تدوين الملاحظات حول الإنشاء الداعم في كلّ طابق. وعند الانتهاء من جمع البيانات الخام المطلوبة, يقوم الطاقم بمعالجة خطة العملية.
وبالنظر إلى الخبرات السابقة لمبانٍ مشابهة للمبنى المراد تهديمه, يقرر الطاقم نوعية المواد المتفجرة التي يتوجّب استخدامها وأين سيضعوها في المبنى وكيفية توقيت هذه المتفجرات. وفي بعض الحالات قد يقوم طاقم مهندسي التفجير بتطوير نماذج حاسوبية ثلاثية الأبعاد (3D) للبناء, بحيث يستطيعون اختبار خطّتهم على الكمبيوتر قبل تطبيقها على أرض الواقع.
ويكمن التحدي الأكبر في عملية إسقاط البناء في اليسطرة على طريقة سقوطه. وبصورةٍ مثالية, سيكون طاقم مهندسي التفجير قادراً على إهباط البناء من جهة واحدة إلى منطقة توقف أو منطقة مفتوحة أُخرى. ويعد هذا النوع الأكثر سهولة في التنفيذ بين عمليات تهديم المباني بالمتفجرات حيث تشكّل الطريقة الأكثر أماناً خلال التطبيق. ويمكن تشبيه عملية قلب المبنى بعملية إسقاط الشجرة, فلإسقاط البناء من الناحية الشمالية منه يعمل طاقم مهندسي التفجير على تفجير المتفجرات في القسم الشمالي من المبنى, بنفس الطريقة التي تتم فيها عملية قطع الشجرة من الجانب الشمالي, جيث سيسقط المبنى في الجهة التي تريد. وقد يعمل الطاقم على تأمين الكابلات الفولاذية من أجل دعم الأعمدة في البناء, بالطريقة التي تضمن سحبها بطريقةٍ تضمخن انهيارها.
وفي بعض الأحيان, على الرغم من ذلك, قد يكون البناء محاطاً بإنشاءات يتوجب الحفاظ عليها. في هذه الحالة يستمر الطاقم في عملية تفجير حقيقية, هادمين المبنى بالطريقة التي تضمن سقوطه في مكانه (كامل منطقة قاعدة البناء), الأمر الذي يتطلّب مهارات عالية لا تمتلكها سوى حفنة بسيطة من شركات التهديم في العالم يمكن أن تحاول القيام بها.
وينظر مهنسو التفجير إلى كل مشروع بصورة مختلفة قليلاً, لكنّ الفكرة الأساسية تستند إلى التفكير في المبنى على أنه مجموعة من الأبراج المنفصلة, إذ يوقم مهندسو التفجير بوضع المتفجرات بالطريقة التي تضمن سقوط كل (برج) باتجاه منتصف البناء, تقريباً بنفس الطريقة التي يضعوا فيها المتفجرات لإسقاط إنشاءٍ واحد إلى الجانب. وعندما يتم تفجير المتفجرات بالصورة الصحيحة, ستتحطم الأبراج المنقلبة على بعضها وستتجمّع كل الأنقاض في مركز البناء. ويتمثل الخيار الآخر في تفجير الأعمدة الموجودة في منتصف المبنى قبل أعمدة أُخرى, الأمر الذي يؤمّن سقوط جوانب البناء إلى الداخل.
ووفقاً لبرنت بلانتشارد, خبير عمليات التفجير الخاصة بشركة بروتيك (Protec) الاستشارية لخدمات التوثيق, فإنّ كلّ بناء في العالم فريدٌ من نوعه وبصورةٍ فريدة, حيث يمكن أن يستخدم طاقم مهندسي التفجير عدّة طرقٍ لإسقاط أي مبنى. ويشير بلانتشارد إلى عملية تهديم مشروع (Hayes Homes) السكني الذي كان موجوداً في منطقة نيوارك بولاية نيوجرسي والذي كان مؤلّفاً من 10 مباني, حيث تمت عملية تهديم المشروع ضمن ثلاثة مراحل تم إنجازها خلال ثلاث سنوات. ويقول بلانتشارد: (لقد قامت ثلاث شركات بعملية التهديم بحيث أشرفت كلّ واحدة منها على كل مرحلة. وعلى الرغم من تماثل كل الأبنية, فقد عمدت كلّ شركة على اختيار نوع مختلف من المتفجرات, كما حمّلت كل واحدة من الشركات أعداد مختلفة من الأعمدة بالمتفجرات. حتى أنّ كل شركة هدّمت الأبنية بسلاسل رياضية مختلفة بمقادير مختلفة من الوقت لعملية التحليل بين انهيار كلّ مبنى).
وبصورةٍ عامّة, سيعمل مهندسو التفجير على تفجير أعمدة الدعم الأساسية في الطوابق السفلى أوّلاً, وبعد ذلك يتمّ تفجير بعض الطوابق العلوية. ففي مبنى مؤلّف من 20 طابقاً, على سبيل المثال, قد يضرب مهندسو التفجير الأعمدة في الطابق الأوّل والثاني بالإضافة إلى الطابق 12 والطابق 15. وفي معظم الحالات, تحدث عملية ضرب الإنشاءات الداعمة في الطوابق السفلية قوة كافية لتحطيم المبنى, لكنّ أعمدة الثقل في الطوابق العلوية تساعد في تكسير مادّة البناء إلى قطع صغيرة عندما تسقطو الأمر الذي يجعل عملية التنظيف أسهل بعد الإنفجار.
وعندما يتصوّر مهندسو التفجير كيفية وضع المفجّرات, يكون الوقت قد حان لتحضير البناء للعملية.
في القسم القادم من المقالة, سنعمل على استكشاف الأشياء المتضمنة في التجهيوات المسبقة لعملية التفجير, كما سترى كيفية تركيب مهندسي التفجير للمتفجرات للقيام بعملية تهديم ومقّتة بعناية.
المتفجرات والديناميت:
في القسم السابق, رأينا كيفية تخطيط مهندسي التفجير لعملية تهديم المبنى بالمتفجرات, إذ عندما يصل طاقم المهندسين إلى فكرة واضحة وجليّة عن كيفية إسقاط الإنشاء, يكون الوقت قد حان لتحضير المبنى للعملية. وتتمثل الخطوة الأولى في التحضيرات, والتي تبدأ غالياً قبل أن يقوم مهندسو التفجير بعملية مسح الموقع, في إزالة أي أنقاض (ركام) متواجد في البناء. وبعد هذا الأمر, تبدأ الطواقم الإنشائية, وبطريقة أكثر تخصّصاّ طواقم التهديم, بإزالة الجدران غير الحاملة للثقل ضمن المبنى, لأنها إذا ما تُركت في سليمة ضمن المبنى فمن المؤكّد أنّها ستعمل على زيادة صلابة البناء كعيقةّ بذلك انهياره. وقد تعمل طواقم التدمير على إضعاف الأعمدة الداعمة بوساطة المطارق الثقيلة (المهدات) أو القواطع الفولاذية بالطريقة التي تجعلهم يفسحون المجال بسهولة أكبر.
وبعد ذلك, يستطيع مهندسو التفجير البدء بعملية تحميل المتفجرات على الأعمدة. كما يستخدم المهندسون أنواع مختلفة من المتفجرات ويقررون كمية المتفجرات المطلوبة اعتماداً على سمك المادة. فبالنسبة للأعمدة البيتونية, يستخدم مهندسو التفجير الديناميت التقليدي أو مادة تفجيرية مماثلة. ويعدّ الديناميت مادّة ماصّة بمادة كيماوية قابلة للاحتراق بصورة كبيرة أو بخليطٍ من المواد الكيماوية. وعندما يتم إشعال المادة الكيماوية, فإنه يحترق بسرعة منتجاً جحماً كبيراً من الغاز الحراري ضمن مدّة قصيرة من الزمن. وينتشر هذا الغاز بسرعة مطبّقاً ضغطاً هائلاً (يصل إلى 600 طن في كل بوصة مربعة) على كلّ مايحيط به. ويحشر المهندسون هذه المادة المتفجرة في شقوق ثقبية ضيّقة يتم حفرها في الأعمدة البيتونية. وعندما تشتعل المتفجرات, يرسل الضغط الخارجي المفاجئ صدمةً اهتزازية متموجة قوية في العمود وبسرعةٍ أسرع من سرعة الصوت, محطّمةً البيتون إلى فتات.
في المقابل, يعد تهديم الأعمدة الفولاذية أصعب بصورة بسيطة. ويعود السبب في ذلك إلى أنّ كقافة هذه المادّة أقوى بكثير. أما بالنسبة للأبنية المزوّدة بالإنشاءات الفولاذية الداعمة, يعمل مهندسو التفجيرات على استخدام مادة تفجيرية متخصّصة بطريقة نموذجية وتدعى بـ (Cyclotrimethylenetrinitramine) (تمّ تسميتها اختصاراّ بـRDX). وتتوسع تركيبات المتفجرات التي تعتمد بصورةٍ أساسية على هذه المادة بسرعةٍ فائقة تصل إلى 27 ألف قدم في الثانية (8230 متر في الثانية). وبدلاً من تحليل (تفكيك) كامل العمود, فإنّ الضغط المركّز ذو السرعة المذهلة يعمل على تقطيع الصميم الفولاذي إلى نصفين, بالإضافة إلى أنه قد يعمل مهندسو التفجير على إشعال الديناميت في جانب العمود لدفعه باتجاهٍ معيّن.
ولإشعال مادتي الـ(RDX) والديناميت, يتوجب تطبيق صدمة حادّة. ففي تهديم الأبنية, يتممّ مهندسو التفجير هذا الأمر بوساطة استخدام أصابع التفجير(Blasting Cabs) وبمقدار بسيط من مادّة التفجير الأوّلية (Primer Charge) التي يطلق عليها اسم الشحنة الأوّلية, حيث يتمّ وصلها بنوعٍ من أنواع الفتيل (Fuse).
ويتألّف تصميم الفتيل بصورةٍ تقليدية من شريطٍ طويل موصول بالمادة التفجيرية الموجودة في الداخل. وعندما يتم إشعال أحد نهايتي السلك الداخلي من الشريط, سيعمل على حرق المادّة المتفجّرة بسرعةٍ ثابتة, كما سيمر اللهب أسفل السلك إلى المفجّر في النهاية الأُخرى. وعندما يصل اللهب إلى هذه النقطة, تبدأ مادة التفجير بالانتشار.
في الآونة الأخيرة, يعمد مهندسو التفجيرات على استعمال المفجرات الكهربائية (Electrical Detonator) عادةً بدلاً من الفتيل التقليدي. ويعتبر الفتيل التفجيري الكهربائي, المدعو بالخط الرئيسي (Lead Line), ببساطة استطالة طويلة من سلكٍ كهربائي. وفي نهاية المفجّر, يتم إحاطة السلك بطبقة مادّة مفجّرة, كما يتم وصل المفجّر مباشرةً بمادة التفجير الأوّلية (Primary Charge) المثبّت بالمتفجرات الرئيسية. وعندما يتم إرسال التيار عير السلك (بتعليقه بالبطارية على سبيل المثال), فإنّ المقاومة الكهربائية تسبّب في تسخين السلك, الأمر الذي يجعل هذه الحرارة قادرة على إشعال المادة التفجيرية الأوّلية القابلة للاشتعال والتي تصل بدورها إلى المتفجرات الرئيسية.
وللسيطرة على سلسلة الانفجارات, يشكّل مهندسو التفجيررات أصابع تفجير بوساطة آليات تأخير ميكانيكية بسيطة (Simple Delay Mechanism) وأقسام مادة محترقة بطيئة وضعت بين الفتيل والمادة التفجيرية الأوّلية. وباستخدام استطالة أقصر من مادّة التأخير, يصبح في استطاعة المهندسين تعديل مقدار الطول المرغةب لتفجير مادة التفجير. ويعد طول الفتيل أيضاً عاملاً بحدّ ذاته, بما أنّ الفتيل الطويل سيأخذ وقتاً أطول بكثير للوصول إلى المادة التفجيرية من نظيره القصير. وباستخدام أجهزة التوقيت, بإمكان المهندسين إملاء كيفية تنظيم الإنفجارات بتوقيتٍ دقيق.
ويقرّر مهندسو التفجيرات كمية المادة التفجيرية اعتماداً على خبرتهم وعلى المعلومات التي يزودهم بها المهندسين المعماريين والمهندسين الذين أشرفوا على إنشاء البناء. لكنّهم في معظم الوقت لا يعتمدون على هذه البيانات فقط. فللتأكّد من أنهم لا يشكّلون زيادة أو ثقل غير كافٍ على الإنشاء الداعم, يعمد المهندسون على اختبار تفجير عيّنة من الأعمدة يتم لفّها بدرعٍ من أجل ضمان الأمان. كما يختبر مهندسو التفجير درجاتٍ مختلفة من المادة التفجيرية, واعتماداً على التأثير الذي يحدثه كلّ تفجير, يقررون الشحنة التفجيرية الأقل التي يكونون بحاجة لها لتهديم الأعمدة. وباستخدام المقدار الضروري من المادة التفجيرية, يقلّل المهندسون من كمية الحطام المتطاير, خافضين بذلك إمكانية إضرار الإنشاءات المجاورة.
ولتقليل الحطام المتطاير بصورةٍ أكبر, قد يعمد مهنديو التفجيرات على لف سياج على سلسلة موصولة وقماش (الجيوتكستايل) حول كل عمود. ويعمل السياج على منع القطع البيتونية الكبيرة من التطاير, في حين تمسك المسكات القماشية معظم القطع البيتونية الصغيرة, يضاف إلى ذلك أنّ المهندسين قد يعملون على لف القسم الخارجي من كلّ طابقٍ مجهّز بالمتفجرات, الأمر الذي يعمل كشبكة إضافية تحتوي كل البيتون الذي تمّ تفجيره بوساطة المادة التفجيرية المثبتة حول العمود, ناهيك عن أنه من الممكن تغطية الإنشاءات المجاورة لحمايتها من الحطام المتطاير ومن ضغط الإنفجارات. وبعد أن يتم بدء كلّ شيء, يكون الوقت قد حان للبدء بالعملية.
في القسم التالي, سنعمد إلى استكشاف الخطوات الأخيرة التي يتوجب اتخاذها للتحضير من قبل مهندسي التفجير, كما سلقي نظرة على عملية التفجير نفسها, بالإضافة إلى أننا سنستكشف الأمور الخاطئة التي قد تحدث في عملية التهديم بوساطة المتفجرات, علاوةً على تقييم مهندسي التفجير للمشروع بعد زوال الدخان.
الضربة الكبرى:
في القسمين الماضيين ألقينا الضوء على كافة الأشياء التي يقوم بها مهندسو التفجير لتحضير البناء للعملية, وبالإضافة إلى كلّ هذه المقاييس, يتوجّب على المهندسين تحضير الناس القاطنين في المنطقة لوقوع هذه العملية, على أن يتم طمأنة الإدارات المحلية والأعمال المجاورة إلى أن التفجير لن يؤذي الإنشاءات المجاورة بصورةٍ جدية.
وتتمثّل الطريقة الأفضل, التي يتوجب على مهندسي التفجيرات استخدامها لتهدئة الإدارات القلقة, في عرض نجاحات الشركة في عمليات التهديم السابقة. ولمساعدة المهندسين في هذا العمل, فقد تعمد شركة التفجير إلى التعاون مع شركة استشارية في مجال التهديم مثل شركة بروتيك لخدمات التوثيق. فالشركة تعمد إلى استخدام آلات قياس الهزات الأرضية المتحرّكة ضمن المواقع وذلك من أجل قياس الاهتزازات الأرضية والإنفجارات الهوائية خلال عملية التهديم بالتفجير. ويقول, برنت بلانتشارد, مهندس العمليات التابع للشركة, أنهم يفحصون أيضاً الإنشاءات المحيطة قبل التفجير, مساعدين في تقييم أي إدعاءات ضرر بعد التفجير, بالإضافة إلى أنّ موطفي الشركة يعملون على تصوير التفجير بالفيديو من عدّة زوايا لتوفير تسجيلات لما حدث على أرض الواقع. وباستخدام البيانات التي تمّ تجميعها من التفجيرات السابقة, يصبح في مقدور مهندسي الشركة توقّغ مقدار التذبذب الذي قد يسببه تفجيرٍ معيّن قبل وقتٍ من العملية.
وعندما تتم عملية إضعاف الإنشاء, وتتم عملية تحميل المتفجرات, يكون الوقت قد حان للقيام بالتحضيرات النهائية. ويجري مهندسو التفجيرات فحصاً أخيراً للمتفجرات ويعمدون إلى الـاكد من أنّ المبنى والمنطقة المحيطة واضحين تماماً لهم.
وبصورةٍ مدهشة, يحاول المتحمسون لعمليات تهديم المباني بالمتفجرات المرور عبر الموانع لأخذ رؤية أقرب من الإنفجار, على الرغم من كل المخاطر الواضحة للعيان. وبمستوى التحطيم المتضمّن, من الضروري أن يكون كل الناظرين على مسافة بعيدة. ويسحب مهندسو التفجيرات حد الأمان اعتماداً على حجم المبنى ومقدار المتفجرات المستعملة.
وفي بعض الأحيان, قد يخطئ مهندسو التفجيرات في تقديراته المتعلقة بمدى تطاير الحطام, الأمر الذي يسبب في إصابة المشاهدين بإصاباتٍ خطيرة. كما من الممكن أن يزيد المهندسون في تقديراتهم المتعلّقة بمقدار المادة التفجيرية المطلوبة لتفجير الإنشاء, مُصدرين إنفجار أقوى من اللازم. وإذا ما قللوا من تقديرات قوّة التفجيرات المطلوبة, أو إذا ما فشلت المتفجرات في الاشتعال, قد لا يتهدّم المبنى بالكامل. وفي هذه الحالة, يعمد المهندوسن إلى استخدام آلات التحفير الميكانيكية بالإضافة إلى كرات التهديم لإنهاء عملية التهديم. لكن من الواجب ذكر أنّ وقوع مثل هذه الحوادث المؤسفة نادرٌ للغاية في عالم صناعة التهديم, ويعود السبب في ذلك إلى أنّ الأمان يشكّل الاهتمام الأوّل بالنسبة لمهندسي التفجير, الأمر الذي يمكنهم من تقدير الأمور بصورةٍ متقنة.
وعندما تتوضح المنطقة, بنسحب مهندسو التفجيرات إلى آلات التحكّم بالمتفجرات ويبدؤون بالعد التنازلي, كما قد يصدر المهندسون صوت صفّارة للإشارة إلى أن التفجير سيحدث بعد 10 دقائق, ثم بعد 5 دقائق, انتهاءً بدقيقة واحدة, وذلك لإعلام الجميع بوقت هبوط المبنى. وإذا ما لجأ المهندسون إلى استخدام المفجّرات الكهربائية, سيكون لديهم آلات تحكّم بالمتفجرات تحتوي على زرين, كتب على أحدهما (الشحن), في حين كتب على الآخر (نار). وقرب الانتهاء من العد التنازلي, يضغط أحد المهندسين على زر (الشحن) ويبقي إصبعه عليه إلى أن يصدر ضوء تفجير. وهذا ما يبني شحنة كهربائية حادة ضرورية لتفعيل المتفجرات (ما يماثل شحن فلاش الكاميرا لإيجاد الطاقة الكهربائية اللازمة لإضاءة مشهد). وبعد أن تكتمل عملية شحن آلة التحكم بالمتفجرات, ويتم الانتهاء من العد التنازلي, يضغط المهندس على زر (نار) مع إبقاء الضغط على زر الشحن محرراً الشحنة إلى الأسلاك, ما يجعلها قادرة على تشغيل أصابع التفجير.
وبصورةٍ نموذجية, تأخذ عملية التهديم بالتفجير عدّة ثوانٍ فقط. وتشكل سرعة التدمير المنظر الأكثر روعةً في العملية برمتها بالنسبة للمشاهدين, الأمر الذي يدفعهم إلى التساؤل بانبهار عن كيفية انهيار مبنى استمرت عملية إنشائه العديد من الشهور وانتصب في مكانه لمئة سنة أو أكثر إلى كومةٍ من الرمال, كما لو أنّه كان قلعة رملية.
وبعد التفجير تتموّج غيمة من الغبار حول الحطام تصل إلى المشاهدين القريبين. ويمكن أن تشكّل هذه السحابة مصدراً لإزعاج كل الأشخاص القاطنين في المنطقة المجاورة من المبنى, لكن يوضّح مهندسو التفجيرات أن هذه العملية أقل تطفلاً من الغبار الناجم عن عمليات التهديم التي يتم تطبيقها بدون استخدام المتفجرات. فعندما يعمد العمّال إلى تهديم الأبنية باستخدام المطارق الثقيلة (المهدّات) وكرات التحطيم, من الممكن أن تأخذ العملية أسابيع أو أشهر. في هذا الوقت, فإنّ مقداراً كبيراً من الغبار سينجم عن هذه العملية بالإضافة إلى أنه سيتصاعد إلى الهواء يومياً. في المقابل, عندما تتم العملية في لحظةٍ واحدة, سيتركّز الغبار ضمن سحابةٍ واحدة والتي ستهمد بعد فترةٍ قصيرة نسبياً من الوقت, كما يمكن للقاطنين في المنطقة المجاورة من المبنى, الذين يحملون المخاوف في داخلهم, أن يغادروا المنطقة ليومٍ واحدٍ فقط, وذلك من أجل تجنّب الغبار بصورةٍ كلّية.
وعندما تنقشع السحابة, يمسح مهندسو التفجيرات ويعمدون إلى مراجعة أشرطة الفيديو لرؤية إذا ما سار كلّ شيءٍ وفقاً للخطّة. وعند هذه المرحلة, من المهم التأكد من أنّ كل المتفجرات قد تمّ تفجيرها وأن تتم إزالة المتفجرات التي لم تتفجّر. فإذا ما توفّر طاقم تهديمٍ استشاري, سيستطيع مهندسي التفجير مراجعة ذبذبات التفجير وبياناته أيضاً. وفي أغلب الأحيان, يطبّق مهندسو التفجيرات الخبراء خطط التفجير بشكلٍ تام. كما يمكن ذكر أنّ الضرر الذي قد يلحق بالمباني المجاورة (حتى بتلك المجاورة تماماً للمبنى المراد تهديمه) يتلخّص في عددٍ صغير من النوافذ المكسّرة. وإذا لم يعمل أحد عناصر التفجير بوصةرٍ ملائمة, يعمد مهندسي التفجير إلى تدوين ذلك في ذاكرتهم, الأمر الذي سيساعدهم في تجنّب وقوع هذا الأمر في المهمّات التالية. وبهذه الطريقة (عملية بعد عملية), يواصل علم وفن تهديم المباني بالمتفجرات تطوره
منقول