1 - بصمات " جحا " في الأدب العربي.
وركب بغلته مستدبرا راسها فساله تلاميذه ((لماذا لا تعتدل فى ركوبك يا مولانا ؟))
قال ((هذا هو الاعتدال ادير ظهرى لراس البغله ولا اديره لرؤوس الادميين !!).
الكثير منا لا يعرف " جحا " ولا يعرف من هو مع ان نوادره ملآت الدنيا من ألف عام واكثر شخصية خيالية فكاهية في الأدب العربي، أضحك الملايين على مدى قرون طرد عنها الحزن والأسى بحكاياته الطريفة المضحكة خلال أكثر من ألف عام
عاش نصف حياته في القرن الأول الهجري ونصفها الآخر في القرن الثاني الهجري، فعاصر الدولة الأموية وبقي حياً حتى حكم الخليفة المهدي، وقضى أكثر سنوات حياته التي تزيد على التسعين عاماً في الكوفة.
هو أبو الغصن دُجين الفزاري المشهور ب(جحا)
اختلف فيه الرواة والمؤرخون، فتصوّره البعض مجنوناً وقال البعض الآخر
إنه رجل بكامل عقله ووعيه وإنه يتحامق ويدّعي الغفلة ليستطيع عرض آرائه النقدية
والسخرية من الحكام بحرية تامة.
وما إن شاعت حكاياته وقصصه الطريفة حتى تهافتت عليه الشعوب،
فكل شعب وكل أمة على صلة بالدولة الإسلامية صمّمت لها (جحا) خاصاً بها
بتحوير الأصل العربي بما يتـلاءم مع طبيعة تلك الأمة وظروف الحياة الاجتماعية فيها.
ومع أن الأسماء تختلف وشكل الحكايات ربما يختلف أيضاً.
ولكن شخصية (جحا) المغفّل الأحمق وحماره هي هي لم تتغيّر .
شخصية فكاهية حقيقية، لكنها سرعان ما انفصلت عن واقعها التاريخي،
وأصبحت رمزًا فنيًا، ونموذجًا نمطيًا للفكاهة في التراث العربي.
ومن هنا قيل على لسانه آلاف النوادر أو الحكايات المرحة، على مر العصور.
لقد نسي الناس جذوره التاريخية، ولكنهم لم ولن ينسوا أبدًا أسلوبه الضاحك وفلسفته الساخرة.
وعلى الرغم من كثرة أعلام الفكاهة في التراث العربي، فإن جحا يبقى أشهر شخصية نمطية فكاهية، لاتزال حيّة فاعلة ـ حتى اليوم ـ في الذاكرة الجمعية العربية، الأدبية والفولكلورية والثقافية.
وشهرته الفنيِّة لا تلغي الدور التاريخي الذي يؤكد أن جحا شخصية حقيقية.
فهو أبو الغصن دُجَيْن بن ثابت الفزاري، ولقبه جحا، وقد عرف بين معاصريه بالطيبة والتسامح الشديدين، وأنه كان بالغ الذكاء، وتنطوي شخصيته على قدر كبير من السخرية والفكاهة.
ووسيلته إلى ذلك ادّعاء الحمق والجنون، أو بالأحرى التحامق والتباله في مواجهته لصغائر الأمور اليومية، استعلاء منه على حياة فانية، وشعورًا بعبثية الصراع الدنيوي، وإحساسًا بالجانب المأساوي للوجود الإنساني (الموت) في وقت معًا.
ولذلك لا غرو أن يعمّر جحا، وأن يعيش مائة سنة، كما يقول الجاحظ. وقد شهدت الفترة التاريخية التي عاصرها جحا أحداثًا جسامًا كان لها أبعد الأثر في أسلوبه وفلسفته في الحياة والتعبير، منها مأساة السقوط الدموي للدولة الأموية، وهيمنة الدولة العباسية ـ بقوة السيف ـ على مقدرات الأمور العربية الإسلامية،
وسط مناخ ثقافي حافل آنذاك بالصراع السياسي والعسكري والمذهبي والعرقي.
ومن اللافت للنظر، أن المأثور الجحوي بعامة، لم يكن وقفًا على النقد السياسي أو الاجتماعي فحسب، بل أدى وظائف أخرى، نفسية وجمالية، بالضرورة. فالنوادر الجحوية ليست إلا تعبيرًا عن واقع نفسي وخارجي معًا، في بنية واحدة متعاضدة، إنها هنا تسخر، تنتقد، تنتقم، تفرج، تسِّري، فهي تنفيس وتفريغ لشحنات انفعالية سالبة. وتأتي النوادر الجحوية ـ في وظائفها الجمالية والإمتاعية ـ