الدماغ البشري هو مركز الجهاز العصبي في الإنسان، وهو يتحكم في الذاكرة والرؤية والتعلم والفكر والوعي وغيرها من الأنشطة، ويتكون الدماغ البشري من حوالي 100 مليار خلية عصبية ويزن في المتوسط حوالي كيلوغرام ونصف، ويستطيع الإنسان السليم أن يستخدم كل دماغه بخلاف الخرافة السائدة بأن الإنسان يستخدم فقط 10% من دماغه, بدليل أنه إذا أصيب جزء صغير من الدماغ فإنه قد يسبب ضرر بالغ, وأيضاَ الدماغ يستهلك 20% من طاقة الجسم مع أنه يشكل حوالي 2% من وزن الجسم, ولكن هذا لا يعني أن الإنسان يستخدم كل قوة دماغه في وقت واحد, وهناك الكثير من المفاهيم الخاطئة عن الدماغ والتي كانت تأخذ على أنها حقائق وقد ثبت أنها ليست صحيحة مثل الاعتقاد بأن دماغ البالغين لا ينتج خلايا عصبية جديدة, وقد ثبت أن دماغ البالغين ينتج خلايا عصبية جديدة في بعض المناطق وهذه الخلايا تؤثر في عملية التعلم وفي الذاكرة, إن الدماغ البشري هو أكثر الأعضاء تعقيداَ في الجسم البشري وقد يكون أعقد الأشياء في الكون, وتتمثل فيه قدرة الخالق سبحانه, وهو ملئ بالأسرار لذا أردت أن أشارككم بعض أكثر ما أعرفه عنه غرابة وروعة.
الدماغ البشري والجسم
ينقسم الدماغ البشري إلى ثلاثة أقسام رئيسية وهي مقدمة الدماغ (Forebrain), ووسط الدماغ (Midbrain), ومؤخرة الدماغ (Hindbrain).
مقدمة الدماغ (Forebrain)
مقدمة الدماغ هي أكبر وأكثر أجزاء الدماغ تعقيداَ وتتكون من:
1) المهاد(Thalamus) ويعمل كطريق لمرور المعلومات الحسية ما عدا الشم للمخ((Cerebrum.
2) ما تحت المهاد(Hypothalamus) وتساعد في التحكم في الغدة النخامية وتلعب دوراَ مهماَ في تنظيم حرارة الجسم والمحفزات الحيوية مثل الجوع والعطش.
3) الجهاز الحوفي(Limbic system) وهو يعمل على معالجة الخبرات العاطفية.
4) المخ((Cerebrum ويتحكم في العمليات المعقدة مثل التعلم والتفكير.
وسط الدماغ (Midbrain)
يساعدنا وسط الدماغ على تحديد أماكن الأحداث في الفراغ.
مؤخرة الدماغ (Hindbrain)
تتكون مؤخرة الدماغ من:
1) النخاع (Medulla) ويتحكم بوظائف اللاوعي مثل التنفس وجريان الدم.
2) بونز (Pons) وتؤثر في النوم والاستيقاظ.
3) المخيخ (Cerebellum) ويتحكم في التوازن وتنظم الحركة.
الدماغ البشري يراقب وينظم تصرفات وردود أفعال الجسم, وهو يستلم بشكل مستمر معلومات حسية ويعالجها بسرعة ومن ثم يستجيب, وفي حالات الخطر بدل أن يرسل مركز التحكم الرسائل إلى مركز التفكير في مقدمة الدماغ يأمر الغدتين الكظريتين بإفراز الأدرينالين, مما يعيد توجيه تدفق الدم من الوظائف الأقل أهمية مثل الهضم إلى الوظائف الأكثر أهمية مما يجعل الوقت يبدو أبطأ ويزيد من قوة الملاحظة, ويستطيع الدماغ أيضا تغيير مذاق الإنسان, فهو يتغلب على المذاقات السيئة ليحصل على المواد المغذية, مثال ذلك الفلفل فبالرغم من طعمه اللاذع إلا أن الكثير من الناس تحب تناوله, فهو يحتوي على فيتامين C أكثر أربع مرات من حبة البرتقال, وفي حالات الجوع الشديد يأمر الدماغ الجسم ليفرز هرمن أوريكسين ((Orexin ليساعد في عملية البحث عن الطعام وحل المشاكل, ويبطئ من عمل الجسم, ويوقف الوظائف غير المهمة, ويوقف نمو الخلايا الجديدة للمحافظة على الطاقة, وكحل أخير يأمر الدماغ بإطلاق مواد كيميائية تجعل الجسم يأكل نفسه.
عندما ينام الإنسان يأمر الدماغ بإفراز هرمون الميلاتونين (Melatonin) الذي يسبب الخمول أثناء النوم ويعمل على إصلاح خلايا الدماغ ونمو خلايا دماغية جديدة, ويستمر مركز السمع بالعمل أثناء النوم لهذا يمكن للمنبهات إيقاظنا, وفي حال إمتناع الإنسان عن النوم يتأثر مركز التفكير أولاَ مسبباَ أخطاء صغيرة مثل أخطاء في الكتابة كنسيان بعض الكلمات, وعندما يحس الدماغ بالخطر من قلة النوم يبدأ بإغلاق بعض المناطق غير المهمة في تلك اللحظة مثل مركز التفكير, وبعد استمرار قلة النوم لفترة طويلة يجبر الدماغ الجسم على النوم.
الدماغ البشري والقلب
لقد اعتبر القلب في كثير من الثقافات عبر التاريخ مصدر العواطف والحكمة, ويشعر الناس بأن الحب والعواطف الأخرى تحدث في منطقة القلب, ومع ذلك فقد أكد العلماء في الماضي أن الدماغ هو المسؤل عن العواطف, ولكن بعد بحث موسع تم اكتشاف أن القلب يحتوي على نظام عصبي معقد, مما يمكنه من التصرف بشكل مستقل ويمكنه من التعلم والتذكر والإحساس, ويحتوي النظام العصبي للقلب على حوالي 40000 خلية عصبية, ويتواصل القلب مع الدماغ ويؤثر على الإدراك واتخاذ القرارات وعمليات أخرى, وقد ذكر القرآن الكريم أن العقل مكانه القلب, ويجمع إبن القيم بين العقل والقلب والدماغ فيقول:” الصواب إن مبدأه ومنشأه من القلب –أي العقل- وفروعه وثمرته في الرأس، والقرآن قد دل على هذا بقوله: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾[الحج:46] وقال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾[ق:37]، ولم يرد بالقلب هنا مضغة اللحم المشتركة بين الحيوانات بل المراد ما فيه من العقل واللب”, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب” أخرجه البخاري ومسلم.
يعمل النظام العصبي للقلب بشكل مستقل عن الدماغ وهذا هو سبب نجاح عمليات زرع القلب, في العادة يتواصل القلب مع الدماغ عبر ألياف عصبية والتي تمر عبر العصب التائه والحبل الشوكي, ولكن في عملية زراعة القلب هذه الوصلات العصبية لا تعمل إلا بعد فترة طويلة من الزمن, ويتمكن القلب المزروع من العمل في الجسم الذي زرع فيه باستخدام قدرة نظامه العصبي المستقل.
أظهر بحث أن القلب يرسل المعلومات إلى الدماغ وإلى الجسم عبر حقل كهرومغناطيسي, ويولد القلب أقوى وأوسع حقل كهرومغناطيسي متوازن في الجسم وهو أقوى 500 مرة من حقل الدماغ ويمكن التقاطه على بعد عدة أقدام من الجسم.
لمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع يمكنك مراجعة بحث (The Heart, Mind and Spirit) للدكتور محمد عمر سليم من هذا الرابط , وموضوع (الإعجاز العلمي في قوله تعالى:﴿لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾) للكاتب: قسطاس إبراهيم النعيمي من هذا الرابط
مرونة الدماغ
كانت فكرة أن الدماغ البشري عند البالغين ثابت من حيث مراكز الوظائف وأنه من المستحيل لخلايا عصبية جديدة أن تنمو بعد الولادة فكرة مقبولة في علم الأعصاب حتى حوالي سبعينيات القرن الماضي, مع أن أفكار عن أن الدماغ مرن كانت موجودة إلا أنها لم تكن مقبولة بشكل واسع, ولكن في ستينيات القرن الماضي قام طبيب يدعى باول باشيريتا باختراع جهاز مكن فاقدي البصر من القراءة وملاحظة الظلال والتمييز بين الأجسام القريبة والبعيدة, وكان هذا بعد جلطة تسببت في شلل كامل لوالده, ولكنه مع أخيه تمكن من مساعدة والده على استعادة وظائف جسمه تدريجياَ, فبدئوا بتعليمه الزحف وقاموا بتمرين مفاصله وأصابعه على الحركة حتى تعافى وعمره 68 عاماَ وعاد إلى طبيعته حتى أنه تزوج وأصبح متسلقاَ للجبال.
لقد كان اختراع باول أول وأجرأ تطبيق لمفهوم المرونة العصبية(Neuroplasticity), وكانت طريقة عمل اختراع باول هي إجلاس المريض على كرسي ذو حث كهربائي مع وجود كاميرا كبيرة خلفه, تقوم الكاميرا بمسح المنطقة وإرسال إشارات كهربائية للصورة إلى أربع مئة محفز على جلد المريض, وتمكن الأشخاص الستة الذين أجريت عليهم التجربة من إدراك الصورة في النهاية, مع أنهم جميعاَ ولدوا فاقدي البصر, وكان باول يعتقد بالإبدال الحسي وهو أنه إذا تضرر أحد الحواس يمكن للحواس الأخرى أن تعوض عنه في بعض الأحيان, وفكر في أن مستقبلات اللمس في الجلد يمكن أن تتصرف كشبكة العين, ولكي يفسر الدماغ المعلومات الحسية ويحولها إلى معلومات بصرية يجب أن يتكيف مع ذلك.
المرونة العصبية(Neuroplasticity) تشير إلى قدرة الدماغ البشري على التغير كنتيجة للخبرات, فالدماغ يتكون من خلايا عصبية وخلايا غروية مترابطة, وقد تحدث عملية التعلم عبر إضافة أو إزالة روابط أو إضافة خلايا جديدة, ويمكن لمراكز الوظائف في الدماغ أن تغير مكانها من خلال التمرين المستمر, مما يعني أنه يمكن علاج إصابات الدماغ, وتصبح التغييرات في الدماغ دائمة بعد مدة تسمى بالفترة الحرجة, ويمكن للدماغ أن يغير نفسه ليتكيف مع إشارات من أجهزة خارجية, مما يمكن الدماغ من التحكم في الألات, ولهذا تطبيقات عديدة جداَ مثل الأعين والأذان والأعضاء الصناعية وحتى أجهزة الألعاب, ويساعد هرمون البروجستيرون على تسريع عملية التغير في الدماغ, مما يعنى أن سرعة تغير الدماغ عند النساء أسرع منها عند الرجال.