الفــل... «الياســــمين العربــي»
الماء يبدأ من دمشق فحيثما أسندت رأسك جدول ينساب
والفل يبدأ من دمشق ببياضه وبعطره تتطيب الأطياب
يعبر بصمت عن أرقى الأحاسيس والمشاعر ويغدق على الجمال ألواناً تزيده ألقاً واشراقاً من خلال بياضه الناصع الذي يضفي على النفوس مزيداً من الصفاء والنقاء ورائحته التي تنتشر في الأجواء عبقاً يريح النفوس المتعبة ويلهم القرائح المبدعة .
إنه الفل أحد هبات الطبيعة الذي أثراها الخالق بأنواع كثيرة وبياض تعجز الكلمات عن وصفه، ولطالما كان مصدر إلهام لكثير من الشعراء والأدباء وأصحاب الأحاسيس المرهفة.
ولشدة ولع الناس به بات إلى جانب شقيقه الياسمين جزءاً من التحية لكثير من الناطقين بلسان الضاد في مختلف بقاع المعمورة «صباح الفل والياسمين» تعتبر حسب الكثيرين أجمل تحية يمكن أن تلقيها على من تحب ممن حولك لأنها تنشر عبق الألفة والمحبة كعطر أخاذ يجمع القلوب كما هوعطر الفل الذي اشتهر دائماً بوجوده إلى جانب الياسمين وهما من نفس الفصلية إلا أن الفل كان الأقدم وجوداً على مسارح النباتات العطرية التي اقتناها العرب حتى إنه يكنى بالياسمين العربي...
سيرة ذاتية.
يدعى بالانكليزية Arabian jasmine أي الياسمين العربي ينتمي الى العائلة : الزيتونية Oleaceae نفس فصيلة الياسمين وهوعبارةعن شجيرة تزيينية صغيرة مستديمة الخضرة ترتفع حتى 2 م الساق قاسية ومتنوعة، والأوراق خضراء غامقة بيضاوية متقابلة، والأزهار متجمعة قمية بيضاء ناصعة، والثمار صغيرة لا تظهر كثيراً، والجذور منتشرة محلياً وكثيفة، ومعدل النموللشجيرة بطيء إلى متوسط .
يزهر الفل بدءاً من شهر أيار وحتى تشرين الأول ويعتقد أن الموطن الأصلي لنبات الفل منطقة حوض المتوسط وغرب آسيا.
ويبين الخبير الزراعي احمد الحسن أن نبات الفل يتطلب مناخاً استوائياً دافئاً وأفضل درجة حرارة للنموهي 25ْم على أنه يتحمل الحر الشديد ولا يتحمل البرودة المنخفضة وتعد درجة 14ْ م درجة الصفر البيولوجي للفل.
يحب الفل الضوء وينصح بزراعة الفل في أماكن دائمة التعرض لأشعة الشمس، يتطلب الفل رياً بشكل دائم قبل فترة الإزهار وخلالها لكونه لا يتحمل العطش وتؤدي السقاية الصيفية الكافية والمنتظمة إلى زيادة في الإزهار المتكونة.
ويروى النبات بشكل عام بمعدل مرة كل يومين وتلائم الفل التربة اللومية الخفيفة الغنية بالمادة العضوية.. وبعض العناصر المعدنية وبخاصة الحديد، ويضيف الخبير الزراعي ان الفل يحتاج إلى التسميد الكيماوي لزيادة عدد الإزهار على النبات، وأفضل موعد للتقليم هوكانون الثاني وأن عدم احترام هذا الموعد يخفض الإنتاج بنحو11%.
قطف الأزهار
تقطف أزهار الفل عند وصولها للتفتح الكامل وعندما تكون البتلات بيضاء ناصعة ويفضل القطاف في الصباح الباكر قبل ارتفاع درجة الحرارة على أن التأخر في موعد القطف يفقد الزهرة بعض زيوتها العطرية التي تتطاير مع ارتفاع درجة الحرارة..
الموطن
المناطق الدافئة والمعتدلة، حوض البحر الأبيض المتوسط، بلاد الشام، الهند، الصين وغيرها وتكثر زراعته في جنوب المملكة (جازان).
شجيرة الحب والجمال
من مشترك بالفل والياسمين ومن غرس في الخد وردة أغنية شعبية يمنية معروفة حيث تشتهر اليمن بزراعة الفل في المناطق الساحلية، ويروى أن الأمير أحمد فضل القمندان أتى بها من الهند وغرسها في بستان الحسيني في محافظة لحج ومنها انتشرت إلى جميع المناطق اليمنية ويعتبر الفل من النباتات العطرية التي اكتسبت مكانة عالية في اليمن، حيث أصبح تجارة وحرفة تجذب إليها المئات من الأيادي العاملة التي وجدت فيها مصدراً للرزق.
ويعتبر أهالي اليمن بأن شجرة الفل هي رمز للحب والجمال حيث يقبل الناس بشغف على شراء الفل للتزين به وما أن يطل موسم الفل حتى تدب حركة الأعراس وتستأنف على الفور حفلات الزواج بصورة لافتة ومعبرة عن ارتباط الفل وعطره الأخاذ بأذواق العرسان وتتسابق النسوة في مناطق زراعة الفل في تنسيق وتنميق عقود الفل بمختلف أحجامها وأطوالها التي تزين بها أجياد ورؤوس النساء في الأفراح والمناسبات الخاصة وخصوصاً العروس في ليلة زفافها حيث تكتسي حلة بيضاء من الفل.
ورمز للرجولة في تونس
أما في تونس فتعد حرفة ترصيف حبات شجيرة «الفل» لتشكيل مايطلق عليه «المشموم» من أعرق الحرف التقليدية وأقدمها نظراً لما تحتله هذه الزهرة من مكانة مرموقة وأهمية خاصة في طقوس الأعراس وعملية الاعداد السيكولوجي للعريس والعروس ليلة الزفاف، فبالإضافة إلى الرائحة العطرة المنعشة والزكية التي تنشرها شجرة الفل ولاسيما في المساء فإن «مشموم الفل» ليلة الزفاف يعد رمزاً للرجولة ويغذي الأحاسيس برائحته العطرة الزكية حيث يتعين على العريس أن يحمل في يده ليلة الزفاف «مشموم الفل» مرصعاً بحبات من الياسمين تعبيراً عن مشاعر المودة ليلة العمر بينما تضع العروس بالمقابل قلائد من حبات الفل تم تصفيفها بشكل متقن.
وتزدهر صناعة «مشموم الفل» في تونس بشكل خاص خلال فصل الصيف حيث ينتشر مرصفوحبات الفل في الشوارع بمختلف القرى والمدن التونسية ويقومون بصنع وبيع « المشموم التونسي » التقليدي الناصع البياض بنفس الشكل الدائري المعروف منذ القدم مع التفنن أحياناً بعملية الاخراج الجمالي بتلوينه بزهور أخرى أوبمزجه بحبات الياسمين التي لاتقل رائحة وطيباً عن الفل. وقد أصبحت صناعة تقطير الزهور وتحضير العطور تولي اهتماماً متزايداً لزراعة الفل في تونس حيث أصبح تخزين حبات الفل في بيوت التبريد خلال فصل الصيف لتصديره إلى أشهر شركات العطور الأوروبية والعالمية وخصوصاً الفرنسية وتجدر الاشارة إلى أن كلمتي «فل وياسمين» تستخدمان إلى جانب كلمة «طيب المسك» في اللهجة العامية التونسية في التحية إضافة لوصف الرائحة الطيبة بشكل عام.
مدينة الفل
ولايزال عبق الفل الجازاني يعبق في ذاكرتي وأغنية المطرب الكبير «محمد عبده» مثل «صبيا في الغواني ماتشوف..لابسات الفل والنقش اليماني في الكفوف» ترن في مسامعي عندما كنت أقيم مع عائلتي في مدينة جازان جنوب السعودية والتي تعد أشهر مدينة بزراعة الفل حتى بات يطلق عليها اسم «مدينة الفل» وقد خصصت مهرجاناً سنوياً يقام في كل شتاء تحت مسمى «مهرجان الفل مشتى للكل» .
ومن عادات الزواج في جازان تخصيص ليلة ثانية بعد ليلة الزفاف تتزين فيه العروس بالفل الكامل على الرأس وتلبس العديد من أطواق الفل التي صنعها أقارب العريس عدا السرير الذي تم فرشه بالكامل بأزهار الفل.ومن بين هذه السطور التي امتلأت عبقاً بعطر أزهار الفل نخرج [منتعشين ببياضه الناصع مشبعين بأمنيات ملؤها الرغبة بأن نرى الورود والأزهار تملأ وشرفاتنا وشوارعنا وحوارينا لتزيد الألفة والجمال أكثر وتريح النفوس المتعبة من ضغوط الحياة اليومية فالورود والزهور أينما حلت يحل الجمال والمحبة
الخصائص العلاجية
أوضحت الدراسات أهمية استخدام الأزهار طبياً والحصول منها على مواد مضادة للبكتيريا، تشفي من مرض فرط الصفراء، وأمراض العيون وضعف الرؤية ولتقوية الدماغ وتستخدم مضادات للتقيؤ وحالات الاحتقان (الزهور )، خافض درجة الحرارة (الأوراق)، آلام العين، أوجاع الرأس (الجذور).
يقال إن ملكة فرنسا أوجيني حين أرادت زيارة مصر قام الخديوي اسماعيل بالاستطلاع عن أفضل الأشياء التي تحبها هذه الملكة، فقيل له إنها تحب الفل والياسمين فسعى لدمشق وجلب الياسمين وشقيقه الفل وزرعه في أول شارع الهرم وكان ذلك في 17 تشرين الثاني 1869.
بينما كان الشاعر المتنبي يلقي أشعاراً في طقس مسرحي تملؤه أزهار الفل والياسمين فقد كان يطلب من كافور الاخشيدي أن يوقف صناع العطور صفين يلقون عليه العطر إضافة لأطفال صغار بجوارهم يلقون أزهار الفل والياسمين أثناء القائه للشعر.
وهاهوذا الشاعر الكبير نزار قباني يقول: لوحللتم دمي لوجدتم بدلاً من الكريات البيض حقلاً من أزهار الفل والياسمين، إنني منذ طفولتي مواطن في جمهورية الياسمين وواقع تحت سلطة البياض وكل هذه النباتات الدمشقية لاتتسلق على أكتافي فقط، إما تتسلق على ثيابي ومفرداتي وعلى لغتي.
أنواعه
يعتبر الفل الدمشقي أحد أجمل نباتات الزينة بلونها الأبيض وشكلها المنسق رائحتها الأخاذة وله عدة أنواع أبرز الفل المكبس وهوالأكثر انتشاراً في سورية وتزهر معظم أصنافه في الربيع والصيف إلى جانب الياسمين وبعض أنواعه يستمر حتى فصل الشتاء بينما يشكل شهر أيلول ذروة موسم الأزهار، لكن زراعة الفل الدمشقي تراجعت بشكل كبير وباستثناء وجوده بشكل بسيط على شرفات بعض المنازل الدمشقية فإن المشاتل والبيوت البلاستيكية تقوم بزرع كميات منه بهدف توريدها لمحلات الأزهار والورود..وعدا ذلك فليس هناك أي استثمار لهذه النبتة التي اتخذت كحرفة هامة ومصدر للرزق في العديد من الدول والمدن العربية.
الياسمين الدمشقي
الفل الدمشقي
[/img]