بدأ رينوار حياته في زخرفة أواني المرمر. لكنّ طموحه وطبيعته دفعاه بسرعة إلى صفوف الرسّامين الأوائل.
وكانت نقطة التحوّل الكبرى في مسيرته الفنّية عندما احدث هو ومجموعة من زملائه ثورة فنّية كبرى سُمّيت بالانطباعية.
لم يحذُ رينوار حذو الكلاسيكيين الذين عُنوا بالألوان الفاتحة والظلال
المتدرّجة وصولا إلى أفق اللوحة. بل كان يرى أن الألوان المتناثرة في
الخلفية لها نفس كثافة الألوان التي تظهر في الواجهة، ما يعطي اللوحة وضوحا
غير عادّي.
شقيقتان في ُشرفة هي واحدة من أشهر الأعمال الفنّية التي أنجزها رينوار
في العام 1881م وحاول فيها تصوير انطباع فتاتين في يوم ربيعي دافئ.
وقد رسمها في شاتو التي قضى فيها شطرا من ربيع ذلك العام وكان يعتبرها
أجمل ضواحي باريس. واختار مكانا للوحة شرفة مطعم فورنيز الذي يطلّ على نهر
السين. وهو نفس المكان الذي رسم فيه لوحته الأخرى "عشاء في رحلة بالقارب".
هذه اللوحة هي أيضا جزء من محاولات رينوار استكشاف وتصوير نمط حياة الطبقة
البورجوازية الباريسية في ذلك الوقت.
في الصورة يرسم رينوار فتاتين تجلسان في شرفة أمام منظر طبيعي. ومن
الواضح أن الوقت ربيع. فالأزهار والنباتات تغطّي كلّ شيء بينما تظهر بعض
انعكاساتها على مياه النهر.
الفتاة الكبرى ترتدي قبّعة حمراء وفستانا ازرق بينما تحتضن سلّة مملوءة
بالفواكه. والفتاة الصغرى تضع قبّعة ذات لون ازرق داكن وترتدي فستانا ابيض
مزيّنا برسومات لأزهار. وخلف الفتاتين قوارب تتحرّك على طول ضفتي النهر.
التفاصيل في اللوحة كثيرة لعلّ أهمّها كثرة النباتات والأزهار وأشجار
الكروم خلف الشرفة. ثم هناك النظرات الحالمة للفتاة الكبرى التي حرص
الرسّام على إضفاء نسيج ناعم على بشرتها.
الفتاتان الظاهرتان في اللوحة ليستا شقيقتين كما يوحي بذلك العنوان.
كما أن هويّتهما غير معروفة تماما. لكن قيل بأن الكبرى اسمها جيان دارلو
والتي أصبحت في ما بعد ممثّلة مسرح. وقيل أيضا أن صورتها في هذه اللوحة
أكثر جاذبية من الصور الفوتوغرافية التي التقطت لها آنذاك.
النقّاد يجمعون على اعتبار هذه اللوحة إحدى أشهر لوحات رينوار وأكثرها
شعبية واحتفاءً. وهي تبرهن على فخامة مناظر الرسّام وجمال ورقّة ألوانه.
لوحات رينوار تتميّز بحيويّتها ونزوعها نحو الطبيعة وتماسّها المباشر
بالواقع وخلوّها من مشاهد العنف. فقط ضربات ناعمة بالفرشاة ولمحات شاعرية
أنيقة تفيض بحبّ مبدعها الجارف للحياة وللكائنات.