المشاركة للأخت زهرة
إن أصل كلمة "إنسان"، وكذا "إنس"، و "أنس": في كلام العرب من الإيناس؛ ومعناه: الإبصار.
يقال: أنَسْته، وأنِسْته؛ أي أبصرته. وقيل للإنس: إنس. لأنهم يؤنسون؛ أي يبصرون. كما قيل للجن: جن. لأنهم لا يؤنسون؛ أي لا يرون. كذا ذكر الأزهري.
... وكذا جاء المعنى في القرآن الكريم، قال تعالى: {فإن آنستم منهم رشدا}؛ رأيتم.
وفي قوله تعالى: {آنس من جانب الطور نارا}؛ أي أبصر. فالاستئناس في كلام العرب بمعنى النظر.
وإنسان العين هو ما ينظر به، وهو السواد الذي في العين، قال ابن سيده:
أشارت لإنسان بإنسان عينها
لتقتل إنسانا بإنسان كفها
فتحصّل من هذا أن كلمة "إنسان" في كلام العرب يرجع إلى معنى الظهور، عكس الجن.
ثم إنهم ذكروا للإنسان معنى آخر هو: النسيان. فقد أورد ابن منظور عن ابن عباس قوله: "إنما سمي الإنسان إنسانا؛ لأنه عهد إليه فنسي"، كما في قوله تعالى: {ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما}. وبهذا قال الكوفيون: إنه مشتق من النسيان.
وبهذا فإن معنى الإنسان، الذي محور حديثنا، يرجع في معناه، في كلام العرب، إلى: الظهور، والنسيان.
ومعرفة هذه النتيجة لها دور مهم، في تحديد ما يجب أن يكون الإنسان عليه، فما دام أن الظهور أصل معناه، فيفترض به أن يكون الظهور سمته البارزة، فيحقق هذا المعنى في: نفسه، وطريقته، وحياته. فيكون ظاهرا في:
- مبادئه، وقيمه، وأخلاقه، ودينه الذي يؤمن به، فلا يستخفي، ولا يتوارى، كما يتوارى الجن.
- في أقواله، وأفعاله، يوافق ظاهره باطنه، مجتنبا لحن القول، ومخالفة الظاهر للباطن، كما حال المنافقين.
ومبنى هذا الافتراض، ووجوب التحقق: ما عرف وثبت، من أن الأسماء لها أثر في مسمياتها، وكما قيل: "كل له من اسمه نصيب"، فهذا في الأسماء المسماة باجتهاد واختيار الوالدين، فكيف بالاسم الذي تعلق بهذا الكائن، حين عدمه، وحين وجوده، والذي علقه به وأطلقه عليه، الذي خلقه، وهو أعلم به.
وأما النسيان، فيستفاد منه: أن الإنسان فيه هذا العقل. فهو الذي يتذكر، وهو الذي ينسى، فالنسيان علامة وجود العقل، وإذا عرف الإنسان أن معناه مرتبط بهذه الآلة: العقل. كان مما يجب عليه أن يرعى هذه النعمة حق الرعاية:بالحفظ، والنماء. فالعقل جرم عجيب، من حيث إنه صغير الحجم، لكنه كبير السعة، حفظا وفهما، فمن الرعاية استثماره وتنميته، وإهماله يعني فقد جزء أساس من الإنسانية.