إذا قمت بزيارةٍ صغيرةٍ إلى محاضرةٍ جامعيّةٍ في هذه الأيّام فسترى جحافل من الطّلاب يجلسون وراء شاشاتٍ متوهّجةٍ وأصابعهم على لوحات المفاتيح حيث يُفترض أنّهم يستخدمون أجهزة الكمبيوتر المحمولة والأجهزة اللوحية لتدوين الملاحظات لتذكّر الموادّ الدّراسيّة، لكنّ الأبحاث الجديدة تُظهر أنّه إذا كان التّعلم هو هدفهم،فإنّ استخدام جهاز كمبيوتر محمولٍ ليس فكرةً جيّدةً على الإطلاق!
والسّبب ليس فقط لأنّ أجهزة الكمبيوتر المحمولة المُتّصلة بالإنترنت ستشتّت انتباههم، بل أيضًا لأنّ تدوين الملاحظات على جهاز كمبيوتر سيؤثّر بشكلٍ كبيرٍ على قدرتهم على تذكّر المعلومات.
بام مولر ودانييل أوبنهايمر، عالما النّفس اللذان أجريا الأبحاث الجديدة، وجدا أنّ الطلاب عادةً ما يدوّنون كلّ ما يقوله الأستاذ على أجهزة الكمبيوتر المحمول بشكل عفويّ، بينما الطلاب الذين يدوّنون الملاحظات على الورق يستمعون إلى الدّرس ويدوّنون ما هو مهمٌّ فقط لأنّهم عمومًا لا يمكن أن يكتبوا بسرعةٍ كافيةٍ كلّ ما يقوله المحاضر، مما يساعدهم في نهاية المطاف على التّعلم.
مستخدمي الكمبيوتر المحمول يتذكّرون معلومات أقلّ في وقت لاحق
وقد أجرى هذان العالمان ثلاث دراساتٍ مختلفةٍ لمقارنة طلابٍ دوّنوا الملاحظات على كمبيوترٍ محمولٍ غير متّصلٍ بالإنترنت وآخرين دوّنوها على الورق، وقد شملت الدّراسات 327 من الطّلاب الجامعيين في جامعة كاليفورنيا وبرينستون .
في الدّراسة الأولى، طُلب من الطّلاب مشاهدة مؤتمر TED حواريّ لمدّة 15 دقيقة وتدوين ملاحظاتٍ عليه، ثمّ الخضوع لاختبارٍ على ذلك بعد مرور نصف ساعةٍ حيث كانت بعض أسئلة الاختبار مباشرةً عن حقائق شخصيّة أو خاصّة، بينما كانت الأسئلة الأخرى عن المفاهيم، حيث يُطلب من الطّلاب إجراء مقارنةٍ أو تحليل أفكار.
المجموعتان من الطّلاب سواءً مستخدمي الكمبيوتر المحمول أو الكُتّاب باليد أجابوا بشكلٍ مماثلٍ جدًّا على الأسئلة الوقائعيّة، لكنّ إجابات مستخدمي الكمبيوتر المحمول عن المفاهيم كانت سيّئةً جدًّا.
كما لاحظ الباحثون أيضًا أنّ مستخدمي الكمبيوتر المحمول استخدموا عباراتٍ وكلماتٍ أكثر، ومن المُرجّح أنّهم قاموا بإنزال الكلام حرفيًّا من شريط الفيديو.
ولتفادي مشكلة التّكرار هذه في الدّراسة الثّانية، طلب العلماء من الطلاب مستخدمي الكمبيوتر المحمول تدوين الملاحظات بأسلوبهم وكلماتهم الخاصة وليس فقط تدوين ما يقوله المُتحدّث، وحتّى في هذه الدّراسة، كان مستخدمو الكمبيوتر المحمول مرّةً أخرى أكثر عرضةٍ لإنزال الملاحظات من أشرطة الفيديو حرفيًّا كما أنّهم أجابوا على نحوٍ رديءٍ على أكثر القضايا المفاهيميّة.
كلتا الدّراستان ، مع ذلك، اسبعدتا واحدة من الفوائد الرئيسيّة لاستخدام جهاز كمبيوترٍ محمولٍ وهي القدرة على النّظر عبر مجموعةٍ أكثر اكتمالًا بكثيرٍ من الملاحظات أثناء الدّراسة، ولذلك في الاختبار النّهائي، طلب الباحثون من الطلاب مشاهدة مؤتمرٍ لمدّة سبع دقائق وتدوين الملاحظات على جهاز كمبيوترٍ محمولٍ أو باليد، وبعد أسبوعٍ كاملٍ يُمنح الطّلاب عشر دقائق لمراجعة ملاحظاتهم قبل إجراء الاختبار، وقد ثبت أنّ إعطاء الطّلاب وقتًا لمراجعة ملاحظاتهم كان مفيدًا ولكنْ كانت الفائدة محصورةً على الطلاب الذين أخذوا ملاحظاتهم باليد، حيث أجابوا بشكلٍ أفضل بكثيرٍ على كلّ الأسئلة المفاهيميّة والوقائعيّة، بينما هذا الأمر لم يساعد مستخدمي الكمبيوتر المحمول، بل الغريب أنّ أداءهم في الاختبار كان أسوأ وهذا يؤكّد ما توصّل إليه الباحثون في الدّراسة السّابقة من كون تدوين الملاحظات باليد يساعد على التعلم.
فعندما تدوّن الملاحظات بالقلم على الورق، فإنّ هذا الفعل ينطوي على الاستماع النّشط، في محاولةٍ لمعرفة وتحديد المعلومات الأكثر أهميّةً وتدوينها، بينما القيام بهذا الأمر على جهاز كمبيوترٍ محمولٍ يصبح عملًا آلًّيا عمومًا وذلك بالاستماع إلى الكلمات المنطوقة وتحويلها إلى كتابةٍ نصية.
أجهزة الكمبيوتر المحمولة تشتت الانتباه بشكل لا يصدق
1472187414_be2451c0cd_o
تقترح هذه الدّراسة الجديدة أنّه حتّى عندما لا يقوم الطّلاب بأي شيءٍ آخر غير تدوين الملاحظات على جهاز كمبيوترٍ محمولٍ فإنّ هذا يعيق قدرتهم على التّعلم، وهذا يشكّل مفاجأةً للكثيرين، وليس غريبًا أنّ هؤلاء الطلاب يفتقرون إلى التركيز، والمثير حقًّا في هذا الأمر هو أنّ العديد من طلاب الجامعات الذين تلهيهم أجهزة الكمبيوتر المحمولة عن التعلم والاستيعاب يدفعون عشرات الآلاف من الدولارات ليتمكنوا من ذلك، حيث أنّ كل الكليات والمدارس لا تسمح باستخدام هذه الأجهزة.
أخيرًا، أثبتت الدّراسات الحديثة أيضًا أنّ أغلب الطّلاب الّذين يستخدمون أجهزة الكمبيوتر أثناء الدّرس يقضون 40 في المئة من الوقت في مشاهدة أشياء أخرى على شاشاتهم بعيدًا عن الدّرس، وبالتّالي يصبح أداؤهم ضعيفًا ويشعرون بعدم الرّضا عن مستوياتهم وحتى عن الكليات أو المدارس التي يدرسون بها، وإذا كنت تقرأ هذا المقال وكنت ملزمًا بالقيام بعملٍ آخر فإنّك تعي حتمًا أنّ عليك الابتعاد عن جهازك لتنجز عملك لأنّ العلم والحسّ السليم واضحٌ جدًّا هنا، إذا كنت تريد أن تتعلم شيئًا من لقاءٍ أو مؤتمر، فمن الأفضل أنْ تقوم بتدوين الملاحظات بالقلم على الورق