من الحقائق الثابتة أن الإنسان مدني بطبعه، يعيش داخل جماعة ومجتمع وأمة، ويصعب عليه أن يعيش منفردا عن الناس. كما يصعب عليه أن يستقل بنفسه، في تحصيل مطالب الحياة، فهو بحاجة إلى المساعدة لأن القصور في طبعه، والعجز من شأنه (وخلق الإنسان ضعيفا).ولسد هذا القصور شرّع الإسلام مبدأ التعاون والتكافل والمشاركة، لاسيما في حل المشكلات والأزمات الكبيرة: ''مثَل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى'' رواه البخاري.
''المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا'' رواه مسلم. وإهمال هذا المبدأ، أدى إلى ظهور السلبية واللامبالاة، وعدم الإحساس الجماعي، بسبب النظرة الضيّقة إلى مفهوم التعاون حيث أصبح الفرد لا يقتنع بالتعاون إلا إذا كان على أساس الدفع أو المقابل وبشرط أن يكون في عمل دون آخر.
وإذا نظرنا إلى الإسلام وجدنا التعاون يمتد إلى آفاق واسعة، ويتسع ليشمل الجانب الروحي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، فهو شامل شمول الإسلام، ولا يقتصر على جانب فائدة مادية فقط. بل التعاون يعني العطاء في كافة الاتجاهات وجميع الأحوال، وهو تقاسم خدمة عامة واشتراك الجميع للوصول إلى الهدف النبيل وأنبل الأهداف، ما كان فيها حفظ للدين والنفس والعرض والمال والعقل مما يحقق الأمن والإيمان.. والتعاون هو أيضا الإحجام عن فعل الشرور، والأعمال السلبية، ومقاومتها خاصة العدوان الذي يسقط الكرامة الإنسانية المكفولة بحق الله علينا ''ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضّلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا''. وفي بيان هذا المفهوم الحقيقي للتعاون قال تعالى: ''وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان''. ويأمرنا الإسلام بالعطاء، وإن لم يكن من ورائه مقابل مادي أو تحقيق مصلحة شخصية عاجلة ''والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه'' رواه مسلم.
''من كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته''. ويدعونا إلى تقديم النفع بصرف النظر عن المنتفع ''ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه صدقة، ولا يرزؤه ـ ينقصه ـ أحد إلا كان له صدقة) رواه مسلم.
''من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسر اللّه عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه'' ''ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم'' الآية. هذا هو التعاون الحقيقي الذي يبني المجتمع، ويحمي الأمة، ويقيم الشهادة. وأما من اعتقد بأنه يستطيع أن يستقل بنفسه، ولا يشارك الآخرين في تحقيق مصالح البلاد والعباد فهو مغرور يصادم منطق الحياة وطبيعة البشر. إن الإسلام دين الواقعية، فهو لا يصادم الفطرة أبدا.. ولذلك فهو عندما يدعونا إلى التعاون البنّاء في إطار الجماعة أو المجتمع لا يمنع الإنسان من النظر في حاجاته المادية، بل يدعوه إلى تخليصها بشرط أن لا يكون ذلك على حساب الجانب الروحي أو الإيماني. ومن هنا وجب على المسلم أن يوازن بين حاجاته الضرورية وبين ما يدعوه إلى حسه الإيماني (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين'' القصص: .77 وفي الأثر ''اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا''. وبهذا التوازن بين مطالب الروح ومطالب المادة يمضي المجتمع في طريق النماء والبناء والعطاء، فأصحاب المال يقدمون المال، وأصحاب الفكر يقدمون الرأي، وأصحاب الإمارة يقدمون القرار، وأصحاب الجهد يقدمون الجهد...والكل مستجيب لنداء الله تعالى: ''فمن تطوّع خيرا فهو خير له'' البقرة: .158 ''ومن تطوع خيرا فإن الله شاكرا عليم'' البقرة: .184 ''ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون'' النحل .41
وأما من اعتقد بأنه يستطيع أن يستقل بنفسه ولا يشارك الآخرين في تحقيق مصالح البلاد والعباد وبأنه قادر على حل المشكلات فهو مغرور، يصادم منطق الحياة وطبيعة البشر الناقصة ''كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى إن إلى ربك الرجعى''.
______