فؤاد حسني الزعبي المراقب العام المميز
تاريخ التسجيل : 22/10/2011 العمر : 81 البلد /المدينة : فيينا - النمسا
| موضوع: المقاصد النورانية في سورة الأنعام. 3/28/2014, 21:05 | |
| المقاصد النورانية في سورة الأنعام. تبدأ سورة الأنعام بقوله تعالى :(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّور ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) وحين تسمع كلمة الحمد فعليك أن تفهم أنها كلمة المدح والثناء والشكر ,فالحمد لله حينما استقبل الإنسان هذا الوجود ووجد كل مقومات الحياة التي لا يمكن أن تخضع لقوة بشر ولا لإدعاء بشر,لذا فإن الحمد أمر واجب الوجود وإن اختلف الناس حول من يوجه له الحمد.
وسور القرءان التي بدأها الله عز وجل بالحمد خمس سور هي :الفاتحة ,الأنعام ,الكهف ,سبأ وفاطر وتتركز كلها جميعاً حول شيئين :
تربية مادية
بإقامة البنيان بالقوت أو بقاء النوع بالتزاوج أو بتربيتهم
تربية روحية
ذات قيمة فيمدهم بمنهج السماء فيقول الله " الحمد لله رب العالمين ".فكلمة رب تعني أن الله تولى تربية الخلق إلى غاية ومهمة معينة والتربية تحتاج إلى مقومات ماديه ومقومات معنوية وروحيه ومنهجية لذلك يأتي بها الحق شامله للكون كله كما في فاتحة الكتاب " الحمد لله رب العالمين " · وفي مره ثانية يأتي الحق بالمنهج وحده كما فى قوله سبحانه وتعالى: (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب)
يأتي الحق بالأمور المنظورة فقط فيقول تبارك و تعالى :" الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور" كما في سورة الأنعام . يأتي الحق بأشياء غير منظورة مع الأشياء المنظورة كقوله تعالى:" الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولى أجنحه مثنى وثلاث ورباع " · فتجد أن الله يأتي بالمجموع كله في فاتحة الكتاب ويأتي بالمنهج فقط فى سورة الكهف. · ويأتي بالكون المادي كما في سورة الأنعام. · ويأتي بالكون المادي والمعنوي كما في سورة فاطر.
فإذاً علم الإنسان وجوب توجيه الحمد لرب واحد وهو رب العالمين فتم توحيد الله فى الإعتقاد بأنه الوحيد المستحق للحمد وهذا الحمد متمثل فى توحيد الله فى الإعتقاد ومن ثم يتبعه توحيد الله فى تطبيق شرائعه ومنهجه واتباع رسله ومن هنا يظهر مقصد سورة الأنعام
هدف السورة
تبدأ السورة بقوله تعالى: ]ٱلْحَمْدُ لله ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضَ[، فتشعر أخي المسلم من بداية السورة بهدفها ومحورها الأساسي، ألا وهو توحيد الله عز وجل وعدم الشرك به أبداً، وأن لا يكون في قلبك غير الله تبارك وتعالى.
وتتكرّر مسألة توحيد الله تعالى وعدم الشرك به 49 مرة في السورة، في49 آية أي حوالي (30%) من مجموع السورة. ولهذا نعلم سبب نزولها بهذه الهيبة ولماذا كان يحفها سبعون ألف ملك كما ويمكننا أن نستشعر الحكمة من نزولها ليلاً، فإنَّ جوَّ الليل يناسب هذه الروحانيات. بداية السورة
وموجة من الآيات الدالة على القدرة
تبدأ السورة بثلاث آيات تظهر قدرة الله تعالى: [ٱلْحَمْدُ لله ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَـٰتِ وَٱلنُّورَ ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ & هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَه[ُ وبعدها قوله تعالى: ]وَهُوَ ٱلله فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَفِى ٱلاْرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ[. وقوله تعالى: ]فَقَدْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقّ لَمَّا جَاءهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ[ (5). فهذه الآيات تدعو مَنْ يقرأها إلى أن يستشعر قدرة الله تعالى.. فإذا وجد إدباراً من الكفار المنكرين، استشعر عظم جرمهم ومدى جرأتهم وضلالهم، وواجههم بآياتها.
وتلاحظ في الآيات معنىً لطيفاً.. فالآية (12) تقول: ]قُل لّمَن مَّا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضِ قُل لله[، والآية (13) تقول: ]وَلَهُ مَا سَكَنَ فِى ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ[. الأولى تذكر أنّه ملَكَ المكان ]ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضِ[ والثانية تذكر أنه ملَكَ ]ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ[ أي الزمان، فسبحان من خلق الزمان والمكان وأخضعهما لملكه.
فإذا عرفت أنّ الله ملك الزمان والمكان.. فاقرأ بعد ذلك آية المواجهة الرائعة: ]قُلْ أَغَيْرَ ٱلله أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنّى أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ[ (14) ]قُلْ إِنّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ[ (15) ]مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ[ (16).فالآيات تريد منك أخي المسلم أن تتحرر من كل مظاهر العبودية لغير الله، أو الخوف من مخلوق، فتلك علامة المعرفة وثمرة التصديق.
لاحظ في كل ما سبق أن كلمة (قل) تأتي دائماً بعد كلمة (هو)، وكأنّ المعنى: استشعر من (هو) الله واملأ قلبك بحبه، ثم تحرك و(قل) من هو الله وادع إليه وواجه كل من يشرك به.
[center]ثم تأتي جماعة من الكفار ليقولوا للنبيّ r: هل معك دليل على رسالتك؟من يشهد لك أنك نبي؟ ومن يشهد أنّ إلهك واحد؟ فلقد سألنا اليهود عنك ليشهدوا لك فقالوا لا يوجد عندنا دليل.. فترد عليهم إحدى آيات المواجهة (الآية 19):[قُلْ أَىُّ شَىْء أَكْبَرُ شَهَـٰدةً قُلِ ٱلله شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِىَ إِلَىَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱلله ءالِهَةً أُخْرَىٰ قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ وَإِنَّنِى بَرِىء مّمَّا تُشْرِكُونَ] فهل في الكون كله أعظم من شهادة الله سبحانه وتعالى لنفسه ولنبيه.
ومع أن السورة توجهت بالخطاب أساساً للمشركين - كما أسلفنا - لكنها تلمح في الآية (20) إلى اليهود الذين أنكروا وجود الدليل على نبوة محمد r: [ٱلَّذِينَ آتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ...].
وتمضي الآيات على نفس السياق: آية قدرة فآية مواجهة. فتأتي آية رائعة في بيان قدرة الله تعالى: [وَمَا مِن دَابَّةٍ فِى ٱلاْرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَـٰلُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِى ٱلكِتَـٰبِ مِن شَىْء[ (38).فإذا جحد هؤلاء الظالمون بكتاب الله، تبدأ الآيات في الشدة بمواجهتهم. شمول العلم والقدرة
وتبدأ الآيات في موجة جديدة من عرضها لقدرة الخالق، في سياق يهز القلب ويحرك أوتاره: [وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِى ظُلُمَـٰتِ ٱلاْرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ مُّبِينٍ] (59) وكأنك ترى الورقة وهي تسقط في الصحراء أو على جبل أو في قاع بحر..
ومن الذي يتوفى الأنفس؟ إنه الله [وَهُوَ ٱلَّذِى يَتَوَفَّـٰكُم بِٱلَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ[ (60) فكيف تشركون به؟
ومن الذي شمل الخلق علماً وعدداً؟إنه الله ]وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً[ (61) أي ملائكة تحفظكم من الآفات وتكتب أعمالكم من الحسنات والسيئات. ومن الذي ينجي العباد من مهالك البر والبحر؟ إنه الله [قُلْ مَن يُنَجّيكُمْ مّن ظُلُمَـٰتِ ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ] (63). فكيف تشركون به؟ فإن شكّك أحد في ذلك فإن الآية ترد عليه بقوة: [قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ] (65) فمن الذي يخرج عن قدرته أو يغيب عن شمول علمه سبحانه وتعالى..؟!
فما هو شعور المؤمن الذي يقرأ سورة الأنعام؟ إنه يشعر أن مشاعره تهتزّ وهي تنزل على النبي ليلاً في موكب من الملائكة.. يشعر بصوت الملائكة وهم يسبّحون الله لعظمة هذه السورة.. فهذه السورة تزلزل النظرة الإنسانية وتطوف بالإنسان لتأخذه إلى ملكوت السموات والأرض والنهار والليل والبر والبحر والشمس والقمر والنجوم.. تريك الجنات المعروشات.. إنها تطلعك على ملك الله عز وجل.. حتى تصل إلى آية أخرى من آيات القدرة [وَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضَ بِٱلْحَقّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ ٱلْحَقُّ وَلَهُ ٱلْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِى ٱلصُّوَرِ عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ] (73).
[/center] | |
|
بثينة الزعبي المراقب العام المميز
تاريخ التسجيل : 18/02/2012 العمر : 68 البلد /المدينة : النمسا / فيينا
| موضوع: رد: المقاصد النورانية في سورة الأنعام. 4/25/2014, 00:55 | |
| طرح مميــز جــزاك الله خيراً ونفع بما طرحته هنا وبـارك فيك | |
|