حقيقة أثر السجود

ترى على وجوه بعض الخلق بقعاً تنال وجوههم، وهي ما يسميه بعض الناس الزبيبة وهي أثر يظهر غالباً على الجبهة، ويظن الناس أن هذا هو المقصود بقول الله عز وجل عن أصحاب سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ في وَجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) قال منصور: سألت مجاهداً عن قوله تعالى: (سِيمَاهُمْ فِى وَجُوهِهِم) أهو أثر يكون بين عيني الرجل، قال: لا، ربما يكون بين عيني الرجل مثل ركبة الجمل، وهو أقسى قلباً من الحجارة، ولكنه نور في وجوههم من الخشوع، وجل المفسرين أن هذه السيما إنما هي أثر يظهر على وجوه المؤمنين العابدين يوم القيامة، فقالوا: تلك علامة يجعلها الله في وجوه المؤمنين يوم القيامة، يعرفون بها لما كان من سجودهم في الدنيا، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: صلاتهم تبدو في وجوههم يوم القيامة، وعن خالد الحنفي قال: يعرف ذلك يوم القيامة في وجوههم من أثر السجود في الدنيا، وهو كقوله تعالى: (تَعْرِفُ فِي وَجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ)، وقال آخر: مواضع السجود في وجوههم يوم القيامة أشد بياضاً، وعن مقاتل بن حيان قال: سيماهم في وجوههم من أثر السجود، النور يوم القيامة، وآخرون من المفسرين رأوا أنه أثر يظهر في الدنيا فعن ابن عباس أن السيما هي السمت الحسن، وقال: أما إنه ليس بالذي ترون، ولكنه سيما الإسلام وسحنته وسمته وخشوعه، وقال مجاهد: هو الخشوع والتواضع، وقال السدى: إن الصلاة تحسن وجوههم، وذكر ابن كثير عن السلف أن السيما هي السمت، وقلة هم من قالوا: أنه آثار ترى في الوجه من ثرى الأرض وندى الطهور، وأولى ما يقال في هذا الصدد، أن الله تعالى ذكره أخبرنا أن سيما القوم الذين ذكر لنا صفتهم في آية الفتح المشار إليها آنفاً أن أثر السجود هي السيما التي عرفوا بها في الدنيا من الخشوع والهدى والزهد، وأداء الفرائض والتطوع بشتى ألوان الطاعات، هم من رؤيتهم تذكرنا بالله عز وجل، فإذا رأيناهم هتفنا بذكره عز وجل، فهم الأولياء الذين رأوا ذكر الله كما ورد في الحديث، وفي الآخرة آثار السجود ظاهرة على وجوههم فهم الغرّ المحجلين يومئذ، ومن عبد الله مخلصاً، وأطال السجود في ظلمة الليل خالياً، يناجي ربه، انعكس ذلك على سمته وهيئته، ورأيت النور حوله، وقد سئل الشيخ صالح بن عثيمين رحمه الله: هل ورد أن العلامة التي يحدثها السجود في الجبهة من علامات الصالحين، فقال: ليس هذا من علامات الصالحين، ولكن العلامة هي النور الذي يكون في الوجه، وانشراح الصدر، وحسن الخلق، وما أشبه ذلك، أما الأثر الذي يسببه السجود في الوجه، فقد يظهر في وجوه بعض من لا يصلون إلا الفرائض، لرقة الجلد وحساسية عندهم، وقد لا يظهر في وجه من يصلي كثيراً ويطيل السجود، وأقول: إن هذا الأثر إذا ظهر بشكل بقعة سوداء، ولم يتعمد صاحبه إحداثه بنفسه، فيظهر كأنه أثر جرح اندمل، وعلى الناس ألا يغتروا بفعله إن فعل ذلك، أما ما يكون من أثر في الجبهة من إطالة السجود إذا ظهر عن غير تعمد منه، فعليه ألا يغتر به ولا يخجل منه، وليعلم المسلم أن عمل الطاعات أفضله أدومه وإن قل، وما كان بين العبد وربه سراً لا يظهره للناس ما أمكنه ذلك، وأما ما يحدثه بعض الجهلة في وجوههم ليغتر بهم الناس ويعتقدون صلاحهم وهم ليسوا كذلك فإني أحذرهم منه فهو من الموبقات، حماني الله وإياكم من كل سوء إنه سميع مجيب.