هذه الدعوة المباركة الجليلة اقتبسها المؤلف حفظه اللَّه تعالى وسدَّده من قوله تعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾([2]).
وهذه الآية الكريمة نزلت في سؤال المسلم في القبر،فعن البراء بن عازب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال : ((المسلم إذا سئل في القبر شهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمداً رسول اللَّه ، فذلك قوله: ﴿يُثَبِّتُ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾([3])؛ ولهذا كان صلى الله عليه وسلم ((إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ، وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ، فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ))([4]) .
وتضمن هذا الدعاء المبارك، سؤال اللَّه تعالى الثبات في الحياة الدنيا ((عند ورود الشبهات بالهداية إلى اليقين، وعند عروض الشهوات بالإرادة الجازمة على تقديم ما يحبه اللَّه تعالى على هوى النفس ومراداتها، وفي الآخرة عند الموت بالثبات على الدين الإسلامي، والخاتمة الحسنة، وفي القبر عند سؤال الملكين للجواب الصحيح إذا قيل للميت: ((من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟))([5]) .
وهذا الدعاء الطيب له نظائر في أدعية المصطفى صلى الله عليه وسلم من جوامع الكلم التي أوتيها، فمنها : ((...إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَسْأَلَةِ وَخَيْرَ الدُّعَاءِ وَخَيْرَ النَّجَاحِ وَخَيْرَ الْعَمَلِ وَخَيْرَ الثَّوَابِ وَخَيْرَ الْحَيَاةِ وَخَيْرَ الْمَمَاتِ وَثَبِّتْنِي...))([6])، وكذلك في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لجرير بن عبد اللَّه رضى الله عنه ((اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا))([7])، ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ((رَبِّ أَعِنِّي ... وَثَبِّتْ حُجَّتي))([8]) ، وقوله: (وثبتني) يفيد العموم، أي سأل اللَّه تعالى الثبات في الدنيا، والبرزخ والآخرة، فوافق هذا الدعاء الطيب الأدعية التي جاءت عن المصطفى
([1]) مقتبس من سورة إبراهيم، الآية: 27.
([2]) سورة إبراهيم، الآية: 27.
([3]) البخاري، كتاب التفسير، سورة إبراهيم، باب يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت، برقم 4699، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر، والتعوذ منه، برقم 2871.
([4]) أبو داود، كتاب الجنائز، باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف، برقم 3223، والزهد للإمام أحمد بن حنبل، ص 129، والسنن الكبرى للبيهقي، 4/ 56، والدعوات الكبير له، 2/ 294، والسنن الصغير له، 2/ 29، وإثبات عذاب القبر له أيضاً، 124، وعمل اليوم والليلة لابن السني، ص 124، وفضائل الصحابة لعبد الله بن أحمد بن حنبل، 475، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 3/ 207.
([5]) تفسير السعدي، ص 484.
([6]) الحاكم، 1/ 25، وصححه ووافقه الذهبي، والدعوات الكبير للبيهقي، 1/ 348، المعجم الكبير للطبراني، 23/ 316، والأوسط، 6/ 213، قال الهيثمي في مجمع الزوائد،
10 / 280: ((رواه الطبراني في الكبير، وراوه في الأوسط باختصار بأسانيد، وأحد إسنادي الكبير، والسياق له، ورجال الأوسط ثقات)).
([7]) البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من لا يثبت على الخيل، برقم 3036، ومسلم، كتاب فضائل رضى الله عنهم اجمعين باب من فضائل جرير بن عبد الله رضى الله عنه برقم 2475.
([8]) أبو داود، كتاب الوتر، باب ما يقول الرجل إذا سلم، برقم 1512، والترمذي، كتاب الدعوات، باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 3551، وابن ماجه، كتاب الدعاء، باب أبواب الدعاء، برقم 3830، والنسائي في الكبرى، 6/ 155، برقم 10368، والإمام أحمد،
3/ 452، برقم 1997، وابن أبي شيبة، 1/ 236، وابن حبان، 3/ 227، وعبد بن حميد، ص 236، والأدب المفرد للبخاري، ص 232، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد، برقم 517.