صفاء النفس.. واستقبال رمضان
*********************************
حينما تتجلى على النفس إشراقاتُ الروح؛ تتجلى حقائقُ الأشياء والأحوال...
فتصبح الحياة حبًّا.. والعطاء نورًا.. والسلوك إلى الله أمنًا وسلامًا.. فيحيا القلب في فيض رباني.
أهو الحب، أم الحنان، أم الرحمة، أم الرضا، أم السلام؟
أم هو النور الذي وهبه الله له لينير طريقه، فيسجد الكِيان الإنساني حامدًا شاكرًا عاجزًا عن الوفاء، لا يعرف إلا أنها لحظات من الصفاء تسمو به إلى نورانية في رحاب الله، وفضلاً من عند الله.
يهل علينا شهرُ الصوم بنفحاته وأنواره وفيوضاته، وفي رمضان تشرق النفسُ على العطاء والحب والنقاء، تستشعر حلاوة القرب فنسعى لتحقيق صفاء ونقاء تشتاق إليه لتنعم في ظلاله.
والصفاء النفسي درجة من درجات الإيمان، ونعمة من نعم الله يمن بها على عبده المحب المؤمن؛ إذ يشعر بأن هناك نورًا يسري في كِيانه يُهذِّبُه ويصقله ويوجهه إلى كل ما هو خير وفاضل وكريم.
وتحقيقه يتطلب من الإنسان سلوكياتٍ خاصةً؛ مثل العفو، والصدق، والصبر، والإخلاص، وكظم الغيظ والإحسان والرضا؛ مما يدفع الإنسان إلى التحلي بالخلق القرآني، ومن تحلى بالخلق القرآني وعرَفه حق المعرفة وقاه الله شرورَ الدنيا وآثامها.
وتفويض الأمر لله، والاحتساب عند الله يمنح الإنسان قوة كبرى.. قوة يستمدها من حبه لله وثقته بالله.. قوة تعطيه القدرة على الصبر وتمنحه الهدوء والسكينة والأمان مما يؤدي إلى صفاء النفس والذهن.
والصفاء اسم للبراءة والتخلص من الهم والكرب والغم والكدر، وهو على ثلاث درجات:
1- صفاء علم:
وهو العلم الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا العلم الصافي المتلقى من مشكاة الوحي والنبوة، يهذب صاحبه لسلوك طريق العبودية، وحقيقتها التأدب بآداب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء به في جميع الأحوال.
2- صفاء حال:
وهذه أعلى مما قبلها، وهي ثمرة لصفاء العلم ويذاق به حلاوة التضرع والمناجاة لله سبحانه وتعالى.
3- صفاء اتصال:
وفي هذه الدرجة يكون الإنسان موصولا بالله إذ تكون صلته بالله هي اللحظة الممتدة في حياته بمعنى أن تكون الدنيا في يدك وليست في قلبك وأنت الذي تملكها راضيًا في كل الأحوال آملا في القرب من الله.
وفي الحقيقة أن صفاء الاتصال سبيل من سبل القرب حيث يرى الإنسان جمال صنع الله في كل شيء ، ولا يشاهد إلا الحقيقة والحق في كل موجود، وأنه يشعر بنعمة الله وفضله في كل لحظة. فأمنه مع الله، وسعادته مع حب الله وذكره، فيجعل السالك حبه لله هو القانون الذي يحكم حياته فيوجهه في كل تصرفاته وأعماله فتصبح الحياة والعطاء والإحسان والإخلاص والسلوك والعمل كله حبًّا لله ولمرضاة الله وحده.
والصفاء النفسي سبب للسعادة في الدنيا والآخرة، وهو يرتبط بالإيمان والحب الإلهي.. فكلما ازدادت محبة العبد لله، ازدادت طاعته وصفا قلبه، وكلما صفا قلبه فاز بالقرب، والقرب سبيل إلى المعرفة، ومن عرَف لزم، وفي الالتزام الخير الكثير.
والصفاء النفسي يحقق للإنسان الاطمئنان والسلام الروحي العميق، وهو طريق إلى الأمن النفسي، والسعادة الكاملة هي السعادة التي تكمن في حب الله، حيث يكون هذا الحب هو القانون الذي يحكم الحياة وهو الموجه لكل الأفعال والسلوكيات، وهو القائد للأخلاق، فتنهل من المعرفة من نبع الحب الفياض.. حب الله فيصبح هذا المحب صافيًا فياضًا عالمًا بأسرار القلوب، وكنوز المعرفة، وحكمة الحياة بإذن الله وحده وفضله وبسلطان منه وحده.
السعادة الكاملة في حبه وطاعته وذكره، والصفاء عند بابه.. والرضا بكل ما قدر علينا.
والاستشعار بنعمة الله وفضله وحمده في كل لحظة سبيل من سبل القرب والاتصال الذي يبعث على الصفاء والنقاء والحياة النورانية المشرقة.
ويستقبل العبد المحب لله رمضانَ بصفاء نفس، ونقاء قلب، وسلامة جسد وروح...
فيعقد هدنة مع المناقشات والجدال، وطول الغياب خارج المنزل وكثرة الارتباطات، وهدنة مع كثرة النفقات والتبذير والهموم.. ويتصالح مع نفسه فيتخلص من سموم القلب وأمراض الرياء.
ويستعد في رمضان:
- بالعمل الصالح والعبادة في رمضان.
- النشاط في رمضان؛ إذ يعتاد البعض الكسل والنوم والخمول.. فهل أصبح رمضان مسوغًا للكسل والتواكل.
فإذا كان العمل مهما في غير رمضان عبادة، فهو في شهر رمضان أهم.
- التخلي عن السب والشتم وإيذاء الآخرين بحجة أنه صائم.
- الحرص على أداء العبادات من صلاة وصيام وصدقة وزكاة وذكر ودعاء وتلاوة للقرآن الكريم.
وهكذا تفتح الأبواب لاستقبال السكينة والطمأنينة، وتشرق السعادة الروحية على القلب الإنساني.. وحينئذ يكون رمضانُ دائمًا شهرًا مختلفًا عن باقي شهور السنة.
منقووووووووووول