من المصطلحات أو المفاهيم الشائع تداولها في الإعلام الفني مصطلح ( الطرب ) أو(التطريب) ، والذي نلمسه من خلال طريقة التعامل معه أنه لفظ يستخدم للتعبير عن كل ماهو (غناء) وبالمثل بالنسبة للمطرب الذي ينسب إليه فعل التطريب مع ملاحظة أن صفة المطرب المتداولة حاليا تحمل بعداً مهنياً نوعاً ما حيث تطلق غالبا على كل من يمارس الغناء بصفة دائمة في حين لا تطلق على المغنين الهواة إلا فيما ندر وبدون أي مبرر عدا كونها صفة جميلة للمغني يرى البعض إلصاقها على من شاء ووقتما أراد شأنها شأن (المبدع) و(المتألق) و(القدير) إلخ والسؤال هو: هل استخدام عبارة الطرب على هذا النحو السالف الذكر هو استخدام صائب أم خاطئ ؟!الحقيقة أنني لست هنا بصدد تقرير الخطأ والصواب فأنا لا أدعي امتلاكي للرأي السديد والقول الفصل للبت في الإجابة ولكنني سأقوم بطرح رأيي الشخصي في هذا الموضوع والذي أؤمن به جداً والمتكون نتيجة لمتابعتي واستماعي واطلاعي الخاص.. وأشير في هذا السياق إلى أنني أختلف - والخلاف لايفسد للود قضية - مع ما كتبه الزميل العزيز مختار مقطري في هذا الملحق منذ مدة ضمن ورقته النقدية المقدمة إلى أحد المنتديات الثقافية والفكرية في مدينة عدن وفيها ذهب الكاتب العزيز إلى القول مراراً بأن (الغناء كله طرب ) وهوالدافع لكتابة هذا المقال أو التعقيب.
بالدرجة الأولى، وقبل كل شئ لا بد من التذكير بأن الموسيقى العربية كجزء من الموسيقا الشرقية تتضمن كل ماهو عربي أصيل من الأشكال و القوالب الغنائية والموسيقية وكل ما تأصل فيها من الأشكال والقوالب الغنائية والموسيقية الوافدة الأتراك و الفرس على وجه الخصوص وعبر تاريخ طويل من التواصل الثقافي ، ليتشكل من المحصلة نهجان غنائيان و موسيقيان رئيسيان الأول كلاسيكي (تقليدي) والثاني رومانسي.. (وجداني) ونهج ثالث حديث (تجديدي) نشأ متأثراً بالفكر الموسيقي الغربي وحمل رايته الموسيقاران القصبجي وعبدالوهاب على الترتيب، وأخلص إلى القول أولاً بأن مصطلح الطرب والتطريب لا يخص الغناء فقط بل الموسيقى البحتة أيضا فيقال (غناء طربي) و (موسيقى طربية) ومن جهة ثانية أقول إن (الطرب) مصطلح عربي خالص ذو دلالة محددة لا وجود له في القاموس الموسيقي الفارسي أو التركي على الأرجح نظرا لارتباطه بمعنى موسيقي محدد ومغايرنوعاً ما للمعنى اللغوي الشائع حالياً وهو أن الطرب يعني حالة النشوة أو الاستمتاع بالموسيقى.. وبعد كل ماسبق أصل إلى النقطة الأهم والمتعلقة ببيان المعنى الصحيح من وجهة نظري لمفهوم الطرب والمتعارف عليه عند الموسيقيين وخاصة القدامى والكبار منهم والمتواتر إلى يومنا هذا .
الغناء الطربي
الغناء الطربي في الموسيقا العربية طابع أو نموذج خاص من الغناء يندرج تحت خانة (كلاسيكيات الموسيقا العربية)لم يصنف على أنه قالب غنائي منفصل كالأدوار والموشحات والقصائد والطقاطيق وغيرها فهو متواجد في كل النماذج السابقة خاصة في الدور والموشح والقصيدة كما أن بالإمكان تضمين القوالب الأخرى كالنشيد والمونولوج بالمقاطع الطربية حسب الحاجة.. فالطرب باختصار هو نموذج للغناء العربي يتسم بكونه يسير على موازين إيقاعية شرقية رزينة أو بطيئة (ثقيلة) مثل الإيقاع السماعي الثقيل أو الأقصاق أو المخمس أو المربع وغيرها من الإيقاعات الشرقية الرزينة أو البطيئة نسبياً وبالتالي فلا يعد طرباً الغناء على الأوزان السريعة أو الراقصة.. وفي الغناء الطربي فإن المطرب يعمد إلى استعراض إمكاناته الصوتية في التنقل بين أجزاء اللحن واستخدام العرب الصوتية بما يبرز جمال اللحن المؤدى -كما يفعل في حالة الموال مع الفرق أن التطريب غناء موقع بعكس الموال- أي أن الغناء الطربي باختصار هو ما يسمى بحالة (السلطنة) أو أن المطرب فيه يسلطن في الغناء.. هناك بعد آخر نغمي في الغناء الطربي وهو أنه يقوم على استخدام المقامات الشرقية التي تحتوي على نصف التون (الأرباع الموسيقية) كالراست والبياتي والسيكا أما الغناء من مقامي الكرد والنهاوند مثلا فلا يعد طرباً بل رومانسية غنائية يمكن إضفاء المقاطع الطربية إليها عن طريق التحويلات المقامية والإيقاعية المناسبة لخلق الجو الطربي .(هل هناك رومانسية غنائية مقامها سيكا أو راست مثلا ؟! بالطبع لا..فالتطريب إذاً جو يخلقه تعاضد الأداء الصوتي واللحني والإيقاعي معاً على الأساس الذي ذكرته سابقاً.
نماذج لحنية
في رائعة عبدالوهاب والشاعربشارة الخوري (جفنه علم الغزل ) وفي نسختها الموزعة موسيقياً وتحديداً في المقطع الذي يغني فيه :
ياحبيبي أكلما ضمنا للهوى مكان
نجد أنه بالرغم من أن الإيقاع المستخدم فيه غربي راقص نوعاً ما إلا أن عبدالوهاب استطاع بذكائه كسر قيود الإيقاع وضغوطه ليتجول فيه و(يسلطن) ببراعة يمكن أن نقول عنها انها غناء طربي في أغنية حداثية ليست طربية !. وفي مثال آخر ،عندما تغني كوكب الشرق من مقام النهاوند مطلع أغنيتها (جددت حبك ليه ) مقام نهاوند :
جددت حبك ليه بعد الفؤاد ماارتاح
حرام عليك خليه غافل عن اللي راح
فإن الغناء هنا غناء رومانسي وليس طربياً لكننا نصادف الطرب لأول مرة في هذه الأغنية عندما تصل إلى المقطع التالي من مقام البياتي :
ياهل ترى قلبك مشتاق يحس لوعة قلبي عليك
ويشعـلل النار والأشواق اللي طفيتها انتا بايديك
وفي النموذج الثالث وهو أغنية (للصبرحدود) - مقام راحة أرواح- الكلاسيكية التي يغلب عليها الطابع الطربي نجد أن الرومانسية تتسلل إليها برقة عند المقطع التالي من مقام النهاوند وايقاع الفالس :
ومش حتعود ولو أن الشوق موجود
وحنيني إليك موجود
منقول