لنعد إلى الإسلام كما أتى
بسم الله الرحمن الرحيم
ظروف دولية صعبة ، نمر فيها هذه الأيام ، حيث أصبح القوي يملي إرادته على الضعيف ، وأصبح القانون الدولي أشبه بقانون الغاب ، هنالك من ينتقد وهنالك من يسكت فالقرارات الدولية تنفذ أو لاتنفذ بمزاج القوي ، فالآراء تتالظلم والطغيانر والخلافات تشتد والمواجهات تتفاقم والاعتداءات تكثر والظروف الدولية تتعقد .....
1. الماضي والحاضر:
نعم لقد ظهر الإسلام في أصعب الظروف ، ظروف دولية آنذاك تشبه الظروف التي نمر بها حاليا , ظهر الاسلام في وقت كانت تتحارب فيه الديانات ، فكانت المحرقة الكبرى في اليمن , حيث حّرٌّق اليهود خمسين ألفاً من المسيحيين , فهبت الحبشة نصرة للمسيحيين ثم هب الفرس نصرة لليهود . كانت الحروب تشتد بين دولة روما ودولة الفرس ، وكانت الجزيرة العربية تعيش عصر الجاهلية السوداء ....
نعم ظهر الإسلام في أصعب الظروف ، ظروف حرب وخلافات , وقتل ودمار ، جاء الاسلام ليعيد الأمور إلى نصابها ، فكان الدين الذي نادى إلى العقل والفكر , والمحبة والسلام .
نعم نمر في أيامنا هذه في ظروف مشابهة للظروف تلك ، حيث تتصارع الأديـــــــــان وتتصارع المصالح وبات الدين وسيلة أكثر مما هو مبدأ ، أصبح وسيلة للسيطرة على الأمور الدنيوية ، متناسيا المبادئ الإنسانية والأخلاقية والفكرية والمنهجية , التي نزلت الأديان كلها من أجلها.
2. الغرور في الدين :
لقد خرج أتباع موسى عن دينهم , عند ابتغائهم الظلم للسيطرة على الأخرين ، معتقدين بظلمهم أنهم شعب الله المختار ، وأن الله لن يحاسبهم على أعمالهم ولن تمسهم النار .... لقد خرج أتباع عيسى عن دينهم , عندما جعلوا الكنيسة أداة ظلم تسيطر على الناس ، تنهب حرياتهم وتضطهدهم في ما تشاء ، معتبرة نفسها بأنها تمثل سلطة الله على الأرض ورأينا ظلم الكنيسة ومآسيها خلال القرون الوسطى في أوروبا فالغرور في الدين ظلم حرمه الله سبحانه وتعالى ، لقد غُر أتباع موسى وأتباع عيسى بدينهم ، فحرفوه وأصبح أداة ظلم على الّناس والإنسانية ،ولقد جاء قوله تعالى في سورة آل عمـــــــــــران (23 – 24 ):
( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولىفريق منهم وهم معرضون * ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ) .
3.الإسلام دين العقل والفكر للبشر كافة :
جاء الإسلام برسالته الغراء وكتاب الله المنير ، ليعيد ماضاع من الكتب الإلهية السابقة ، وليعيد الأمور إلى نصابها وليجعل من الدين أولا : رسالة إنسانية يوجهها إلى الإنسان أينما كان ، لإخراجه من الظلمات إلى النور ، مرتكزا بها على العقل والفكر ، بمنهج يضمن الحرية لكل إنسان ، للاطلاع على هذه الرسالة النبيلة بدون اكراه ضامنا حرية التفكير والتعقل لكل إنسان أينما كان ، وبشرط ألا يعتدي على الآخرين أو يخرجهم من ديارهم بسبب معتقداته . فكان الإسلام في أول دعواه ، دين فكر وعقل يدعو إلى القسط والعمل الصالح ، لبناء مجتمع سليم يتعاضد أفراده للتكافل بينهم لإصلاح أمورهم، حيث يقوم القوي بمساندة الضعيف ، ضمن مجتمع يسوده العدل والقسط ، يسوده الشورى ليكون متعاضدا قويا وسليما .
نجح الإسلام، بمبادئه ومنهجه ،لإيجاد السلام ، نجح بتثبيت حقوق الإنسان ، للتخلص من ظلم الطغيان وصولا إلى حرية الإيمان لعبادة الواحد الديان .
لقد أرسى الإسلام مبادئ التعاون الإنساني على البر والتقوى واحترام حقوق الآخرين فيما يخص معتقداتهم ، إلى أن ذهب إلى حمايتهم وجعلها مسؤولية على الدولة المسلمة، شرط ألا تكون هذه المعتقدات عدوانية على الآخرين وألا تخرجهم من ديارهم ، فكان هناك مايسمى
( صحيفة المدينة ) في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كانت أول وثيقة في التاريخ تنادي باحترام حقوق الإنسان وحريته ، وضمانا لأمنه .
أما الآن وقد ازداد عدد المسلمين ، والحمد لله زيادة كبيرة، إلا أننا نمر بظروف تشبه الظروف التي مرت بها الجزيرة العربية ، عند ظهور الإسلام ، كثر عدد المسلمين ولكننا نرى مظاهراً أدخلت على الإسلام وماهي منه ، نرى ظاهرة الغرور بالدين للسيطرة على الآخرين والطغيان عليهم ، دون المبالاة بحرياتهم وحقهم بالاعتقاد ، ولقد حرم الله هذه الظاهرة لكي لاتصبح ظلما ، كما سبق وتم ملاحظته في الأديان السالفة. جاء الإسلام ، ليكون الإيمان به ، نضجا وتفكيرا ، ولكل إنسان أن يمر بتجربته الإيمانية الخاصة به ، إنما الإيمان درجات ، وليكون العقل والفكر السراج المنير لهذا الإيمان فالإكراه والطغيان يعطل العقل والفكر ، ويؤدي إلى خلق الأحقاد والكراهية ، فلذلك حرم الله سبحانه وتعالى الإكراه في الدين في آيات محكمات ، والتي بنى عليها أساس المنهج الاسلامي ، حيث قال جل وعلى في سورة البقرة ( 256 ):
( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ) .
نعم يظن بعض الذين ضلوا ، أن إيمانهم أكسبهم حقوقا للسيطرة والطغيان على الآخرين . إن الله لم يسمح بذلك حتى لرسوله صلى الله عليه وسلم ، وذلك في الآية الكريمة من سورة الغاشية(21 – 22 -25-26) وفي كثير من الآيات الأخرى :
( فذكر إنما أنت مذكر* لست عليهم بمصيطر *... *إن إلينا إيابهم* ثم إن علينا حسابهم ) .
منقول