تعددت الألوان..والعيد واحد
ليلة العيد ما أحلاها وما أسعدها من ليلة مبشرة بقدوم يوم الجائزة..!! يوم يستبشر فيه العبد بما قدم طوال شهر رمضان من صيام وقيام وصلة للأرحام وصدقات في سبيل الله... وفي ليلة العيد يُمنّي العبد نفسه برحمة الله -عز وجل- عسى أن يكون من الفائزين بالفضل العظيم من قبول ورحمة ومغفرة، فيخرج لصلاة العيد والفرحة تملأ القلب، ويشع بريق الفرحة بالعين.
يخرج مبكراً مهللاً ومكبراً لله -عز وجل- يخرج للصلاة حيث جموع المسلمين.. الكل يسعى لإحياء اليوم منذ ساعاته الأولى بالصلاة والعبادة والتكبير، والحمد لله أن بلّغه هذه النعمة.
و على الرغم من توحّد المسلمين على مناسك العبادات سواء من استقبال رمضان والطاعة فيه ثم ختامه بصلاة العيد, إلاّ أن عادات المسلمين في استقبال فرحة ليلة العيد ومراسم الاحتفال بأيامه تختلف من بلد لبلد حسب الموروث الشعبي من العادات والتقاليد لكل مجتمع, وعلى الرغم من عدم اتساع الفارق في الاختلاف بين هذه العادات إلاّ أنه يظل لكل مجتمع ما يميزه من طابع وسلوك يُعرف ويشتهر به بما يعبر عن فرحته في استقبال ليلة العيد والاحتفال بأيامه.
ويظل دائماً ما توارثناه من عادات وتقاليد تملأ ذاكرتنا ووجداننا وتحرك الحنين فينا لما سلف عن تلك السنين الخوالي التي عشناها، ونحن صغار في أحضان بيت العائلة، ودفئها وبركة الجد الذي لا يحلو الاحتفال بالعيد إلاّ باجتماع كل أفراد الأسرة ولم شملها من صغيرٍ وكبير.
تلك العادات التي حجب التقدم الحضاري الكثير منها وسط زحمة الحياة وسرعة نمطها، مما جعل كل رب أسرة مشغولاً بأسرته الصغيرة, والتي ربما تباعد الغربة بين أفراد الأسرة الواحدة؛ فقد يُساق الأب إلى الاغتراب، سعياً وراء الرزق الواسع، في محاولة منه لتوفير مستوى أفضل لأسرته..!
وقد أدى المد الحضاري الذي يجتاح مجتمعاتنا الإسلامية إلى إحداث تغير نوعي في العادات والسلوك للأفراد في المواقف الحياتية والمناسبات المختلفة؛ فقد أصبح البعض يفضل الاحتفال بالعيد في قضاء وقت طويل في التسوّق في(المولات) والبعض يفكر في السفر إلى الخارج حيث يحلو له قضاء العيد بعيداً عن نظر من يعرفه، أو للرغبة في التعرف على بلدان جديدة, والبعض يخرج للمتنزهات مفضلاً الاقتصار على عائلته الصغيرة رضوخاً للظروف الاقتصادية الصعبة التي تركت هي الأخرى بصماتها على العلاقات الاجتماعية.
أما بعض الشباب فقد يفضل في تهنئة أقاربه الاتصال بهم هاتفياً, أو قد يقتصر على إرسال رسالة (أس أم أس) بدلاً من الزيارات المنزلية متذرّعاً بضيق الوقت؛ إذ يؤثر أصدقاءه بالنصيب الأكبر من وقته في هذه المناسبات..!
كل هذه الصور في التغير في السلوك للأفراد جعلت الرغبة في إلقاء نظرة على ماضينا وتراثنا ملحة كي نتذكر سوياً كيف كان الآباء والأجداد يُحسنون استقبال العيد، وكيف كان الكل يتلمس البركة والسعادة في كل شيء، على الرغم من قلة الإمكانات قديماً.
نتذكر ماضينا كي نسعد سوياً بدفء الذكريات وحلاوتها, وفي السطور التالية سنطوف سوياً في المدن الإسلامية العربية الشقيقة لننظر كيف كانوا يستقبلون ليلة العيد، وكيف كانوا يقضون أيامه، وما هي أهم الترتيبات والاستعدادات لقدوم العيد...
*** صلاة العيد في المسجد الأموي الكبير بدمشق
كان الناس في سورية في الماضي يَنْصِبُون ألعاباً للعيد في الأراضي الخالية من البناء، و تشتمل في الغالب على ناعورة كبيرة من الخشب، يجلس في محيطها الصغار، ثم يُدورُها صاحبها بهم، وتشتمل على سرير خشبيّ كبير، يُعرف بسرير الكَسْلانَة، وهناك في الناعورة دائرة كبيرة تُدعى بالدَوَخانَة، يجلس فيها الأولاد ليدورهم صاحبها وهم فرحون.
فرح الأطفال.. المعنى الحقيقي للعيدوللعيد اليوم في سورية طعمه الخاص، والذي يحرص فيه الصائمون على أداء صلاة العيد في المسجد الأموي الكبير بدمشق، وفي مساجد المحافظات الكبيرة الأخرى. وتتم الزيارات فيما بين العوائل والاجتماع في دار كبير العائلة، وتقدم إليهم الحلويات السورية المشهورة مع عصير التمر هند، والعِرِق سوس، وشراب القمر الدين، وهذا كله في أول أيام العيد، ويخرجون في ثاني وثالث أيام عيد الفطر للحدائق والمواقع السياحية ومدن الألعاب. أما الأطفال فيدورون في أزقة الحيّ في يوم وقفة العيد مرددين:
بُكْرَه العيد ومِنْعَيِّد ونقطع راس السيِّد
والسيِّد قَتَلْ مَرْتُو- امرأته- على رغيف اللي أكلتُو- أكلته-
أكلته ماشبّعها، جاب السيف ودَبَحْها
قال لها قومي تْعَشِي، قالت برُوح نَقْشِي،
شمَّر زِنْدُه، وطَعْمَاها، طعمَاها خاروف- خروف- مَحْشِي
وجَنْبُه كَمَايِه وجِبْسِي، جابهِن من عند العَشِّي
وبُكْرَه العيد ومِنْعَيِّد، ونرفع راس السيِّد
والسيِّد كَرَّم مرْتُو،على رغيف اللي صَرِفْتُو
صَرِفْتُه للمحتاجين!
إحدى ساحات الصلاة بالمحافظات وقد امتلأت عن آخرها