يقول الاستشاري الدكتور خالد بن عبدالعزيز الطياش إن التطور واستخدام مواد البناء الحديثة أفقدت تصاميم المنازل في المملكة العربية السعودية اللمسة التقليدية المحلية، لافتاً إلى أن تصاميم المنازل وتقسيم الغرف ووظائفها شهدت تغيرات عديدة وضرورية.
وأشار إلى أن التغيرات التي طرأت على تصاميم المساكن صاحبها تغيرات أخرى في عملية وطريقة تأثيث المسكن، إذ إن ذلك فرض أسلوب استخدام مخالف لما اعتاد عليه المجتمع.
وأوضح الطياش أن المباني والمساكن أصبحت ذات منظر جميل، إلا أنها تخلو من المضمون والقيم الرمزية لحياتنا، مشدداً على ضرورة دراسة التصاميم التقليدية وتطويرها لتواكب أسلوب الحياة دون المساس بالمعايير الأساسية.
وأفاد بأن تصميم البيت مؤثر هام في حياة الإنسان سلوكياً وأسلوب حياة فالبيت ومحتوياته من عناصر الثقافة المادية التي يظهر تأثيرها جلياً واضحاً على ساكنيه ومجتمعنا السعودي مر بذلك التأثير وعاش مظاهره المختلفة فلقد أحدث التغير في تصميم منازلنا من التقليدي إلى الحديث العديد من الاختلافات في أسلوب حياتنا سلباً وإيجاباً ولقد تجاوب المجتمع مع معظم تلك التغيرات من خلال أسلوب وطريقة حياته وما صاحب ذلك من ظواهر في مجال الأكل والنوم والجلوس والعادات والتقاليد الاجتماعية فلقد بدأ التغيير في بناء البيت نفسه تغيرت عمارته وتغيرت مواد بنائه وتراجع الاعتماد على مواد البناء وأساليب البناء التقليدي وبدأت المباني تشيد بمواد البناء الحديثة وفق فنون معمارية متطورة ففقدت البيوت اللمسة التقليدية المحلية التي تعبر عن ذوق أصحابها وعن احتياجاتهم الثقافية الخاصة وباتت هندسة البيوت تعكس أنماطاً شبه موحدة لا تخضع للمقاييس المحلية بقدر ما تخضع للمقاييس العالمية العامة.
أما عن تصميم البيت نفسه وتقسيم غرفه وتحديد مرافقه الداخلية فقد شهدت تغيرات عديدة ضرورية وتبدو أبرز التغيرات في وظائف غرف البيت حيث ظهر نوع من التخصص في وظائف تلك الغرف فانفردت بعض الغرف باستقبال الضيوف وأخرى للنوم وثالثة للتخزين والطبخ علاوة على دورات المياه التي لم تكن موجودة بمفهومها الحالي في البيوت التقليدية.
وذكر أنه من الطبيعي أن يواكب هذا التغيير الهندسي والمعماري تغيير مماثل في تأثيث غرف البيت وتزيينه من الداخل والخارج على السواء وتسابقت الأسر إلى تزيين مجلس الرجال وهو المكان الرئيس المعد لاستقبال الضيوف وبالغ كثيرون في هذا الاتجاه على اعتبار هذا المكان واجهة البيت بالنسبة للزائرين وبعد ذلك بقية فراغات البيت واختفى كثير من الأثاث التقليدي وحل محله الاقبال على الأثاث الحديث في غرف الجلوس وغرف النوم وصالونات الطعام والذي فرض بدوره أسلوب استخدام مخالف لما اعتاد عليه المجتمع وظهر المطبخ بشكله الحديث وما يحويه من معدات طبخ حديثة اخفت مع ظهورها الأسلوب التقليدي الطقوس الذي كان يتمتع به المطبخ التقليدي وتغير معها نوعية الطعام فقد ظهرت متغيرات جديدة في مفردات الوجبة الواحدة لم تكن تلعب دوراً أساسياً على مائدة المواطن حيث تحول الطابع العام للغذاء من المحلي إلى الطابع العالمي الذي لا شخصية محددة له ومن البساطة إلى التعقيد.
أما بالنسبة للعادات والتقاليد الشعبية المحلية فقد شهدت تراجعاً واضحاً وملموساً وهذا أمر منطقي متزامن مع التطور الذي حدث في بقية عناصر التغيير فإحياء تلك العادات والتقاليد ومزاولتها مرتبط باطار معين يقوم على تفعيل المناسبات الاجتماعية والأحداث الأسرية فمن الطبيعي أن التحول الواضح نحو الحضرية والعصرية في معظم عادات وتقاليد المجتمع قد أضعف هذا الإطار، ساعد في ذلك ايقاع الحياة الحديثة السريع قد قلل من فرص هذه اللقاءات أو جعلها تتخذ الطابع الرسمي والبروتوكولي السريع الخالي من الاستمتاع بالمناسبة نفسها وجعل الموضوع بكل مفرداته هو أداء واجب اجتماعي فحفل الزواج الذي كان يستغرق أياماً تقلص اليوم إلى حفل سريع ممل أو مجرد سويعات قليلة يقضيها الناس معاً وعلى مضض ثم ينفض السامر.
وأضاف «هذا بعض مظاهر التغيير التي اجتاحت المجتمع السعودي والتي أساسها التغير العمراني والمعماري للمدنية وللحي وللمنزل الذي ظهر مع ازدياد الثروة والانفتاح الثقافي الخارجي وأسباب أخرى كثيرة لقد كانت حياة المجتمع ذات قيمة ومعان رمزية متعددة نراها ونحس بها في أسلوب جلوسنا ومنامنا وأكلنا واستقبالنا للاعياد وللأحزان وفي تعاملنا مع بقية أفراد المجتمع كانت بيوتنا رغم بساطتها معبرة عن قيم ومعان رمزية كثيرة نراها في النقوش على الأبواب والنوافذ والحيطان ونراها في الزخارف الجبسية البسيطة والعفوية التي تزين الوجار في الديوانية، كانت الزوايا المتعددة في كل بيت لكل جزء منها معنى معين في نفوس ساكنيه كل زاوية تحكي معاني وأحداث توارثها أفراد الأسرة جيلاً بعد جيل وكان لكل وقت من أوقات السنة طابعه وخصائصه وبيوتنا تتجاوب مع هذا الطابع وتلك الخصائص فالصيف والشتاء وأيام المطر ورمضان والأعياد لكل حدث احساس معين مرتبط بالبيت الآن تمر علينا كل هذه الأحداث من دون احساس، كانت بيوتنا التقليدية متناسقة تماماً مع سلوكنا الحياتي وأسلوبنا في العيش والحياة اختفت كل هذه الصور المتناسقة والمتداخلة والجميلة التي كانت تشكل لوحة ذات معنى وقيم كبيرة نابعة من البيئة والعادات والتقاليد وحل بدلاً عنها عالم جديد بعيد عن ما اعتدنا عليه وبعيداً عن ما نرتاح له أصبحت مبانينا شكلاً جميلاً ولكن بلا مضمون وبلا معنى وبلا قيم رمزية تجعل لحياتنا داخل هذا المنزل الخرساني المغلق أبعاد إنسانية بدلاً من أن نعيش بها مكرهين في ظل قوانين تنظيمية اجبارية وقوانين اجتماعية اختيارية فأصبحنا أسرى في بيوتنا نحس أننا في مكان آخر ووسط بيئة جديدة غريبة علينا.
ولفت إلى أن هناك تساؤلاً دائماً في ذهن كل معماري سعودي مفاده هل منازلنا الحالية هي نهاية المطاف والحل الاستقراري الأمثل للمنزل السعودي؟ وهل هي بالحقيقة المناسبة والملائمة لما نحمله من عادات وتقاليد وقيم وعمق تاريخي وبيئي عميق؟ وهل سوف تناسب هذه المساكن وضعنا المستقبلي في ظل الظروف الاقتصادية المتغيرة؟ أم هي مرحلة انتقالية تناسب الوضع الاقتصادي الراهن وتتغير بتغيره! الوحدة السكنية بحاجة إلى المزيد من الدراسة والتقويم وعلى المهتمين بالعمارة والعمران الدور الكبير في ذلك المجال، النقاط التالية قد تلقي بعض الضوء على محاور تلك الدراسة وذلك التقويم.
أ) لقد أدت التبدلات الاقتصادية التي حدثت للمجتمع السعودي بعد اكتشاف النفط وارتفاع الدخل القومي إلى حدوث تغير في النواحي الاجتماعية واثر ذلك على الأسلوب العمراني والمعماري في البلاد فافرز ذلك فقدان العمارة في بلادنا لهويتها الشخصية المميزة وعدم قدرة المساكن الحديثة على تلبية رغبات الساكن مما أدى إلى مشاكل بيئية واجتماعية ونفسية كبيرة لذا لابد من تكثيف الدراسات الاجتماعية والنفسية لحل تلك المشاكل الخاصة بالوحدة السكنية.
ب) يجب دراسة التصاميم التقليدية للوحدة السكنية وتطويرها بحيث تواكب أسلوب الحياة الحديث دون مساس بمعاييره الأساسية وركائزه الأولى وذلك عن طريق دراسة القيم والمعاني الرمزية التي يحتويها تصميم الوحدة السكنية.
ج) يجب مراعاة النواحي الإنسانية وأسلوب حياة المجتمع السائد عند تصميم الوحدة السكنية أو تخطيط المدينة في أي مرحلة من مراحل تطوير المدينة ومراعاة ما يختزنه المجتمع من قيم ومعاني رمزية لم تكشف وذلك عن طريق التحليل الدقيق لمشاعر المجتمع ومعرفة رغباته وميوله الشخصية وأسلوب حياته.
د) يجب النظر في قوانين وأنظمة وتعليمات البناء والتخطيط في بلادنا وربطها بتقاليد وعادات المجتمع وجعل تلك القوانين والأنظمة والتعليمات نابعة من خلال دراسات وأبحاث عميقة.
ه) يجب أن يتولى المعماريون والمخططون الوطنيون مسؤولية دراسة وتصميم النواحي المعمارية والعمرانية في البلاد كي يلائم التصميم والتخطيط المجتمع السعودي لقرب أولئك من بيئة المجتمع ومعرفتهم بعاداته وتقاليده الاجتماعية.
و) ضرورة التجاوب مع رغبات واحتياجات الناس في مجال التصاميم العمرانية والمعمارية وعدم فرض الأفكار المستوردة على المجتمع والاقتناع بأن ما يصلح في أماكن أخرى ليس بالضرورة أن يكون صالحاً ومناسباً لبلادنا وملائماً لأسلوب حياة مجتمعنا.
ز) يجب أن يتم فهم المعالم المعمارية من حيث دورها في المعالجات التاريخية وتطور المجتمع المستقبلي والنظر بعمق لقيمها ومعانيها الرمزية داخل أفكار أفراد المجتمع ومدى الروابط بين تلك المعالم والناس.
ح) ان التقاليد الثقافية ونماذج السلوك المحلية الخاصة بالناس هي مؤشرات قوية يستطيع المصمم من خلال دراستها وتحليلها استنباط العديد من المعايير السلوكية والاجتماعية التي تساعد في خلق ما يناسب المجتمع وما يرغبه والتي قد تكون فيما بعد الركيزة الأساسية لاحتياجات ومتطلبات المواطن في منزله.
ط) ينبغي لفن العمارة أن يعكس أسلوب الحياة والقيم والمعاني الرمزية ذات الصلة بالأعراف والعادات والتقاليد الاجتماعية لذا يتوجب على المعماريين الالمام بالدراسات الاجتماعية والإنسانية للمجتمع كي يحقق ذلك.
ي) ينبغي تطوير التعليم بحيث يشمل الدراسات الاجتماعية المتعلقة بتقاليد المجتمع وأعرافه وعاداته وماضيه الاجتماعي كي يعرف النشء الجديد خلفية مجتمعه ويفهم اللغة المعمارية والعمرانية التقليدية لمجتمعه.
ك) يجب ربط التصميمات العمرانية والمعمارية بالبيئة الطبيعية الخاصة بالمجتمع وبالمنطقة حيث يؤدي ذلك إلى استمرارية تفاعل الناس مع الطبيعة والبيئة واحترامهم لمدلولاتها الرمزية
المصدر: المصدر : مجمع عمران نت