يعجب المرء مما يقرأ ويسمع عن رحلة الكتاب العربي منذ ان اخذ شكله الاول وصار بين دفتين وبدأ ينتشر في دكاكين الوراقين التي انتشرت في العصر العباسي وازدهرت ومن بعد ذلك لتبدأ مرحلة جديدة اقل ما يقال فيها انها فراق يكاد شبه دائم بين الكتاب وبين شريحة واسعة من أبناء المجتمع .
على كل حال يبدو ان حظ الكتاب العربي ان يكون غريب اليد واللسان , وان يهاجر الى الغرب, قبل ان يهاجر المبدعون العرب ونشوء ظاهرة الادب المهجري التي بدأت اوراقها تتساقط وتذبل الى غير رجعة.
ومن المفارقات ان ندعي اننا عرفنا الطباعة وعرفنا صناعة الورق وعرفنا .. ومع ذلك يطبع اول كتاب عربي في الغرب , ونبقى حيث نحن , واذا كنا حقا قد عرفنا اشكالا والوانا للطباعة فلماذا لم نطورها ونرتقي بها ..!
الكتب العربية المطبوعة في اوروبا هو عنوان الكتاب الهام الذي اصدرته مؤخرا مكتبة الملك عبد العزيز العامة في المملكة العربية السعودية ويتناول رحلة الكتب العربية التي طبعت في المانيا وايطاليا واسبانيا.
بدايات التواصل
يشير الكتاب السابق الذكر الى ان الاهتمام الاوروبي بالثقافة العربية والاسلامية منذ القرن الثامن الميلادي عندما فتح طارق بن زياد الاندلس ومنذ ذلك الحين كان رجال الدين والمثقفون الاوروبيون يتوافدون على مراكز التعليم الاندلسية في قرطبة واشبيلية وطليطلة للاطلاع على برز المؤلفات العربية وترجمتها الى اللغة اللاتينية بشكل خاص ومن بين هؤلاء الاوروبيين الوافدين الايطالي : جيرارد وكريمونو ( 1114م /1187م) والالماني : ألبرت لوغران ( 1193م-1280م) .
وفي عامي ( 1311- 1312) اثناء انعقاد المجمع المقدسي في فيينا تمت الموافقة على ضرورة تدريس اللغات الشرقية في الجامعات والكنائس وبشكل خاص اللغة العربية وعلى ا ثر صدور هذا القرار برع الايطاليون لا سيما التجار منهم في دراسة اللغة العربية وتعليمها.
وثمة حدثان هامان اثرا على العلاقة بين الشرق والغرب وسارعا في حركة الاستشراق , الاول : اختراع الطباعة عام 1445م وما ادى اليه من طباعة لبعض الكتب العربية ونشرها في الغرب والحدث الثاني: امتداد الدول العثمانية باتجاه الغرب ورغبة الاخر في معرفة الوافد الجديد دفعتهم للبحث في علوم الشرق والسعي من اجل اكتشافه.
أول كتاب عربي مطبوع ..
تشير الدراسة الى ان اول ظهور للحرف العربي في كتاب اوروبي كان سنة 1486م عندما نشر الرحالة الالماني بيرهار دوفون بريد نباخ انطباعاته عن رحلة قام بها الى القدس ما بين نيسان ( 1483م وكانون الثاني 1484م ) حيث ظهر الحرف العربي في الصفحة (81) من كتابه .
اما الكتاب الثاني الذي ظهر فيه الحرف العربي فهو كتاب الراهب الاسباني :بيدرودي اكالا الذي كلف من قبل رئيس اساقفة غرناطة عام 1499 م بالعمل على انجاز معجم عربي اسباني لا ستعماله من قبل الكنيسة وبالفعل انجز الكالا المعجم عام 1505م مستندا الى معجم اسباني لاتيني لانطونيودي نيرو الذي سبق في الظهور عام 1495م .
اما اول كتاب كامل ظهر باللغة العربية في اوروبة فيعود تاريخه الى عام 1541م وهو كتاب موجه الى الروم الارثوذكس الشرقيين وعنوان كتاب صلاة السواعي وتولى نشره في فانو جريجوار بتوجيه من ا لبابا ليون العاشر وبعد ذلك صدر (مزامير داود) وقد نشر منه الف نسخة عادية وخمسون متميزة اهديت الى امراء مسيحيين ومسلمين اما القرآن الكريم فقد صدر بالعربية في عام 1500م.
وحري بنا ان نذكر انه قبل بدء عصر الطباعة كان جيرارد كريموث يدير في اسبانيا مؤسسة للترجمة من العربية الى اللاتينية وفي ايطالية كان كتاب ابن سينا قد ترجم الى اللاتينية وتم تداوله بشكل كبير .
طباعة الكتب العربية في اوروبا..
ربما كان اختراع الآلة الطابعة من قبل يوحنا غوتنبرغ جعل من المانيا مصدر الطباعة الاول لاول حرف عربي كما اشرنا في البدايات وقد عمل الالمان على تطويرحروف الطباعة العربية في الفترة من (1608-1611م) واسهم الطبيب الالماني : بيتر كيرستن بمشروع طباعة اربعة كتب في اللغة والدين ونشرها على نفقته الخاصة وعلى رأسها كتاب القانون في الطب لابن سينا حيث كان كيرستن يعشق الطب العربي ويؤمن به كثيرا ولهذا حرص على نشر النصوص الطبية العربية في نشرات تخلو من اخطاء الترجمة .
اما في ايطاليا فتشير الدراسات الى ان اول كتاب طبع بحرف عربي في البندقية فكان القرآن الكريم الذي اختلفت آراء الباحثين في تحديد طباعته ليمتد من عام 1499 م الى 1538م وتوجد نسخة منه في مكتبة الدير الفرنسيسكاني القديس ميخائيل بالبندقية وقام بطباعته ألسندرو باغنينو .
وفي فرنسا كان اول كتاب عربي يطبع هناك هو في صناعة النحو من تأليف القس جبرائيل الصهيوني والشماس الماروني يوحنا الحصروني عام 1613م ثم ظهر كتاب ( الفلاسفة العرب).
في اسبانيا طبع كتاب ( الاخلاق ) لارسطو وكان ذلك عام 1473 م وفي هولندا طبع كتاب حوليات هولندا عام 1483 .
وفي بريطانيا بدأت الكتب العربية بالظهور في بريطانيا عام 1637م وابرز مطبعتين كانتا في اكسفورد ولندن ومن ابرز الاسماء التي نشطت في مجال النشر العربي في بريطانيا كان ادورد بوكوك وقد سبق له العيش في مدينة حلب ما يقارب الست سنوات حيث تعلم العربية وعندما عاد الى اكسفورد عين مدرسا للغات الشرقية ومن ابرز الكتب التي نشرها بوكوك كتاب نظم الجوهر لسعيد البطريق كما قام بانجاز دراسة وتحقيق كتاب مختصر الدول لابن العبري ونشر في اكسفورد عام 1663م الكتاب جهد توثيقي هام يقدم كما كبيرا ونوعيا من المعلومات ويشير بالوقت الى نغمة الى التفات الغرب الى مصادر المعرفة آنئذ واستثمارها والاخذ بما يناسبه وترك ما لا يناسبه ومن ثم ودون الدخول في جدل عقيم حول ما يترجمونه تبدأ رحلة العمل ولتكون الانطلاقة فيما بعد ثورة علمية ومعرفية فيما نحن نتغنى بما انجزه الاجداد ننسى الحاضر ونأمل بالمستقبل الاخضر الذي لا نبنيه لا قولا ولا عملا وتصبح الامنيات قيدا قطباها الماضي الذي ولى الى غير رجعة والمستقبل الذي لن يورق ما دامت حالنا هكذا ..
بقي ان نشير الى ان الاف المخطوطات العربية في مكتبات الغرب حبيسة الادراج وستبقى كذلك ما لم تتوافر جهود عربية مخلصة من اجل التعريف بها واخراجها الى النور وطباعتها لعلها تحفزنا فيما نحن ندعيه .
ديب علي حسن