السلام عليكم، سمعت بأن التوسل(بواسطة شخص ما) يعتبر من الإشراك بالله في الإسلام، فهل هو كذلك
الجواب :
عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:" ادع الله أن يعافيني !" قال:" إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك." قال:" فادعه!" قال:" فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء:" اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي اللهم فشفعه في ." رواه الإمام أحمد في المسند والترمذي في سننه وقال هذا حديث حسن صحيح غريب وابن خزيمة في صحيحه والبخاري في التاريخ الكبير والحاكم في المستدرك وصححه وسلمه الذهبي والنسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجة في السنن والبيهقي في دلائل النبوة والطبراني في الكبير وقال صحيح.
وحمل ابن تيمية الحديث على كون التوسل من الأعمى كان بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم له كما صرح بذلك في كتابه التوسل والوسيلة وفي كلامه من المغالطة ما يكشفه متن الحديث :
1 ـ جاء الأعمى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ادع الله أن يعافيني .فالأعمى طلب الدعاء
2 ـ فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك فخيره رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الدعاء والصبر
3ـ فرد عليه الأعمى بالتماس الدعاء لشدة حاجته إلى البصر
4ـ فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد. إلى آخر الدعاء.
فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء وهو نص في التوسل به صلى الله عليه وسلم لا يحتمل أي تأويل وكيف يحتمل غير التوسل به صلى الله عليه وسلم وفيه "أتوجه إليك بنبيك ، إني توجهت بك إلى ربي..." ؟!
ومن رأى غير ذلك فقد استعجم عليه الحديث . فيا ترى أين دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الأعمى؟ وماهي صيغته؟ ومتى دعا له ؟ اللهم إن حملنا الحديث فوق طاقته ! وقولناه بما لم يقل !
وابتهج الألباني في توسله بكلام ابن تيمية فردده قائلا:" وعلى هذا فالحادثة كلها تدور حول الدعاء كما هو ظاهر وليس فيها ذكر شيء مما يزعمون . "
وهذه مصادرة للنص وتعمية على القارئ وكيف لايكون كذلك ؟ والنبي صلى الله عليه وسلم علم الرجل دعاءا فيه السؤال بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو السبب في رد بصر الأعمى وهذا ما فهمه الأئمة الحفاظ الذين خرجوا الحديث في مصنفاتهم فذكروا الحديث على أنه من الأدعية التي تقال عند الحاجات ، فقال البيهقي في دلائل النبوة :" باب ما جاء في تعليمه الضرير ما كان فيه شفاءه حين لم يبصر"، ولا يخفى أن تعليمه للضرير هو الدعاء الذي فيه التوسل بالذات المحمدية وعبارة البيهقي واضحة جدا وهو الحافظ الفقيه ، وذكره النسائي و ابن السني في عمل اليوم والليلة والترمذي في الدعوات والطبراني في الدعاء والمنذري في الترغيب والترهيب والهيثمي في مجمع الزوائد في صلاة الحاجة ودعائها والنووي في الأذكار وغيرهم على أنه من الأذكار التي تقال عند عروض الحاجات ، وذكره ابن الجزري في العدة في باب صلاة الضر والحاجة .
وقال الشوكاني في تحفة الذاكرين :" وفي هذا الحديث دليل على جواز التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل مع اعتقاد أن الفاعل هو الله سبحانه وتعالى وأنه المعطي المانع ماشاء الله كان ومالم يشأ لم يكن . "
واستقصاء أسماء الحفاظ وأئمة الدين الذين فهموا أن الحديث في التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم لا بدعائه يطول.
قال ابن تيمية :" ولو توسل غيره من العميان الذين لم يدع لهم النبي صلى الله عليه بالسؤال به لم تكن حالهم كحاله."
وردد أتباعه صدا كلامه فقال الألباني في توسله:" لو كان السر في شفاء الأعمى أنه توسل بجاه النبي وقدره وحقه كما يفهم عامة المتأخرين لكان المفروض أن يحصل هذا الشفاء لغيره من العميان الذين يتوسلون بجاهه صلى الله عليه وسلم ...." وذكر نحوه نسيب الرفاعي صاحب التوصل إلى حقيقة التوسل وكذا صاحب هذه مفاهيمنا .
وهذه أيضا من مغالطاتهم وجدالاتهم المضللة فإجابة الدعاء ليست من شروط صحة الدعاء لأن الله سبحانه وتعالى قد يدخرها له ليوم القيامة فلا تظهر للسائل في الدنيا أبدا أو قد تأتي الإجابة ولكن على غير الوجه الذي أراد السائل بحيث مثلا يدفع الله بها عنه بلاءا ينزل به وهذا من المعروف عند عامة المسلمين وكم من داع متوسلا لله بأسمائه وصفاته ولم يستجب له والتوسل بأسماء الله والدعاء بها مما أجمعت عليه الأمة قال تعالى :{ ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها. } ، وكم من متوسل بعمله الصالح ولم نرى إجابة لدعائه والتوسل بالعمل الصالح مما أجمعت عليه الأمة أيضا روى البخاري في صحيحه قصة الثلاثة الذين انحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا:" إنه لا ينجيكم منها إلا الدعاء بصالح الأعمال."
فهل عدم إجابة الدعاء ننفي به مشروعية التوسل بأسماء الله والتوسل بالأعمال الصالحة ؟!! هذا لا يقول به أي مسلم بالأحرى العلماء منهم وهذا والحمد لله من تمام الحجة عليهم ونقض إيرادهم فلا تلازم بين الدعاء والإجابة.
وسيدنا عثمان بن حنيف رضي الله عنه وهو راوي الحديث فهم منه العموم ، ووجه رجلا يريد أن يدخل على عثمان بن عفان رضي الله عنه في خلافته إلى التوجه بالدعاء المذكور، وإسناد هذه القصة صحيح كما قال الطبراني في الكبير وفهم الصحابي الجليل عثمان بن حنيف رضي الله عنه هو ما لا يستقيم فهم الحديث إلا به. ورغم جدال الألباني ومراءه وتحت قوة الدليل لم يستطع إلا الاعتراف بجواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنه لاغبارعليه فشكك في حججه وأسقط كلامه وتعنته فقال في توسله :" على أنني أقول لو صح أن الأعمى إنما توسل بذاته صلى الله عليه وسلم فيكون حكما خاصا به صلى الله عليه وسلم لايشاركه فيه غيره من الأنبياء والصالحين." . فأقر بجواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم خاصة وحكم على نفسه بما حكم على عامة المسلمين المتوسلين إلى الله برسوله صلى الله عليه وسلم. وإليك أيها الأخ الباحث عن حقيقة الأمر أن تنظر بعين الإنصاف وتعتقد ماأجمعت عليه الأمة والسواد الأعظم من العلماء من أن التوسل بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم وبورثته من العلماء والصالحين لا يعتبر من الإشراك بالله في الإسلام. وبعد هذا الدليل الذي لايرده إلا متنطع في جواز التوسل أسوق إليك من الأدلة ما تطمئن بها فؤادك وتحول بها بين تكفير الأمة وقلبك.
روى البخاري في صحيحه وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي في دلائل النبوة عن أنس رضي الله عنه أن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال : "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقينا " قال:" فيسقون." والمنكرين للتوسل أفهموا الناس أن الاستسقاء كان بدعاء العباس رضي الله عنه فقط . وهو خطأ منهم ، ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في الفتح أن الزبير بن بكار في الأنساب قد بين صفة مادعا به سيدنا العباس في هذه الواقعة فأخرج بإسناد له أن العباس لما استسقى به عمر قال:" اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقينا الغيث!" فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس.
فأقر رضي الله عنه بإتخاده وسيلة إلى الله بقوله:" وقد توجه القوم بي إليك" كما توسل هو أيضا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله:" لمكاني من نبيك" أي لقرابتي منه أي احفظ اللهم نبيك في عمه أي إقبل دعائي لأجل نبيك. كما تلمح ذلك أيضا في قول سيدنا عمر:" بعم نبينا " أي بقرابته لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو بذلك لايخرج عن كونه توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الحافظ في الفتح:" ويستفاد من قصة العباس استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوة."
وأخرج الحاكم في المستدرك من طريق داوود بن عطاء المدني عن زيد ابن أسلم عن ابن عمر أنه قال :" استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب فقال:" أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرى للعباس مايرى الولد لوالده يعظمه ويفخمه ويبر قسمه فاقتدوا أيها الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم في عمه واتخذوه وسيلة إلى الله فيما نزل بكم." وهكذا رواه الزبير بن بكار في الأنساب كما في الفتح وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق الزبير بن بكار وداوود بن عطاء المدني ضعيف وقد ضعفه الذهبي في تلخيص المستدرك أما الحاكم فلم يتكلم عليه.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح بعد سياقه لطريق داوود بن عطاء الضعيف مانصه: "وأخرجه البلاذري من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم فقال عن أبيه بدل ابن عمر فيحتمل أن يكون لزيد فيه شيخان. والعجب أن الألباني لم يأتي على هذا الاحتمال القوي في توسله واشتغل بتضعيف داوود بن عطاء المدني ولما رأى متابعة هشام بن سعد قال:" إن في السند اضطرابا " وهذا الحكم لادعامة له إلا الهوى المتبع الذي أداه لمخالفة قواعد الحديث فإن من المعروف أن الحكم بالاضطراب على السند لايكون إلا إذا تساوت الروايات وامتنع الجمع والترجيح ، عند ذلك يحكم بالاضطراب وهو هنا ممتنع فإن هشام بن سعد من رجال مسلم فحديثه راجح وداوود بن عطاء ضعيف وقد حسن مرات عدة حديث هشام بن سعد فكيف يغض طرفه؟ غفر الله لنا وله !عن هذا الحق الواضح!
فثبت ولله الحمد توسل سيدنا عمر بالعباس رضي الله عنهما بدليل قوله:" واتخذوه وسيلة إلى الله فيما نزل بكم ." والضمير يعود على شخص سيدنا العباس رضي الله عنه قولا واحدا.
وقال ابن تيمية :" لو كان السؤال به صلى الله عليه وسلم معروفا عند الصحابة لقالوا إن السؤال والتوسل به أولى من السؤال والتوسل بالعباس وفي ذلك ترك السنة المشروعة وعدول عن الأفضل وسؤال الله تعالى بأضعف السببين مع القدرة على أعلاهما ونحن مضطرون غاية الاضطرار في عام الرمادة."
والناظر في كلام ابن تيمية يجده ينفي التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم مطلقا لأن الصحابة رضي الله عنهم تركوا التوسل به بعد وفاته لأنه مقصور على الدعاء فقط ودعاؤه بعد انتقاله غير ممكن في رأيه ولو كان توسلهم بذاته ممكنا لما تركوه مع قيام المقتضى وشدة الحاجة.
وهذا الإشكال الجواب عنه والحمد لله سهل ميسور فالترك بمفرده لايدل على التحريم أو الكراهة وإنما الترك يفيد أن المتروك جائز تركه أما التحريم والكراهة فيحتاجان إلى دليل أخر يفيدهما ولو كان الترك يفيد التحريم كما فهم ابن تيمية ومن شاكله فإن الصحابة رضي الله عنهم تركوا التوسل المتفق على جلالته وأفضليته وهو التوسل بأسماء الله وصفاته وتوسلوا بالعباس الذي لايملك لنفسه ضرا ولا نفعا فضلا عن غيره وهم مضطرون غاية الاضطرار لحال الشدة والقحط ، كما تركوا التوسل بمن هم أفضل من العباس بالإجماع سيدنا عثمان ابن عفان وسيدنا علي ابن أبي طالب رضي الله عنهما. وفهم الصحابة رضي الله عنهم يخالف قول ابن تيمية وأتباعه والصحابة أفهم من غيرهم لكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فكان التوسل عندهم لايقتصر على دعاء الحي فقط وإنما تعداه إلى التوسل بذاته صلى الله عليه وسلم بعد وفاته.
قال ابن حجر في الفتح روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الداري (وكان خازن عمر) قال:" أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال:" يارسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا فأتى الرجل في المنام فقيل له:" ائت عمر" ." الحديث
وقال ابوبكر البيهقي بإسناد صحيح كما قال الحافظ ابن كثير في البداية عن أبي صالح عن مالك قال أصاب الناس قحط في زمن عمر ابن الخطاب فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال:" يارسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا !" فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال:" ائت عمر فأقرئه مني السلام وأخبرهم أنهم مسقون وقل له:" عليك بالكيس الكيس."." فأتى الرجل فأخبر عمر فقال:" يارب ما آلو إلا ما عجزت عنه." وهذه حجة دامغة في جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم حيا وميتا .
وقد بعد عن الصواب من رمى المسلمين بالشرك بسبب ذلك مع قوله بجواز التوسل بالحي والتوسل لو كان شركا ما جاز لا بالحي ولا بالميت.
وركب بعض العلماء المتأخرين في تعليقهم على فتح الباري الصعب معلقا على هذا الأثر الصحيح فقال:" هذا الأثر على فرض صحته كما قال الشارح ليس بحجة على جواز الاستسقاء بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته لأن السائل مجهول ولأن عمل الصحابة على خلافه ..." إلى أن قال:" وأن ما فعله هذا الرجل منكر ووسيلة إلى الشرك بل قد جعله بعض أهل العلم من أنواع الشرك."
فقوله:" لأن السائل مجهول " هو معنى كلام الألباني في توسله حيث قال:" هب أن القصة صحيحة فلا حجة فيها لأن مدارها على رجل لم يسم وتسميته بلالا في رواية سيف لايساوي شيئا لأن سيف متفق على ضعفه. " .
وهذا التعليل ميت أو كما قيل عذر أقبح من ذنب يحتج به على أثر صحيح فالجائي إلى القبر الشريف سواء كان صحابيا أو تابعيا مجهولا كان أو معروفا لا يفيد في شيء وإنما الحجة والدليل القاطع في إقرار سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لعمله حيث لم ينهه عما فعل وعمر وما أدراك ما عمر في شدته على الباطل بالأحرى الشرك . وقوله :" لأن عمل الصحابة على خلافه " كلام باطل وإقرار سيدنا عمر لهذا الجائي فيه لفت نظر القارئ الكريم إلى أن فعل الصحابة ليس على خلافه وسيدنا عمر من أكابر الصحابة رضي الله عنهم جميعا . ولمزيد توضيح أن فعل الصحابة ليس على خلافه إليك أيها الباحث عن الحقيقة مايلي : روى الحافظ الدارمي في سننه باب ما أكرم الله تعالى نبيه بعد موته قال:" قحط أهل المدينة قحطا شديدا فشكوا إلى عائشة ، فقالت :" انظروا إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فاجعلو منه كوا إلى السماء حتى لايكون بينه وبين السماء سقف." قال:" ففعلوا فمطرنا مطرا حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق". وإسناد هذا الأثر صحيح أو حسن لا يعدوهما ورجال السند رجال الصحيح ماخلا عمروبن مالك النكري وهو ثقة غير أن الألباني ضعفه ورفض توثيق الحفاظ له كالمنذري والهيثمي والذهبي وابن حبان وما ذلك إلا ليضعف به الحديث نعوذ بالله من الهوى المتبع.
فإرشاد أمنا عائشة رضي الله عنها أهل المدينة إلى قبر سيد الوجود صلى الله عليه وسلم فيه إبطال من زعم أن عمل الصحابة على خلاف الجائي إلى القبر الشريف. أما قوله:" ولأن مافعله هذا الرجل منكر ووسيلة إلى الشرك " كلام باطل أيضا وخطأ بين ، فبعدما سلم بصحة الأثر أترى أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يقر الرجل على الشرك في رأيك ؟ حاشاه من هذا ! ثم للقارئ الكريم أن يتعجب ويسأل هل نتعلم من الصحابة رضوان الله عليهم ديننا أم ننظر في أعمالهم ونحكم عليها وفق أهوائنا ؟ أعاذنا الله من ذلك! والخير في الإتباع والشر في الابتداع ! ففهم تسلم !
وحتى لا أطيل عليك أيها السائل الكريم سأذكر لك جملة من أشهر علماء الأمة ممن يرى أن التوسل جائز بالأحياء وبالأموات مشيرا إلى مراجعهم فأقول:
1ـ الامام أحمد بن حنبل : في إتحاف السادة المتقين لمرتضى الزبيدي ذكر صفوان بن سليم عند أحمد فقال:" هو رجل يستسقى بحديثه وينزل القطر من السماء بذكره." كما ذكره عنه أيضا المزي في تهذيب الكمال وعنه أيضا ابن حجر في تهذيب التهذيب وابن سليم هذا توفي قبل أن يولد الإمام أحمد ولم يقل يستسقى بدعائه كما يقول ابن تيمية بل جعل ذكره سببا لنزول المطر. وفي العلل ومعرفة الرجال عن عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه أنه قال:" قال ابن عيينة :" رجلان صالحان يستسقى بهما ابن عجلان ويزيد بن يزيد بن جابر."
2ـ الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني: ذكر قصة الرجل الذي جاء إلى قبر النبي وتوسل به وصحح سندها في الفتح كما ذكر في الإصابة في تمييز الصحابة في ترجمة الصحابي عبد الرحمان بن أبي ربيعة الباهلي أنه استشهد ببلنجر من أرض الترك ودفن هناك فهم يستسقون به إلى الآن.
3ـ الامام الحافظ المفسر ابن كثير: في تفسيره عند قوله تعالى:"{ ولو أنهم ظلموا أنفسهم ...} الآية فقد ذكر قصة العتبي ولم يعترض عليها بشيء مما يدل على قبولها عنده. وذكر قصة الرجل الذي جاء إلى القبر الشريف وتوسل به وقال إن إسنادها صحيح من البداية .
4ـ المفسر الإمام القرطبي: في تفسيره عند قوله تعالى:"{ ولو أنهم ظلموا أنفسهم }.
5ـ الامام الشوكاني: في تحفة الذاكرين .
6 ـ العلامة ابن حجر الهيثمي: في حاشيته على الإيضاح وله رسالة خاصة في هذا الباب تسمى بالجوهر المنظم.
7ـ الإمام الزرقاني: في شرحه على المواهب.
8 ـ الامام النووي: في كتابه الإيضاح في الباب السادس .
9ـ الحافظ القسطلاني: في كتابه المواهب اللدنية في المقصد الأول من الكتاب .
10 ـ العلامة شهاب الدين الخفاجي: في شرحه على الشفا.
11 ـ الشيخ نور الدين القاري المعروف بملا علي قاري: في شرحه على الشفا.
12 ـ القاضي عياض : في الشفاء.
13ـ الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي: في كتابه الوفا.
14 ـ الحافظ جلال الدين السيوطي: في الخصائص الكبرى.
15 ـ الحافظ البيهقي: في كتابه دلائل النبوة وقد التزم أن لايذكر فيه الموضوعات.
16ـ الحافظ أبو عبد الله الحاكم: في المستدرك على الصحيحين.
17ـ العلامة المرداوي الحنبلي: في كتاب الانصاف وفيه ويجوز التوسل بالرجل الصالح على الصحيح من المذهب وقيل يستحب.
18ـ ابن مفلح الحنبلي: في الفروع وفيه ويجوز التوسل بصالح وقيل يستحب .
19 ـ المحقق ابن قدامة الحنبلي: في كتابه المغني .
20 ـ الفقيه شمس الدين الرملي الشافعي: في فتاويه بهامش الفتاوى الكبرى لابن حجر الهيثمي.
21 ـ العلامة المجتهد تقي الدين السبكي: في شفاء السقام .
22ـ شمس الدين ابن الجزري: كما قال نور الدين ملا علي القاري الحنفي في شرح المشكاة مانصه :" قال شيخ مشايخنا علامة العلماء المتبحرين شمس الدين بن الجزري في مقدمة شرحه للمصابيح المسمى بتصحيح المصابيح :" إني زرت قبره بنيسابور(يعني مسلم بن الحجاج) وقرأت بعض صحيحه على سبيل التيمن والتبرك عند قبره ورأيت اثار البركة ورجاء الاجابة في تربته. "
23ـ الامام مالك بن أنس: كما ذكر القاضي عياض في الشفا باسناد صحيح مشيرا إلى القصة التي وقعت بينه وبين الخليفة المنصور عند قوله:" وهو وسيلتنك ووسيلة أبيك آدم." كما ذكرها أيضا السيد السمهودي في خلاصة الوفا والقسطلاني في المواهب وابن حجر في الجوهر المنظم.
24ـ العلامة ابن الحاج المالكي: في المدخل المعروف بشدة انكاره للبدعة عند قوله:" فالتوسل به عليه الصلاة والسلام هو محط أحمال الأوزار وأثقال الذنوب والخطايا لأن بركة شفاعته عليه الصلاة والسلام وعظمها عند ربه لايتعاظمها ذنب... "
25ـ البدر العيني: في عمدة القاري بشرح صحيح البخاري .
26 ـ الشيخ مرعي بن يوسف الحنبلي: في غاية المنتهى.
27 ـ الدكتور سعيد رمضان البوطي: في فقه السيرة النبوية .
والقائمة طويلة جدا وفي ما ذكرت كفاية لمن كان قصده البحث عن الحقيقة والوقوف على الصواب في هذه المسألة ومن لم تكن له في هؤلاء الأعلام الحجة وهم الذين يمثلون السواد الأعظم من الأمة المقتدى بهم فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
منقول للأفادة