بثينة الزعبي المراقب العام المميز
تاريخ التسجيل : 18/02/2012 العمر : 68 البلد /المدينة : النمسا / فيينا
| موضوع: الإعجاز العلمي في قوله تعالى: ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾[الحج: 5] 9/7/2012, 01:54 | |
| الإعجاز العلمي في قوله تعالى:
﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾[الحج: 5]
مقدمة:
من نعم الله تعالى علينا- ونعمه لا تعد ولا تحصى- إنزال المطر, وتعظم هذه النعمة عندما يشتد القحط وتجف التربة, فإذا نزل المطر صاحب ذلك النزول ظواهر عديدة, ومن هذه الظواهر التي تحصل في التربة الاهتزاز الذي يحصل لحبيبات التربة ومن ثم الانتفاخ, وقد أصبحت هاتان الظاهرتان أمراً معروفاً لا خلاف فيه بين العلماء اليوم, ولكنها كانت أمراً يستحيل معرفته قبل توفر الوسائل العلمية الحديثة, ولكننا نجد القرآن الكريم قد ذكر هاتين الظاهرتين قبل وقت طويل جداً, وفي وقت خلا من أبسط العلوم والوسائل التي يمكن أن ترشد إلى ذلك, ولا يمكن أن يكون هذا الإخبار إلا من عند الخالق سبحانه وتعالى.
المعاني اللغوية للكلمات الواردة في الآيتين الكريمتين:
جاء الإخبار عن اهتزاز التربة بنزول المطر ومن ثم ربوها في آيتين كريمتين, حيث جاء هذا السياق للاستدلال على بعث الناس والإحياء بعد الموت بإحياء الأرض الميتة, فالذي أحيا الأرض الميتة بإنزال الغيث عليها من السماء, قادر على إحياء الموتى في يوم القيامة, وقد تكرر الاستدلال على الظلم والطغيان الناس وإحيائهم بإحياء الأرض الميتة وذلك في أكثر من موطن في كتاب الله عز وجل, قال تعالى: ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾[الحج: 5], وقال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[فصلت: 39], وقد فهم العلماء المسلمون ذلك من هاتين الآيتين الكريمتين, وظهر ذلك واضحاً جلياً في تفسيرهم لهاتين الآيتين, وقبل الدخول في أقوال المفسرين سنتعرض لمعنى الهمود والخشوع والاهتزاز والربو عند العرب.
فالآية الأولى وصفت الأرض بالهمود, والآية الثانية وصفت الأرض بالخشوع, فالأرض الهامدة هي التي لا نبات فيها, قال صاحب اللسان: «الهُمُودُ الموتُ كما هَمَدَتْ ثمودُ, وهَمَدَتِ النارُ تَهْمُدُ هُمُوداً طُفِئَتْ طُفُوءاً وذهبت البتة فلم يَبِنْ لها أَثَر, وقيل هُمُودُها ذَهابُ حرارتِها, ونباتٌ هامِدٌ يابس, وهَمَدَ شجرُ الأَرض أَي بَلِيَ وذهَب, وشجرة هامدةٌ قد اسودّت وبَلِيَتْ وثَمَرَةٌ هامدةٌ إِذا اسودّت وعَفِنَتْ, وترى الأَرض هامدةً أَي جافَّة ذات تُراب, وأَرضٌ هامدة مُقْشَعِرّة لا نبات فيها إِلا اليابس المُتَحَطِّم وقد أَهْمَدَها القَحْطُ, الهامِدةُ الأَرضُ المُسْتَنّة وهُمُودُها أَن لا يكون فيها حياةٌ ولا نَبْت ولا عُود ولم يصبها مطر, والهامد من الشجر اليابس»(1).
وجاء في القاموس المحيط: «الهُمودُ: الموتُ, وطُفوءُ النارِ أو ذَهابُ حَرارَتِها, وتَقَطُّعُ الثَّوْبِ من طُولِ الطَّيِّ كالهَمْد, وفي الأرضِ: أن لا يكونَ بها حَياةٌ ولا عُودٌ ولا نَبْتٌ ولا مَطَرٌ»(2) .
وبنفس معنى الأرض الهامدة جاء معنى الأرض الخاشعة, يقول صاحب اللسان: «وقال الزجاج وقوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً﴾ قال: الخاشِعة المتَغَبّرة المُتَهَشِّمة, وأَراد المُتهشِّمةَ النبات, وبَلْدةٌ خاشعة أَي مُغْبَرّة لا مَنْزِل بها, وإِذا يَبِست الأَرض ولم تُمْطَر قيل قد خَشَعَت, والعرب تقول رأَينا أَرض بني فلان خاشِعةً هامِدة ما فيها خَضْراء»(3). فنخلص من هذه الأقوال إلى أن الأرض الهامدة والأرض الخاشعة بمعنى واحد, وهو يبس الأرض وجفافها, لانقطاع الماء عنها.
وأشارت الآيتين إلى أن الأرض الهامدة أو الخاشعة إذا نزل بها الغيث من السماء فإنه يحصل لها عملية اهتزاز وربو, فما هو الاهتزاز والربو في لغة العرب؟, الاهتزاز في لغة العرب يأتي بمعنى الحركة والتحرك, يقول صاحب اللسان: «الهَزُّ تحريك الشيء, كما تَهُزُّ القَناةَ فتضطرب وتَهْتَزُّ, وهَزَّه يَهُزُّه هَزّاً, وهَزَّ به وهَزَّزَهُ, وفي التنزيل العزيز: ﴿وَهُزِّي إليكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ أَي حَرِّكِي, والعرب تقول: هَزَّه وهَزَّ به إِذا حركه, وهَزَزْتُ الشيءَ هَزّاً فاهْتَزَّ أَي حركته فتحرك, قال ابن الأَثير: الهَزُّ في الأَصل الحركة, واهْتَزَّ إِذا تحرك, واهتَزَّت الأَرضُ تحركت وأَنبتت, وفي التنزيل العزيز: ﴿فإِذا أَنزلنا عليها الماءَ اهْتَزَّتْ ورَبَتْ﴾ اهتزت أَي تحركت عند وقوع النبات بها, ورَبَتْ أَي انتفخت وعَلَتْ, والهَزُّ والهَزِيزُ في السير تحريك الإِبل في خِفَّتِها وقد هَزَّها السيرُ وهَزَّها الحادي هَزِيزاً فاهْتَزَّتْ هي إِذا تحركت في سيرها بِحُدائِه»(4).
ومعنى الربو هو من ربا أي نما وزاد, قال ابن منظور في لسان العرب: «رَبا الشيءُ يَرْبُو رُبُوّاً ورِباءً زاد ونما, وقوله عز وجل في صفةِ الأَرضِ ﴿اهْتَزَّتْ ورَبَتْ﴾ قيل معناه عَظُمَتْ وانْتَفَخَتْ»(5).
أقوال المفسرين في الآيتين الكريمتين:
ولم يختلف قول المفسرين عن أقوال أهل اللغة, فهذا ابن جرير الطبري يقول: «وقوله: ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً﴾: يقول تعالى ذكره: وترى الأرض يا محمد يابسة دارسة الآثار من النبات والزرع, وأصل الهمود: الدروس والدثور, ويقال منه: همدت الأرض تهمد هموداً»(6). ويقول في تفسير الآية الثانية: «ومن حجج الله أيضاً وأدلته على قدرته على نشر الموتى من بعد بلاها وإعادتها لهيئتها كما كانت من بعد فنائها أنك يا محمد ترى الأرض دارسة غبراء لا نبات بها ولا زرع, كما حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً﴾ أي غبراء متهشمة, حدثنا محمد قال: ثنا أحمد قال: ثنا أسباط عن السدي ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً﴾ قال: يابسة متهشمة, ﴿فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ﴾ يقول تعالى ذكره: فإذا أنزلنا من السماء غيثاً على هذه الأرض الخاشعة اهتزت بالنبات يقول: تحركت به, كما حدثنا محمد قال: ثنا أحمد قال: ثنا أسباط عن السدي ﴿ورَبَتْ﴾ انتفخت»(7). ويقول ابن كثير: «وقوله: ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً﴾ هذا دليل آخر على قدرته تعالى على إحياء الموتى كما يحيي الأرض الميتة الهامدة وهي المقحلة التي لا ينبت فيها شيء, وقال قتادة: غبراء متهشمة, وقال السدي: ميتة, ﴿فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ أي فإذا أنزل الله عليها المطر اهتزت, أي تحركت بالنبات وحييت بعد موتها, وربت أي ارتفعت لما سكن فيها الثرى ثم أنبتت ما فيها من الألوان والفنون من ثمار وزروع وأشتات النبات في اختلاف ألوانها وطعومه وروائحها وأشكالها ومنافعها ولهذا قال تعالى: ﴿وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ أي حسن المنظر طيب الريح» ( 8 ) , ويقول القرطبي: «﴿هَامِدَةً﴾ أي جافة ذات تراب, وقال شمر: يقال همد شجر الأرض إذا بلي وذهب, وهمدت أصواتهم إذا سكنت, وهمود الأرض ألا يكون فيها حياة ولا نبت ولا عود ولم يصبها مطر, قوله تعالى: ﴿فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ﴾ أي تحركت, يقال: هززت الشيء فاهتز أي حركته فتحرك, ﴿وَرَبَتْ﴾ أي ارتفعت وزادت, وقيل: انتفخت, والمعنى واحد, وأصله الزيادة ربا الشيء يربو ربواً أي زاد, ﴿وَأَنبَتَتْ﴾ أي أخرجت, ﴿مِن كُلِّ زَوْجٍ﴾ أي لون ﴿بَهِيجٍ﴾أي حسن»(9).
ونلاحظ من خلال قراءتنا لبعض التفاسير أن بعض المفسرين عزا الاهتزاز للنبات وليس للأرض, بل قال بعضهم أن هذا الاهتزاز مجاز في الأرض, وأن الاهتزاز في النبات أظهر منه في الأرض, وهذا تأويل للآية على غير ظاهرها, وكل ذلك بسبب نقص المعلومات في زمنهم, ولأن الاهتزاز على مستوى التربة وحبيباتها خفي لا تراه العيون المجردة, مع أن الآيتين الكريمتين صريحتان في نسبة الاهتزاز إلى التربة نفسها بعد إنزال المطر عليها, والمعلوم من قواعد اللغة العربية أن حمل الكلام على الحقيقة مقدم على حمله على المجاز إلا إذا تعذر ذلك.
العلم الحديث يكشف عن اهتزاز التربة وربوها:
ترد لفظة الأرض في القرآن الكريم بثلاثة معان محددة تفهم من سياق الآية القرآنية, وهي إما الكوكب ككل, أو الغلاف الصخري المكون لكتل القارات التي نحيا عليها, أو قطاع التربة الذي يغطي صخور ذلك الغلاف الصخري للأرض. وواضح الأمر هنا أن المقصود بالأرض في النص القرآني الذي نتعامل معه هو قطاع التربة الذي يحمل الكساء الخضري للأرض والذي يهتز ويربو بسقوط الماء عليه(10).
وتتكون التربة الأرضية أساساً من معادن الصلصال, والرمال, وأكاسيد الحديد, وكربونات كل من الكالسيوم والمغنسيوم. وبالإضافة إلى التركيب الكيميائي والمعدني لتربة الأرض فإن حجم حبيباتها ونسيجها الداخلي له دور مهم في تصنيفها إلى أنواع عديدة, وتقسم التربة حسب حجم حبيباتها إلى التربة الصلصالية, والطميية, والرملية, والحصوية, وأكثر أنواع التربة انتشاراً هي خليط من تلك الأحجام.
ويتكون جزيء الماء من اتحاد ذرة أكسجين واحدة مع ذرتي أيدروجين برابطة قوية لا يسهل فكها, وتربط هذه الذرات مع بعضها البعض بشكل زاو, له قطبية كهربية واضحة لأن كلاً من ذرتي الإيدروجين يحمل شحنة موجبة نسبية, وذرة الأكسجين تحمل شحنة سالبة نسبية, مما يجعل جزئ الماء غير تام التعادل كهربياً, والماء بهذه الصفات الطبيعية المميزة إذا نزل على تربة الأرض أدى إلى إثارتها كهربياً مما يجعلها تهتز وتتنفس ويزداد حجمها فتربو وتزداد, وذلك لأن تربة الأرض تتكون في غالبيتها من المعادن الصلصالية التي يؤدي تميؤها إلى اهتزاز مكونات التربة, وزيادة حجمها, وارتفاعها إلى أعلى حتى ترق رقة شديدة فتنشق مفسحة طريقاً سهلاً آمناً لسويقة (ريشة) النبتة الطرية الندية المنبثقة من داخل البذرة النابتة المدفونة بالتربة(11).
ومن أسباب اهتزاز التربة وانتفاشها وربوها ما يلي:
(1) تتكون التربة أساساً من المعادن الصلصالية, ومن صفات تلك المعادن أنها تتشبع بالتميؤ أي بامتصاص الماء, مما يؤدي إلى زيادة حجمها زيادة ملحوظة فيؤدي ذلك إلى اهتزازها بشدة وانتفاضها فتؤدي إلى اهتزاز التربة بمجرد نزول الماء عليها.
(2) تتكون المعادن الصلصالية من رقائق من أكاسيد السيليكون والألومنيوم تفصلها مسافات بينية مملوءة بجزيئات الماء والغازات, وعند التسخين تطرد هذه الجزيئات, فتنكمش تلك الرقائق بطرد هذه الجزيئات البينية, وعند إضافة الماء إليها تنتفض, وتهتز وتربو نتيجة لملء المسافات البينية الفاصلة لرقائق المعدن بالمياه. (3) نظراً لدقة حجم الحبيبات الصلصالية (والتي لا يتعدى قطرها واحد على256 من الملليمتر أي أقل من0.004 من الملليمتر) وهي المكون الرئيسي لتربة الأرض, فإن اختلاط الماء بتلك التربة يحولها إلى الحالة الفردية وهي حالة تتدافع فيها جسيمات المادة بقوة, وبأقدار غير متساوية في كل الاتجاهات, وعلى كل المستويات في حركة دائبة تعرف باسم الحركة البراونية نسبة إلى مكتشفها, -وهو عالم النبات روبرت براون في عام 1827م-, وهي من عوامل اهتزاز التربة بشدة وانتفاضها, وكلما كان الماء المختلط بالتربة وفيراً باعد لمسافات أكبر بين حبيبات التربة, وزاد من سرعة حركتها.
(4) تتكون المعادن الصلصالية أساساً من سيليكات الألومنيوم المميأة, وهذا المركب الكيميائي له قدرة على إحلال بعض ذرات الألومنيوم بذرات قواعد أخرى مثل المغنيسيوم والكالسيوم, وكنتيجة لإحلال ذرات الألومنيوم بذرات غيرها من العناصر ترتبط بعض الأيونات الموجبة الشحنة مثل الصوديوم والكالسيوم على حواف وأسطح رقائق الصلصال لمعادلة الشحنات السالبة الناتجة عن إحلال ذرة الألومنيوم الثلاثية التكافؤ بذرة الكالسيوم أو المغنيسيوم الثنائية التكافؤ, والأيونات الموجبة مثل أيونات الصوديوم والكالسيوم سهلة الإحلال بقواعد أخرى مما يحدث اهتزازاً في مكونات رقائق الصلصال في وجود جزيء الماء القطبي الكهربية. (5) إن العمليات المعقدة التي كونت تربة الأرض عبر ملايين السنين أثرتها بالعديد من العناصر والمركبات الكيميائية اللازمة لحياة النباتات الأرضية, كما أن الكائنات الحية الدقيقة والكبيرة التي أسكنها الله تعالى تربة الأرض لعبت ولا تزال تلعب دوراً هاماً في إثرائها بالمركبات العضوية وغير العضوية, وعند نزول جزيئات الماء ذات القطبية الكهربية, وإذابتها لمكونات التربة فإن ذلك يؤدي إلى تأين تلك المكونات, وإلى تنافر الشحنات المتشابهة على أسطح رقائق الصلصال وفي محاليل المياه مما يؤدي إلى انتفاض تلك الرقائق واهتزازها بشدة.
(6) تحمل الرياح, والطيور, والحشرات, والكائنات الدقيقة إلى التربة بذور العديد من النباتات خاصة مما يسمي بالبذور المجنحة والأبواغ والجراثيم وحبوب اللقاح التي تحملها الرياح لمسافات بعيدة, وعندما ينزل الماء على التربة الأرضية وتستقي منه تلك البقايا النباتية القابلة للإنبات مثل البذور فتنشط أجنتها, وتتغذى على المواد المذابة في مياه التربة فإنها تنمو, وتندفع جذورها إلى أسفل مكونة المجموعات الجذرية لتلك النباتات, وتندفع سويقاتها (ريشتها) إلى أعلى مسببة اهتزازات لمكونات التربة. (7) مع ازدياد هطول الماء على التربة تنتعش كل صور الحياة فيها من البكتريا, والفطريات, والطحالب, وغيرها, كما تغلظ المجموعات الجذرية للنباتات القائمة على سطح الأرض, ويؤدي النشاط الحيوي لكل من هذه الكائنات إلى زيادة حجم التربة, وإلى زيادة الأنشطة الكيميائية والفيزيائية فيها مما يؤدي إلى انتفاض مكوناتها واهتزازها, وربوها, وكثرة الإنبات فيها, وقد صورت هذه المراحل بالتصوير البطيء وأثبتت الصور صدق القرآن الكريم, في كل ما أشار إليه في هذه القضية(12).
وبعد نزول الأمطار على الأرض الهامدة وحصول عمليتي الاهتزاز والانتفاخ, لاحظ العلماء أن النبات يستفيد من ذلك الماء فتبدأ البذور الجافة والموجودة في التربة بامتصاص الماء والمواد المعدنية من الوسط المحيط بها, وتتحرك العمليات الكيميائية الحيوية في البذور, فتنبت الدرنات والأبصال, وتصبح مساحة سطحية من الشعيرات الجذرية للنباتات معرضة لمحلول التربة مما يسهل عليها امتصاص الماء والعناصر الغذائية. كما تنشط ملايين الكائنات الحية الموجودة في التربة, فالفطريات والبكتريا تحول بقايا النباتات والحيوانات إلى مواد معدنية تمتصها النباتات عبر الجذور, وتقوم ديدان الأرض بحفر الأنفاق عبر التربة, مفسحة المجال لدخول الهواء والماء من خلال التربة, فتصبح الأرض مخضرة بإنباتها من كل زوج بهيج(13).
وجه الإعجاز:
أخبر القرآن الكريم عن اهتزاز التربة وربوها بعد نزول الماء عليها، وهما عمليتان دقيقتان غير مشاهدتين ولا محسوستين, ولا يمكن إدراكهما إلا من خلال استخدام المجهر.
وعملية الاهتزاز والربو لحبيبات التربة يحصل بنزول المطر، وهذا الاهتزاز يمكن الماء بإذن الله من التخلل بين الصفائح المكونة للتربة والفراغات بين الحبيبات, فتنتفخ الحبيبات ويزداد حجمها وتصبح مخازن للماء يستفيد منها النبات, حيث تتشرب البذور الموجودة في التربة الماء وتنبت، وتمتصه الشعيرات الجذرية للنباتات فتنمو برحمة الله, وتفاصيل العلاقة بين اهتزاز حبيبات التربة ورَبْوها وإنبات الأرض خفية لم يدركها الإنسان إلا بعد تقدم علم التربة وتطور أدواته المعملية, فأول ملاحظة للاهتزاز كانت في عام 1827م على الرغم من أن الميكروسكوب الضوئي، وهو الأداة التي لوحظ من خلالها الاهتزاز قد اخترع عام 1590م, كما أن الميكروسكوب الإلكتروني الماسح والذي يمكن استعماله في فحص الاتحادات البنائية المكونة لحبيبات التربة لم يخترع إلا في عام 1952م(14), ويتجلى السبق العلمي للقرآن بصورة أكثر عندما نستعرض أقوال المفسرين الذين لم تسعفهم علوم عصرهم في فهم ظاهر الآية الكريمة فاضطر أكثرهم إلى تأويلها وحملها على المجاز, وإخبار القرآن بكل وضوح عن هذه الأسرار دليل على أنه منزل ممن يعلم السر في السماوات والأرض القائل: ﴿قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾[الفرقان: 6], والذي وعدنا في كتابه أنه سيرينا آياته بقوله سبحانه ﴿وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾[النمل: 93].إعداد/ عادل الصعدي مراجعة: علي عمر بلعجم 17/4/2007م. (1) - لسان العرب 3/436. (2) - القاموس المحيط 1/419. (3) - لسان العرب 8/71. (4) - المصدر السابق 5/423. (5) - المصدر السابق 14/304. (6) - تفسير الطبري 9/112. (7) - المصدر السابق 11/113. ( 8 ) - تفسير ابن كثير 3/277. (9) - تفسير القرطبي 12/9. (10) - ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً﴾, للدكتور زغلول النجار, نقلاً عن موقع: http://www.nooran.org/E/10.htm (11) - المرجع السابق. (12) - ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً﴾, للدكتور زغلول النجار, نقلاً عن موقع: http://www.nooran.org/E/10.htm (13) - علم الإيمان, للشيخ عبد المجيد الزنداني, الجزء الثاني, ص333-334. (14) - بينات الرسولr ومعجزاته, للشيخ عبد المجيد الزنداني, ص132. | |
|