لا يتحمل صنعتها إلا من يحبها.. الزجاج اليدوي روائع صنع اليد السورية وتاريخٌ نَسبهُ
بساطة الأداة وعجينة النار
حرفة قديمة، ومميزة في نفس الوقت من شروط الإبداع فيها أن تحبها، هي حرفة نسبها دمشقي، ولا يتحمل صنعتها، إلا من يحبها.. إنها حرفة الزجاج اليدوي، أدرينالين نبض الشباب التقى شيوخ الكار في هذه المهنة، فكان هذا التحقيق الممتع والمفيد..
تستخدم هذه الحرفة الزجاج الخردة، كمادة أولية، وبعض المواد، لتلوين الزجاج، وأدواتها بسيطة، تتكون من الفرن المصنوع من الآجر الناري، وأنبوبة النفخ،
إضافة إلى مقص الحديد والرخامة، كما يوجد بالفرن فتحتان الأولى لإذابة الزجاج، والثانية لشويه، علماً أن عملية الصهر تستغرق "ساعتين" حتى يتحول الزجاج إلى "عجينة " من نار، وعن طبيعة العمل يقول (محمد القزاز صاحب معمل في منطقة الشاغور): "بعد أخذ عجينة الزجاج المنصهر التي نسميها "الطرقة"، نعمل على نفخها بواسطة أنبوب النفخ، إلى أن يأخذ الزجاج الشكل المناسب، وبعدها تنقل القطعة إلى مرحلة الشوي؛ حيث تحتاج إلى درجة حرارة 500 مئوية، على أن تبقى داخل فرن الشوي مدة 7-8 ساعات، لتتبرد تدريجياً، ولا تنكسر"، في حين (أبو عبده العامل في مهنة الزجاج منذ أكثر من 45 عام) يقول: "العمل ليس صعباً كما يتخيله الكثيرون، لكنه يحتاج إلى صبر وانتباه، حتى يتعود العامل على درجة الحرارة العالية"، بالمقابل لم يستطع (أبو محمود صاحب معمل الزجاج اليدوي)، في منطقة (التكية) الاستمرار، حيث أغلق معمله، وانتقل إلى مهنة أخرى، بعد أن توفي شريكه في العمل، بينما العامل الآخر رفض متابعة العمل، بسبب كبر سنه، وعدم قدرته على تحمل الحرارة العالية، فلم يعد يجد اليد العاملة الخبيرة، بهذه المهنة القديمة.
غالباً ما تسوق منتجات هذه الحرفة إلى الدول العربية والأجنبية، وتباع كقطع ليس للاستعمال، وإنما "كتحفة"، ويعود الفضل في رواج هذه المنتجات، وتسويقها بالدرجة الأولى للإعلام، الذي ركز الانتباه عليها، وجذب السياح إليها.. يقول (صياح عوض صاحب محل لبيع الشرقيات في منطقة باب توما): " كثير من الأجانب، والسياح يأتون، ويسألوني عن كيفية صنع الزجاج اليدوي، ويطلبون مني أن أدلهم على معامل الزجاج اليدوي القديمة، وعموماً يوجد قطع زجاج يدوي مطلوبة، وتباع بسرعة أكبر من أي قطعة أخرى"،
بريطاني معجب
ينظر (جون بيل السائح بريطاني مع عائلته)، والذي تواجد عند (محمد القزاز) في دهشة وإعجاب، بما تصنعه يدي (أبو عبده) ويقول "لاشك أن دمشق ذات حضارة عريقة وخير دليل على ذلك هو ما نراه الآن، وبالتأكيد سأنقل ما شاهدته إلى بلدي، بعد أن أشتري بعض القطع الزجاجية المعمولة، بهذه الأيدي المبدعة"،
الرسم والحفر على الزجاج خطر
لا تقتصر صناعة الزجاج اليدوي على إعطائها شكل ما، بل هناك ما يسمى بالرسم على الزجاج؛ حيث يقوم الحرفي بالرسم ذهنياً ومباشرة على القطعة, فيبتدع الرسوم ذات الطابع العربي، وكذلك كتابة الآيات القرآنية، والحكم، والأشعار، بمختلف الخطوط العربية، بينما يكون الحفر على الزجاج عن طريق المغطس؛ حيث تغطى الآنية بالشمع، ثم ترسم فوقها الزخارف، لكنها تستخدم اليوم بشكل قليل، لأنها تشكل خطراً على الصحة، لاستخدامها مادة الأسيد.
قرصنة.. على الزجاج اليدوي
هناك فرق بين الزجاج اليدوي والصناعي، فالمصنوع يدوياً لا يعطى قطعاً شبيه بالآخرة، حيث أن كل قطعة لها طول، وسماكة مختلفة، أما صناعة الآلات فتعطي قطع متناسقة وموحدة، وبالنسبة لسعر الزجاج اليدوي فأغلى من الصناعي، لأنه يحتاج عمل أطول، وإنتاجه أقل، مقارنة بالزجاج الصناعي، وهذا ما دعا الكثير من المعامل القديمة للإغلاق، إلى جانب دور ضعف تعلم المهنة مع ويلات الحرارة العالية لفرن الشوي، ما يعدها حرفة صعبة لا يتحملها إلا من يحبها، وهم قليلون، لذا فمن المتوقع لها أن تزول يوم ما، خاصة أنها لا تعد مصدر رزق، بالنسبة لمعظم العاملين الحاليين.