تّفْسِيرُ: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ( 14 ) سورة الفجر
قَوْلُهُ تَعَالَى :إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ
أَيْ يَرْصُدُ عَمَلَ كُلِّ إِنْسَانٍ حَتَّى يُجَازِيَهُ بِهِ قَالَهُ الْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ . وَقِيلَ : أَيْ عَلَى طَرِيقِ الْعِبَادِ لَا يَفُوتُهُ أَحَدٌ . وَالْمَرْصَدُ وَالْمِرْصَادُ : الطَّرِيقُ . وَقَدْ مَضَى فِي سُورَةِ ( بَرَاءَةَ ) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ . فَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : إِنَّ عَلَى جَهَنَّمَ سَبْعَ قَنَاطِرَ ، يُسْأَلُ الْإِنْسَانُ عِنْدَ أَوَّلِ قَنْطَرَةٍ عَنِ الْإِيمَانِ ، فَإِنْ جَاءَ بِهِ تَامًّا جَازَ إِلَى الْقَنْطَرَةِ الثَّانِيَةِ ، ثُمَّ يُسْأَلُ عَنِ الصَّلَاةِ ، فَإِنْ جَاءَ بِهَا جَازَ إِلَى الثَّالِثَةِ ، ثُمَّ يُسْأَلُ عَنِ الزَّكَاةِ ، فَإِنْ جَاءَ بِهَا جَازَ إِلَى الرَّابِعَةِ . ثُمَّ يُسْأَلُ عَنْ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ ، فَإِنْ جَاءَ بِهِ جَازَ إِلَى الْخَامِسَةِ . ثُمَّ يُسْأَلُ عَنِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ، فَإِنْ جَاءَ بِهِمَا جَازَ إِلَى السَّادِسَةِ . ثُمَّ يُسْأَلُ عَنْ صِلَةِ الرَّحِمِ ، فَإِنْ جَاءَ بِهَا جَازَ إِلَى السَّابِعَةِ . ثُمَّ يُسْأَلُ عَنِ الْمَظَالِمِ ، وَيُنَادِي مُنَادٍ : أَلَا مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلِمَةٌ فَلْيَأْتِ فَيُقْتَصُّ لِلنَّاسِ مِنْهُ ، يُقْتَصُّ لَهُ مِنَ النَّاسِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ . وَقَالَ الثَّوْرِيُّ : لَبِالْمِرْصَادِ يَعْنِي جَهَنَّمَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ قَنَاطِرَ : قَنْطَرَةٌ فِيهَا الرَّحِمُ ، وَقَنْطَرَةٌ فِيهَا الْأَمَانَةُ ، وَقَنْطَرَةٌ فِيهَا الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى .
قُلْتُ : أَيْ حِكْمَتُهُ وَإِرَادَتُهُ وَأَمْرُهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَيْضًا لَبِالْمِرْصَادِ أَيْ يَسْمَعُ وَيَرَى .
قُلْتُ : هَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ ( يَسْمَعُ ) أَقْوَالَهَمْ وَنَجْوَاهُمْ ، وَ ( يَرَى ) أَيْ يَعْلَمُ أَعْمَالَهَمْ وَأَسْرَارَهَمْ ، فَيُجَازِي كَلًّا بِعَمَلِهِ . وَعَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : أَيْنَ رَبُّكَ ؟ فَقَالَ : بِالْمِرْصَادِ . وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ السُّورَةَ عِنْدَ الْمَنْصُورِ حَتَّى بَلَغَ هَذِهِ الْآيَةَ ، فَقَالَ : إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ يَا أَبَا جَعْفَرٍ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ : عَرَّضَ لَهُ فِي هَذَا النِّدَاءِ ، بِأَنَّهُ بَعْضُ مَنْ تُوُعِّدَ بِذَلِكَ مِنَ الْجَبَابِرَةِ فَلِلَّهِ دَرُّهُ . أَيُّ أَسَدٍ فَرَّاسٍ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ ؟ يَدُقُّ الظَّلَمَةُ بِإِنْكَارِهِ ، وَيَقْمَعُ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ بِاحْتِجَاجِهِ !
الإمام أبوعبدالله محمد بن أحمد القرطبي رحمه الله تعالى
تفسير القرطبي
والله أعلم