دكتورة.م انوار صفار Admin
تاريخ التسجيل : 04/04/2010 البلد /المدينة : bahrain
بطاقة الشخصية المجلة:
| |
دكتورة.م انوار صفار Admin
تاريخ التسجيل : 04/04/2010 البلد /المدينة : bahrain
بطاقة الشخصية المجلة:
| موضوع: القسم الثاني 7/15/2013, 00:00 | |
| الكواعب"(16).
يؤكد نزار قباني هذه الحقيقة، حقيقة اندماج المرأة والقصيدة والصراع بينهما في كثير من قصائده فمرة سيقول لها أحبك عندما تسقط الحدود نهائياً بينها وبين القصيدة ويصبح النوم على ورقة الكتابة شهياً كالنوم معها(17). ومرة يدعوها أن تكون امرأة عادية، تتكحل، وتتعطر، وتحبل، وتلد مثل كل النساء حتى يتصالح مع لغته الشعرية(18). ومرة يرى أن المرأة جميلة، لكن الأجمل منها آثارها حين تجلس على الورق(19) ولكنه في الوقت نفسه يحذرها من الجلوس مكان القصيدة، حتى لا تدفعه إلى الاختيار الصعب الحاسم بين جسدها وجسد القصيدة لأنه مضطر إلى اختيار القصيدة.
ففي مقطوعة بعنوان "بروتوكول" يجسد هذا الموقف:
بوسعك أن تجلسي حيث شئت..
ولكن..
حذار بأن تجلسي في مكان القصيدة
صحيح بأني أحبك جداً..
ولكنني في سرير الهوى
سأنسى تفاصيل جسمك أنت..
وأختار جسم القصيدة..(20).
ثم تتحول المرأة في أخريات حياته إلى لغة شأنها شأن القصيدة:
لغتي أنت
وكم يسعدني أن أحب امرأة
هي من أحلى..
ومن أرقى..
ومن أصفى اللغات.(21).
إنّ القصيدة جسد مرسوم بالكلمات، وهي صورة لجسد مستعاد في النص بالذكريات. واهتمام نزار برسم الجسد لم يصرف نظره عن محاولة الخوض في أعماق المرأة لفهم نفسيتها وتفكيرها. وعلى الرغم من أنّه كشف في قصائده على لسانها عن فهم عميق لعاطفة المرأة، إلا أنها تكاد تكون امرأة واحدة كأنها قالب أو مثال صاغ عليه جل تلك القصائد.
إن القصيدة بوصفها جسداً لها زينتها وحليها التي تصنع جمالها متمثلة في الوسائل البلاغية من استعارة ومجاز، وتشبيه، وكناية وسوى ذلك، أي كل ما يسهم في رسم تلك الصورة الجميلة من كلمات، والمرأة بوصفها جسداً لها وسائلها التي تزين بها هذا الجسد الجميل فتزيده جمالاً ونضارة، متمثلة في الملابس والحلي والعطور. شأنها شأن القصيدة، تجعل من السهل إضفاء صفات الأولى على الثانية، وصفات الثانية على الأولى، بل اندماجهما في كيان واحد يكون جسداً واحداً.
المرأة إذن، قصيدة، والقصيدة امرأة، المرأة أنوثة وأمومة، أنوثة بالجسد وأمومة بإنجاب الأطفال، والقصيدة أنوثة وأمومة، أنوثة بالجسد (اللغة)، وأمومة بإنجاب المعاني، والشكل التالي يبين ذلك:
إن العنصرين المشتركين اللذين يجمعان بين القصيدة والمرأة هما اللغة والأنوثة. وتظهر أنوثة القصيدة أكثر عندما يتزين جسدها باللغة الشعرية وتلبس حليتها البلاغية. وشعرية المرأة تظهر أكثر عندما يتزين جسدها بالوسائل التزيينية الأنثوية. ومن هنا يتداخل الجسدان ويشكلان جسداً واحداً أحياناً، ولكنهما ينفصلان، أحياناً أخرى، ويسير كل جسد في اتجاهه الخاص.
إن المعادلة: القصيدة = الأنوثة
المرأة اللغة
تعطينا النتيجة التالية:
الأنوثة = اللغة.
ولذلك يخشى الشاعر أن يسرقوا الوقت منهما، فإن حدث ذلك سقطت بعض الأنوثة منها وسقط شيء من الشعر منه. كما يظهر ذلك في قصيدة "الحب نهار الأحد"(22)، هذه الحقيقة نجدها مرة أخرى في آخر دواوينه في قصيدة تحت عنوان "حب بلا حدود":
أنت امرأة
صنعت من فاكهة الشعر
| |
|
دكتورة.م انوار صفار Admin
تاريخ التسجيل : 04/04/2010 البلد /المدينة : bahrain
بطاقة الشخصية المجلة:
| موضوع: القسم الثالث 7/15/2013, 00:03 | |
| ومن ذهب الأحلام(23).
المرأة التي يتحدث عنها نزار قباني مصنوعة من مادة اسمها الشعر ولا وجود لها في الواقع، أو هي نتاج الأحلام، ومن ثم فالبحث عنها وعن سماتها وخصائصها ومميزاتها وعناصر جمالها، يعني البحث في مادتها الأولية أي اللغة التي تشكلها، فالأنثى لغة، واللغة أنثى، إنها لغته ويتجلى ذلك واضحاً في قصيدته "اللغة الأنثى"(24). ولكنه يلغيها، كما يقال بجرة قلم في قصيدة أخرى بعنوان: "أنت لولا الشعر… ما كنت بتاريخ النساء"(25). حين يقول عنها إنها كانت خرساء قبله، وبفضله صار نهداها يجيدان الكلام، فلا وجود للمرأة خارج القصيدة، إنها من صنعه، فبدون القصيدة لن يكون قدها قد، وساقها ساقاً، وكحلها كحلاً، ولولا الشعر لما عرفت تلك الأسماء المعروفة في تاريخ حياة الشعراء العرب، فإذا كان تاريخ الشعر العربي يتحدث عن ليلى وعفراء وغيرهما، فإن المؤرخ للشعر العربي الحديث سوف يتحدث عن أنثى نزار قباني، وأنثى نزار قباني لا وجود لها خارج القصيدة، إنها من صنع القصيدة ولا وجود لها في الواقع، أو هي القصيدة:
أشكري الشعر كثيرا..
أنت، لولا الشعر، يا سيدتي
لم يكن اسمك مذكورا
بتاريخ النساء… (26).
ولكنه في موضع آخر يؤكد في قصيدة "أجمل نصوصي"(27) أنها الأجمل بين نصوصه، وأنها الجسد الرّاوي شعراً، وأنها الجسد الصانع أدباً، وأنها قوام تاريخي يروي قصصاً، ويعزف ناياً، ويكتب كتباً، وأنها تقلق لغة، وتشعل في الكلمات اللّهب، وأنها الشعر والنثر.
ثم يعود في موضوع آخر ليجعل من المرأة والقصيدة ثنائية متلازمة لا يمكن أن تحضر إحداهما دون أن تحضر الأخرى. بيد أن هذا التلازم لا يرضيه في كثير من الأحيان. ولذلك ينتصر للمرأة أحياناً، ويفضل القصيدة عليها أحياناً أخرى: "حياة امرأة نحبها.. هي أجمل وأغلى من مليون ديوان شعر" (28). لكن هذه الأجمل من مليون ديوان شعر يقول عنها أيضاً: "الأشياء الصغيرة… الصغيرة التي تمتلكها حبيبتي، قواريرها، عطورها، مروحتها، أمشاطها، ثوبها الجديد المنقول من شجيرة دراق مزهرة.. كل هذه الأشياء ماذا تكون لو لم أصبغها بدمي.. ودم قصائدي؟ وعينا من أحب هذان المصباحان الأخضران اللذان يشتعلان ويشعلان حياتي، ماذا يكون مصيرهما بغير شعر، بغير أغنية تسقيهما"(29). لأن العيون الجميلة كلمات تنتظر من يقولها، وما أشقاها حين لا تجد من يقول لها أو يقول عنها شيئاً(30).
إن الصراع بين القصيدة والمرأة رافق مسيرته الشعرية، منذ "قالت لي السمراء" إلى آخر ديوان صدر في حياته، فتارة يقول عنها إنها المسؤولة عن كل قصيدة كتبها، وأنها مزروعة في كل قصيدة قالها شاعر، ثم يصدر بياناً نزارياً عن أصل المرأة وأصل القصيدة، فيجعل القصيدة هي الأصل تارة والمرأة مادتها، ولكن المرأة فيها مثال، وطوراً يكتب الشعر للشعر، وأن أقدس مقتنياته هي الكلمات، إذا كانت هي مدينة حبه فإن القصيدة ستظل عاصمة الكبرياء، ولكنه ينشر اعترافاً خطيراً يقول فيه إن القصيدة هي أجمل سيدة في حياته:
أنا قد أموت اشتهاء ً وعشقاً
ولكنني لا أقايض شعري
بطرف كحيل
وخصر نحيل
ونهد يخبئ لي الطيبات
فإن القصيدة أجمل سيدة في حياتي
فهل بعد نشر اعترافي
تسامحني السيدات؟؟..(31).
وبالحدة نفسها ينشر اعترافاً آخر مناقضاً للاعتراف الأول فيجعل كل كتابة أنثى، والمرأة هي التي تتمدد على الورقة البيضاء. وهي التي تنام فوق كتبه، وترتب أوراقه ودفاتره، وتضبط حروفه، وتصحح أخطاءه، وباختصار هي التي تكتب له قصائده. ثم تصير في موضع آخر أجمل من الكتب التي كتبها، والكتب التي يفكر بكتابتها، ومن القصائد التي أتت، والقصائد التي سوف تأتي(32). فبعد أن كانت المرأة والقصيدة ثنائية متلازمة الطرفين لا يحضر طرف إلا وحضر معه الطرف الآخر، وبعد أن كانت القصيدة أجمل سيدة في حياته صارت المرأة أجمل من كل ما كتب وما سوف يكتب.
وعلى الرغم من هذه التأكيدات التي تبدو وكأن الصراع النفسي فيها قد حسم لأحد الطرفين إلا أن الشك ظل يراوده عن أصل القصيدة وأصل المرأة، ففي آخر ما كتبه يكشف عن هذا الصراع بصورة صريحة في قصيدة بعنوان: "هل المرأة أصلها قصيدة؟. أم القصيدة أصلها امرأة"؟ حيث يقول:
هل المرأة أصلها قصيدة؟
أم القصيدة أصلها امرأة؟
سؤال كبير مازال يلاحقني
منذ أن احترفت حب المرأة..
وحب الشعر..
سؤال لا أريد له جوابا
لأن تفسير الأشياء الجميلة يقتلها..(33)
في هذه القصيدة يتكرر السؤال في لازمة أربع مرات، ثم يتحول من البحث في أصل المرأة وأصل القصيدة إلى البحث عن أيهما كانت في البدء: أنوثة المرأة أم أنوثة الكلمات؟ وهل هو جمال جسدها أم هو جمال الطبيعة؟ وهو السؤال نفسه الذي ينهي به قبل هذا التاريخ قصيدته: من "بدوي مع أطيب التمنيات":
هل كنت قبل قصائدي موجودة
أم أنني بالشعر، أوجدت النساء؟؟(34).
من خلال ما تقدم نستنتج ثلاثة مواقف:
-يتمثل الموقف الأول في كون المرأة تساوي القصيدة.
-ويتمثل الموقف الثاني في أن القصيدة أجمل من المرأة وأهم منها.
-أما الموقف الثالث فيجعل المرأة أجمل من القصيدة.
لقد تولد عن الصراع بين القصيدة والمرأة موقف مأساوي، فما سر هذا الصراع؟ وهل انتهى حقاً إلى إيجاد حل له؟
إن المواقف الثلاثة المشار إليها سابقاً، رافقت مسيرته الشعرية دون أن يتغلب موقف على آخر أو يتبنى موقفاً دون آخر، أو يلتزم بموقف في مرحلة من المراحل. فقصيدة "ورقة إلى القارئ" التي صدر بها ديوانه الأول "قالت لي السمراء" تشتمل على واحدة من هذه المواقف حين بدت لنا فيها تلك الذات الصانعة المبدعة للمرأة المجملة لها، قد أشار إلى ذلك بصورة صريحة:
جمالك مني فلولاي لم تك
شيئاً ولولاي لن توجدا
وتطالعنا القصيدة الرابعة "الموعد الأول" في الديوان نفسه، بتلك الذات الصانعة للمرأة المبدعة لجمالها.
في حين نجد في القصيدة السادسة في الديوان نفسه أن المرأة فيها مجرد طيف يعيش في الوهم والظنون، وهي مجرد خيط سراب يموت دائماً قبل الوصول، والموقف نفسه، نجده في القصيدة السابعة "اندفاع"، وفي "حبيبة وشتاء".
حيث أنّ الموعد لا يتحقق، وفي قصيدة "فم" تبدو المرأة فيها كذلك صانعة القصيدة ففي عينيها تختبئ قصائد الشاعر، ونجد ذلك في قصيدة "زيتية العينين" حيث تبدو دراما الشاعر بصورة واضحة في الصراع بين المرأة والقصيدة.
وفي قصيدة "لو" في "طفولة نهد" يبدو وجودها شرطاً لوجود الشعر. فكأنها الأصل والشعر فرع. وفي قصيدة "امرأة من دخان" في الديوان نفسه، تظهر تلك المرأة المتوهمة، المرأة المثال، أو المرأة الطيف حيث لا يتحقق وجود الشاعر إلا بغيابها، وكأنه يكشف عن تخوفه من ذلك المنافس (المرأة) لقصائده ولذلك يدعوها أن تظل بعمره مستحيلاً. وفي ديوان "أنت لي" تظهر هذه الصورة بوضوح في قصيدة "نحت" حيث تتحدث عن المرأة التي صنعها الشاعر أي تلك التي أوجدها في قصائده والتي تريد إنكار صنيعه.
وفي ديوان "حبيبتي" تنتصر المرأة على القصيدة في قصيدة "أكبر من كل الكلمات" لأنها ببساطة أحلى وأكبر من كل الكلمات.
وفي قصيدة "الرسائل المحترقة" لا تبدو المرأة شيئاً خارج قصائده، وأنه لا وجود لجمال المرأة إلا في روائعه الشعرية.
إن دراما الجسد عند نزار قباني هي دراما الحياة والموت، فالجسد النسوي يذبل ويفقد نضارته ثم يموت، في حين أن جسد القصيدة خالد. فقد ماتت وصال أخت الشاعر، وأمه فائزة ماتت، وزوجته بلقيس ماتت، فقدر المرأة إذن، الموت. فلم يبق للشاعر سوى الاحتماء بجسد القصيدة فهي وحدها الخالدة. ولذلك كانت المرأة عنده جسداً، ومدينة، وبيتاً، وحضارة، وثقافة، وطبيعة، ووطناً، وهوية.
وقد أدرك الشاعر هذه الدراما في أخريات حياته، فكتب بياناً ضد كل شيء، قال فيه:
واعذريني.. مرة رابعة
إن رفضت الشغل بالسخرة، يا سيدتي.
ورفضت المسرحية
لم يعد يمكنني أن ألعب الدور الدرامي الذي ألعبه
منذ خمسين سنة(35)
ولعل إدراكه لهذه الدراما هو الذي دفعه إلى إلغاء "الواحدة" التي ظل يدافع عنها طوال حياته(36).
إن المرة الوحيدة التي تموت فيها المرأة والقصيدة معاً كانت في قصيدة "بلقيس" حيث تقتل الحبيبة، وتغتال القصيدة (37)
شكراً لكم ..
شكراً لكم ..
فحبيبتي قتلت.. وصار بوسعكم
أن تشربوا كأساً على قبر الشهيدة
وقصيدتي اغتيلت..
وهل من أمة في الأرض..
-إلا نحن- نغتال القصيدة؟ (38).
إن الشعر يلغي الزمن وينتصر على الموت، في حين أن المرأة تشيخ مع مرور الزمن وتفقد وهجها وجاذبيتها وجمالها ثم تنتهي إلى الموت. أما الشعر فهو خالد.
إن القصيدة لا تفقد نضارتها، إنها دائمة الجمال، والشباب لا يفعل بها الزمن شيئاً كما يفعل بالمرأة. ولعل ذلك ما جعل الشاعر يذكر المرأة دائماً، في جل أشعاره، بمصير جسدها، أو يهجو ذلك الجسد حين يصير مهترئاً. لقد ظل الشاعر يحاورها، وتحاوره، وينتهي أحياناً إلى أنها ليست سيدة جسدها، وليست سيدة مصيرها، فالزمن هو سيدها، ومن ثم كان لابد أن يتوجه إلى من هي سيدة نفسها (القصيدة)، تلك المرأة التي تنام مع أي رجل، وتخرج بحرية تتجول في الشوارع كما تشاء وتعود متى تشاء ولا خوف عليها من الزمن ومن رجال القبيلة فلا شيء يؤثر على أنوثتها: "إنني لا أخاف على القصيدة من الخروج في الليل وحدها(…) القصيدة يجب أن تعطى حرية التجول، لأن وضع رجليها في حذاء صيني على نحو ما يفعل الصينيون بأرجل بناتهم، فيه تشويه لأنوثة الأنثى، ولأنوثة القصيدة"(39).
القصيدة شخصية إيحائية، والحديث عنها يدرك في بعده المجازي، فهي جسد ومعنى في مقابل الجسد والنفس، جسد معنوي يتماهى ويحاكي جسداً مادياً يتوحد معه أحياناً ثم يدخل معه في صراع أحياناً أخرى ليفرض نفسه بديلاً، ويغدو أكثر أنوثة من الأنثى، فهو يجمع بين جمال أنوثة الأنثى وجمال أنوثة اللغة: الأول أحادي الأنوثة أما الثاني فمزدوجها.
إن المرأة المثال هي هذا الجسد الرمزي، هي هذا المطلق المتحرر من قيود الجسد، هي هذا المتصور الذهني الذي تصنعه اللغة وتشكله بقالبها الخاص وألوانها المتميزة، هي أنثى جمعت عناصر الأنوثة كلها، ولكنها في الوقت ذاته ليست أنثى بمعناها المحدود. ومن ثم لا وجود للمرأة إلا في رحم القصيدة، وكل تحرير لها من أسر القصيدة، هو قتل لها، أو تشويه لجمالها ولأنوثتها.
إن التقابل الجمالي بين الجسدين، جسد المرأة وجسد القصيدة يوضح بجلاء ذلك التلازم الأبدي بينهما، القصيدة، إذن، هي سجن النساء الأبدي، ما تحررت المرأة منه إلا فقدت أنوثتها وتعطل فيها كل جمال.
إن التكوين الأنثوي لجسد المرأة بإغراءاته الشبقية، لم يكف يوماً عن أن يكون مثيراً لحساسية الرجل، ورغباته، وموقظاً لشهوانيته، ولكن الشاعر حين يستجيب لهذا المثير فإنه يصنع منه جسداً آخر أكثر جمالاً وإغراءً، ومن ثم لا يرقى جسد المرأة أن يكون ندا للقصيدة. فالقصيدة بوصفها أنثى ضد قرينتها المرأة، ومن ثم فحياة القصيدة تعني موت المرأة، وكأن هذا الموقف يجسد تلك الفكرة التي مفادها: "إن فهم النساء لبعضهن البعض وإحساسهن بأنفسهن ينبع من حالة انتمائهن لنسويتهن، غير أنهن يأخذن بمحاربة بعضهن البعض للسبب ذاته."(40).
إنه صراع بين الأختين، والمنتصرة فيه دائماً القصيدة، إنها معركة خاسرة تخوضها المرأة ضد المرأة (القصيدة) التي يقف الشاعر بجانبها بكل ما يملك من وسائل وقدرات، على الرغم من تمجيده للأنثى الجسد. وبما أن القصيدة أنثى، والأنثى قصيدة فإنه عندما يحب امرأة، فذلك يعني البحث عن أصله، وعن أصل الكتابة(41)، إن المرأة بوصفها موضوعاً لغوياً في شعر نزار قباني يتوالد من اللغة وباللغة، يصنعه الخيال ويلونه بألوانه، وليس ذاتاً محددة المعالم لها خواصها وأوضاعها، وجسدها مجموعة صور ولوحات فنية صنعها الوهم والظن وهذا ما جعل الشاعر يحركها حسب هواه، ويلهو بتشكيلها كما يلهو الفنان التشكيلي بأشكاله ولذلك يدعو المرأة في كثير من قصائده أن لا تصدق ما يقوله عنها، لأن بعض كلامه نمنمة وبعضه تشكيل.
إن المرأة التي يحبها والتي تغنى بها دائماً في أشعاره هي تلك المرأة التي صنعها أو التي نجدها داخل رحم قصائده، وعندما تخرج منها أو تنفصل عنها تصير امرأة أخرى كأية امرأة في الواقع:
بلا لغتي..
أنت امرأة مثل باقي النساء.
وبها، أنت كل النساء(42).
إن كل لقاء بينه وبين المرأة هو استحضار لحالة شعرية. والوسيلة الوحيدة التي تمتلكها المرأة للإفصاح عن نفسها، هي هذا الجسد، بيد أنه لا يمتلك وسائل الحياة والديمومة إلا حينما يستعيره الشاعر ويجعله موضوعاً للشعر ويلبسه ثوب القصيدة. المرأة نص تقرؤه العين، أما القصيدة فهي نص تشترك الحواس جميعها في قراءته و: "لقد ظل الرجل يقرأ المرأة بعينه ويفسرها بأحاسيسه، وظلت المرأة نصاً شهوانياً تتمتع به حواس الذكر وتلتهمه"(43).
إلا أن هذا الجسد ينتفي أمام الأنثى القصيدة، التي هي أجمل أنثى وينتفي أمام الجسد الأمومي. إذ إن هناك دائماً رغبة مكبوتة في شعر نزار قباني تتمثل في محاولة التخلص من جسد المرأة بمدحه وهجائه، أي بحبه وكراهيته إياه في الوقت ذاته.
إن التجاذب الوجداني في شعر نزار قباني في المرأة ظاهرة بارزة حكمت شعره من أول ديوانه الأول إلى آخر دواوينه، إنها محبوبة ومكروهة: "مرهوبة كما لو أنها نداء الهاوية المذهل"(44)، إنها مولدة للحب والكراهية، وبقدر ما يمدحها بقدر ما يهجوها، حبها يولد الهجاء، وهجاؤها يؤدي بدوره إلى التعاطف معها وإلى الشعور بالذنب أحياناً وإلى الشعور بتضخم الذات أحياناً أخرى، وهكذا تسير قصائد نزار قباني في حركة اهتزازية يمثلها خط بياني على الشكل التالي:
| |
|
دكتورة.م انوار صفار Admin
تاريخ التسجيل : 04/04/2010 البلد /المدينة : bahrain
بطاقة الشخصية المجلة:
| موضوع: رد: شعرية المرأة وأنوثة القصيدة - قراءة في شعر نزار قباني 7/15/2013, 00:08 | |
| إنه يأتينا بنساء جميلات ساحرات يرسمهن كأنهن عذارى بأجساد رائعة ناضرة يتفنن في رسم أجزائها رسماً يضفي عليها في كل مرة شكلاً جديداً، ولكنه في الوقت ذاته يأتي بأخريات لئيمات، وجوههن شؤم، وأجسادهن فقدت كل ما يشد الناظر إليها، يصفهن بالكذب، والزنى، والدعارة الخ… ويمتزج الأنموذجان فيرسمان عالماً درامياً في عالم الشاعر المأساوي المتناغم. وقد يبدو ذلك أحياناً في قصيدة واحدة، وهكذا وعبر مسيرة البحث عن الجمال المطلق في جسد المرأة يتوقف من حين إلى آخر في محطات القبح والنذالة، وهنا ينمو الإحساس بالكراهية إزاء الآخر، المرأة والرجل على حد سواء، فتغدو الذات وحيدة تواجه مصيرها وقدرها معزولة عن الآخر أنوثة وذكورة، ويتم الاحتماء من خوف الأنثى بالاستعاضة عنها بالقصيدة، فتتحول المرأة إلى قصيدة بعد أن كانت مثيراً ومحفزاً ومصدراً لها، وتندمج القصيدة مع الأنثى والأنثى مع القصيدة، أو تغدو القصيدة هي الأنثى والأنثى هي القصيدة.
إن معظم قصائد نزار قباني بنيت على شكل ثنائية الحب والكراهية، فهي صورة مدح وهجاء، فهو يمدح المرأة ويهجوها، وقد تظهر هذه الثنائية أحياناً في قصيدة واحدة، ولعل مرد ذلك إلى الصراع الناتج عن التنافس بين القصيدة والمرأة.
ولكن مع ذلك ففي كل قصيدة من قصائد نزار قباني في الحب، تنام قصيدة ثانية هي المرأة. والدراما النزارية محورها الأساس ومرجعها الدائم هو الصراع بين المرأة والقصيدة، أيهما أسبق المرأة أم القصيدة؟ أيهما تصنع الأخرى؟ ما هي أوجه الاتفاق والاختلاف بينهما؟.
إن كلامه عن القصيدة غالباً ما يتطابق وكلامه عن المرأة، بل إننا نستطيع أن نعوض لفظة المرأة بلفظة القصيدة أو العكس فلا يحدث أي تغيير في الدلالة.
لقد ظل يبحث عن المرأة المثال، ولكنها بقيت أنموذجاً مفقوداً لم يعثر عليه:
أفتش عنك بكل الزوايا..
(…)
فلست أشاهد في غرفة الحب
شخصاً سوايا..
ولا تتصادم إلا شفاهي
ولا تتعانق إلا يدايا(45).
لقد تجاذبت المرأة المثال في شعره صورتان أو أنموذجان، الأول يتمثل في المرأة الشعر أو المرأة القصيدة، والثاني يتمثل في المرأة الجسد وظلت الصورتان حاضرتين بشكل صريح أو بشكل رمزي، وظلت صورة الحبيبة عنده صورة ناتجة عن انطباع طفولي.
ولعل هذا ما يفسر موقفه من المرأة، فهي بقدر ما هي محبوبة، بقدر ما نجدها مكروهة، على الرغم من أنه:
قد تفرغ خمسين عاما
لمدح النساء!!… (46).
ولكنه في الوقت نفسه قد تفرغ لهجائهن كذلك خمسين عاماً. ولعل هذا ما يفسر في موضع آخر انهياله على المرأة باللوم والتقريع لأنها عاشرته كما نجد ذلك في قصيدة "إلى لئيمة" في ديوان "أنت لي" وفي قصائد أخرى. ولعل هذا ما يفسر كذلك، ذلك الصراع الذي رافق مسيرته الشعرية بين الرغبة في التطهر من الخطيئة والرغبة في ممارسة الخطيئة.
وهذا، أيضاً، ما يفسر موقفه من المرأة محبوبة ومكروهة، فـ"امرأة من دخان" في "طفولة نهد" امرأة مستحيلة، و"لن تطفئي مجدي" في "قصائد" امرأة مرفوضة لأنها تزاحم القصائد. فمن قراءة أشعار نزار قباني في المرأة نستطيع اكتشاف أنموذجين آخرين للمرأة كذلك أحدهما المرأة الأنثى ذات الجسد المرمري والرشاقة والأناقة، ذات النهد الناهد، والثاني المرأة ذات النهود المترهلة التي يكن لها كراهية خاصة، ويسخر منها سخرية لاذعة، ويهجوها هجاء وضيعا. ومن هنا تبقى المرأة في شعره تجسد البحث عن الذات الضائعة أو عن شيء مفقود. ففي قصيدة "رسائل لم تكتب لها" يقول:
أرسم الحرف
كما يمشي مريض في سبات
فإذا اسود في الليل تلال الصفحات..
فلأن الحرف، هذا الحرف..
جزء من حياتي
ولأني رحلة سوداء.. في موج الدواة
…
فأنا أكتب كالسكران..
لا أدري اتجاهي وحدودي..
أتلهى بك، بالكلمة، تمتص وريدي..
فحياتي كلها..
شوق إلى حرف جديد
الدكتور أحمد حيدوش
|
|
|
| |
|
بثينة الزعبي المراقب العام المميز
تاريخ التسجيل : 18/02/2012 العمر : 68 البلد /المدينة : النمسا / فيينا
| موضوع: رد: شعرية المرأة وأنوثة القصيدة - قراءة في شعر نزار قباني 7/15/2013, 02:30 | |
| ولكن مع ذلك ففي كل قصيدة من قصائد نزار قباني في الحب، تنام قصيدة ثانية هي المرأة. والدراما النزارية محورها الأساس ومرجعها الدائم هو الصراع بين المرأة والقصيدة، أيهما أسبق المرأة أم القصيدة؟ أيهما تصنع الأخرى؟ ما هي أوجه الاتفاق والاختلاف بينهما؟. قصائد نزار عن المرأة فيها من العمق مايكفي ليجعله من أهم الشعراء الذين تحدثوا عن المرأة لعمق حديثه عنها ووصفه لأدق تفاصيلها وأحاسيسها ,وذلك على الرغم من ما يبدوا في شعره عن المرأة من بعض الكلمات الصريحة . الأفكار التي ربطت بين الحلم والنص الأدبي هي المرأة الجسد ( محور المرأة الأم، ومحور المرأة الحبيبة ) , المرأة المدينة ( وصف المدينة في شعر نزار حيث قام بوصفها أنثى ترمز إلى الأم وإلى الحبيبة، حيث استعار صفات المرأة للمدينة تارة وصفات المكان للمرأة تارة أخرى. فكانت دمشق بمثابة الأم وبيروت بمثابة الحبيبة.)، والمرأة القصيدة ( ظاهرة التداخل بين القصيدة والمرأة غدت عند نزار قباني هاجساً رافق مسيرته الشعرية و صراع تولد لديه نتيجة التداخل بينهما في خيال الشاعر ... طرح رائع لهذه القراءة في شعر نزار قباني لسبر أغوار شعره عن المرأة والغوص في شخصيته بوجه عام .. دمت رائعة في اختيارك ملاحظة: بعض الأفكار مقتبسة لأنها تعبر عما أفكر به شخصياً لأني غير متعمقة في شعر نزار قباني
| |
|