والمتأمل في الآيتين يتبين له أن الحديث إنما هو عن اليتامى في الأصل ، وعن حفظ أموالهم وتحريم أكلها بالباطل ، ثم جاء قوله تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ )
ولعل الوقوف على سبب نزول هذه الآية يُظهر العلاقة بين حفظ أموال اليتامى وبين الزواج بما طاب من النساء .
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : ( أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ لَهُ يَتِيمَةٌ فَنَكَحَهَا ، وَكَانَ لَهَا عَذْقٌ ، وَكَانَ يُمْسِكُهَا عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ نَفْسِهِ شَيْءٌ ، فَنَزَلَتْ فِيهِ : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى ) أَحْسِبُهُ قَالَ : كَانَتْ شَرِيكَتَهُ فِي ذَلِكَ الْعَذْقِ وَفِي مَالِهِ ) العذق : النخلة .رواه البخاري (رقم/4573) وأخرج البخاري عن عروة بن الزبير - رضي الله عنه - أنه سأل خالته أم المؤمنين السيدة عائشة - رضي الله عنها: يقول الله تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ) ما هي العلاقة بين اليتامى وتعدد الزوجات ؟ ، فأجابت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بقولها : ( يَا ابْنَ أُخْتِي ! هَذِهِ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا ، تَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ ، وَيُعْجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا فَيُعْطِيَهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ ، فَنُهُوا عَنْ أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ ، وَيَبْلُغُوا لَهُنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ فِي الصَّدَاقِ ، فَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنْ النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ ) رواه البخاري (رقم/4574)
وتعدد الزوجات بجميع التحفظات التي قررهاالإسلام هو رخصة يقدمها شرع الله في عدد من الحالات الخاصة أو العامة دون أدني غلو أو تفريط، ومن هذه الحالات ما يلي: (1) إذا ثبت أن الزوجة عاقر, لا يمكن لها أن تحمل وتلد, وللزوج رغبة فطرية في النسل, فله أن يتزوج مع المحافظة علي زوجته الأولي إذا قبلت بزواجه الثاني. (2) إذا مرضت الزوجة مرضا مزمنا يطول برؤه أو يستعصي علي العلاج فيصبح الزواج الثاني أفضل من الطلاق. (3) إذا كان هناك أسباب صحية أونفسية تحول دون التوافق بين الزوجين مع رغبتهما في الإبقاء علي رباط الزوجية. (4) إذا كان الزوجان متقاربين في السن, أو كانت الزوجة أكبر سنا من الزوج, فإن هذا الوضع يحدث فارقا في رغبات كل منهما الفطرية، وذلك لأن فترة الإخصاب عند المرأة تتوقف في أواخر العقد الخامس بينما مستمر في الرجل إلي أواخر العقد السابع أو تتجاوزه. (5) في حالات الحروب يزيد عدد الإناث البالغات زيادة ملحوظة علي عدد الذكور البالغين، والحل الوحيد الذي يحافظ علي سلامة المجتمع وطهارته من انتشار العلاقات غير المشروعة، وتوابعها النفسية والأخلاقية والاجتماعية المخيفة, هو التعدد، والبديل هو فساد المجتمع, أو إجبار الإناث البالغات علي مخالفة الفطرة، وما يتبعها من متاعب نفسية وصحية مدمرة. وفي جميع هذه الحالات يوكل فقهاء الإسلام الأمر بقبول التعدد إلي المرأة، فإن قبلته -علي أنه أقل الأضرار- دون أدني إكراه فبها ونعمت, وإن رفضته (فتسريح بإحسان), وذلك لأن الأمر في موضوع الزواج ـ ابتداء وتعددا ـ موكول إلي المرأة, تقبل منه ما تري فيه راحتها النفسية، وترفض منه ما لا تري فيه رضاها وقدرتها علي التحمل.
ولعل انتشار فوضي العلاقات الجنسية في مختلف المجتمعات غير المسلمة, وما يسودها من مختلف أمور استباحة الأعراض، وزنا المحارم, والشذوذ الجنسي، والعزوف عن الزواج, أو المساكنة بين الجنسين دون أدني رباط, والخيانات الزوجية المتبادلة بين الطرفين, والمخادنات السرية والعلنية، وما يرافق ذلك من الأبناء غير الشرعيين، وارتفاع معدلات الطلاق, وكثرة العوانس، وما يرافق هؤلاء من المآسي الإنسانية والمشاكل النفسية والاجتماعية، وضياع الأخلاق، وانحطاط المعايير, وانقلاب الموازين, وانتشار الجرائم, ولعل في ذلك -وفي ما هو أبشع منه من سلوكيات بشرية تعافها الحيوانات العجماء- ما يكفي دليلا قاطعا علي وجه الإعجاز التشريعي في الآية التي اتخذناها عنوانا لهذا المقال والتي تحض علي الزواج من اليتامي دون استغلال ضعفهن في ساحة اليتم, فيطمع في أموالهن أو في جمالهن دون الوفاء بحقوقهن كاملة غير منقوصة.
دكتورة.م انوار صفار Admin
تاريخ التسجيل : 04/04/2010 البلد /المدينة : bahrain
بطاقة الشخصية المجلة:
موضوع: رد: الإعجاز التشريعي في رخصة تعدد الزوجات. 1/18/2013, 11:29
مدمرة. وفي جميع هذه الحالات يوكل فقهاء الإسلام الأمر بقبول التعدد إلي المرأة، فإن قبلته -علي أنه أقل الأضرار- دون أدني إكراه فبها ونعمت, وإن رفضته (فتسريح بإحسان), وذلك لأن الأمر في موضوع الزواج ـ ابتداء وتعددا ـ موكول إلي المرأة, تقبل منه ما تري فيه راحتها النفسية، وترفض منه ما لا تري فيه رضاها وقدرتها علي التحمل.
باركالله فيك لهذا التوضيح
دكتورة.م انوار صفار Admin
تاريخ التسجيل : 04/04/2010 البلد /المدينة : bahrain
بطاقة الشخصية المجلة:
موضوع: رد: الإعجاز التشريعي في رخصة تعدد الزوجات. 8/14/2015, 13:02
شرح وافي وكاافي بارك الله فيك جزاك الله خيرا
غيداء سنجقدار عضو نشط جدا
تاريخ التسجيل : 26/05/2010
موضوع: رد: الإعجاز التشريعي في رخصة تعدد الزوجات. 8/14/2015, 17:06