خلق الله عز وجل الأرض بمن فيها و جعل الإبداع سمة خلقه ليدرك الإنسان قيمة الإبداع وأهميته، فالمبدع هو المنشيء أو المحدث ونحن بني أدم بكل ما ابتكرناه من أساليب و طرق وأجهزة هو مجرد تحديث لذلك الإبداع الأكبر لخالق السموات والأرض.
إذاً فالإبداع حالة عقلية بشرية تنحو لإيجاد أفكار أو طرق أو وسائل غاية في الجدة والتفرد بحيث تشكل إضافة حقيقية لمجموع النتاج الإنساني، كما تكون ذات فائدة حقيقية على أرض الواقع.
هل جعل العربي الإبداع أسلوباً و نمط حياة ؟
تبدأ الإجابة تونسياً حيث استغل الشباب التونسي التقنيه و التطور العلمي في نشر الحقيقة حول قصة الشاب التونسي محمد البوعزيزي الذي تعرض للانتهاك علي يد الشرطية فادية حمدي، والتي صفعته أمام الناس و قالت له “ارحل” مما دفعه إلى إضرام النار في جسده “في 17 ديسمبر 2010″ تعبيراً عن غضبه على بطالته و مصادرة مصدر رزقه الوحيد، وهي تلك العربة البسيطة التي كان يبيع عليها. وقد توفي البوعزيزي يوم الثلاثاء الموافق 4 يناير 2011 نتيجة الحروق، مما أدى إلى اندلاع شرارة المظاهرات في يوم “18 ديسمبر 2010″ لتنتج تلك المظاهرات جيلاً جديداً من الشباب المبدع الذي يتكيف مع الظروف المحيطه به فيبدأ بجمع المعلومات عن النظام و عن أساليبه المعهوده، فيدرس تلك المعلومات إلى أن تأتي مرحلة الشرارة و الإبداع فيحقق وينفذ تلك الأفكار التي خطرت له مثل اللجان الشعبية وتوحيد قيادته مقدماً بمجلس لقيادة الثورة التونسية، ليتابع و يحلل و يشرف على تحقيق أهداف الثورة.
وهكذا بدأت تظهر سمات المواطن العربي الذي أثبت في مصر حكمته وبراعته وشجاعته واستعداده لكل المحن فسارع أيضاً بإنشاء اللجان الشعبية والمجلس الخاص به قبل أن يبدأ النظام الفاقد شرعيته بمحاولته للعودة التي تمثلت في فتح السجون وحرق الملفات التي تدينه، إلى أن تتبعها الثورة اليمنية بأكبر قدر من الإبداع حيث استغلت المعلومات القادمة من الثورة التونسية و المصرية لتثبت روعتها وحكمتها فقاموا بتنظيم أنفسم بشكل عجز النظام الجبار الفاقد شرعيته عن إخماده أو تشويه صورته مما أكسبهم قدر كبير من المصداقية لدى العالم بأكمله.
إذاً ما أسباب فشل العربي إبداعياً ؟
لندرك ذلك علينا معرفة خطوات الإبداع والتي تتمثل في “جمع المعلومات” و “دراسة المعلومات” و “الإشراق” وهي مرحلة خروج شرارة الإبداع، وأخيراً “التحقيق و التنفيذ”.
أدركنا من المثال السابق أن العربي مبدع بطبيعته في مراحل الإبداع الثلاثة الأولى، لكن أسباب فشله الإبداعية تتمثل دائماً في التحقيق والتنفيذ، فمثلاً شاهدنا في كل الثورات العربية أخطاء في التنفيذ والتحقيق وتتمثل في عوامل مؤثرة خارجية فغالباً لا يكون الخطأ خطأ العربي ذاته بل أخطاء النظام المحيط به.
ما المقصود بالعوامل الخارجية ؟
لنستوعب ذلك بشكل أكبر نذهب إلى مصر والشاب “محمد جابر” الذي أثبت و على الرغم من حداثة سنه اختراع طائرة تجمع بين مميزات “الهليكوبتر و البوينج”، ونال العديد من الجوائز من داخل و خارج مصر فأصبح كل ما يتمناه أن يجد من يقدر مواهبه، فيستطيع أن يكون سبباً فى تقدم البلد فيقول محمد “بأدوات بسيطة أستطيع أن أكمل اختراعاتي فهياكل الطائرات التي أصنعها أستخدم فيها صفائح من بقايا (علب المشروبات الغازية) و علب السمنة المستعملة بعد أن عجزت عن توفير مادة الألومنيوم التى من المفترض أن يُصنع منها الهيكل، فهي تكلفني 800 جنيه في الطائرة الواحدة”، ويتساءل محمد “ليه مصر مش بتخاف على ولادها المخترعين و الموهوبين إلا بعد فوات الأوان؟ أنا ممكن تجيلي فرصة السفر للخارج مرة أخرى ولكن في هذه الحالة مش هأقول لأ”.
إذاً أبدع محمد جابر حيث جمع المعلومات ثم أشرق بفكرة وقام بتحقيقها وتنفيذها على شكل تجريبي لكنه لم يستطيع فعل ذلك بشكل نهائي نظراً لعدم اهتمام بلاده بموهبته، بل لربما عدم اهتمام الشعب أيضاً به فأنا شخصياً ولأول مرة أسمع عنه الآن أثناء كتابتي هذا المقال!إذاً ما دور الحكومات و الشعوب في تحقيق دعم المبدع ؟
بدايةً يأتي دور الحكومات في دعم المبدع مادياً و توفير الجو المناسب له حتى يستطيع تنفيذ أفكاره و تطويرها بشكل مستمر، و يأتي دور المجتمع و الذي يتمثل في دعم المبدع معنوياً عن طريق تقديره و احترامه و دعمه بأفكار من شأنها أن تساهم في تطوير فكرته، و دور المجتمع بالطبع أهم من دور الحكومات نظراً لما يوفره من دعم معنوي و نفسي للمبدع.
تأخذنا تلك السطور إلى سؤال آخر و هو كيف نفعل هذا إذا لم يكن هناك أي احترام لحقوق الملكية الفكرية أساساً ؟
عدم احترام الحقوق الفكرية في الوطن العربي قد يكون أحد أهم الأسباب التي دمرت الإبداع في العالم العربي، فمن المعروف حتى على شبكات الإنترنت التي نستخدمها نحن عدم الاحترام لأي حقوق ملكية فكرية فقد يستطيع أحدهم نقل تلك الكلمات ونسبها إلى نفسه دون أن يكون لي أنا شخصياً كاتب المقال وصاحب الفكرة الحق في مقاضاته بسبب انتهاكه لحقوقي الفكرية!
عدم احترام الوطن العربي لفكرة حقوق الملكية أدى إلى دمار فكرة حقوق الملكية على الشبكة العنكبوتية بشكل عام.
إذاً ندرك من ذلك أن حل مشكلة احترام الحقوق الفكرية يتمثل في قرار سياسي شعبي ناتج عن وعي لأهمية قرار مماثل قد يتيح فرص لتقدير الإبداع الحقيقي لدى المواطن العربي و الغربي بشكل عام.
دور التقنية في دعم المبدع:
مدونة مثل مدونة عالم الابداع التي نكتب فيها الآن لنتسابق، بشكل ما قدمت فكرة مبسطة عن كيفية استخدام التقنية في دعم المبدع فهي الآن تشجعني أنا و غيري على كتابة الأفكار التي سنجد في مقابلها ليس فقط الجوائز التي قد لا أهتم بها شخصياً لكن التقدير، فتخيل أن هناك حوالي 100 ألف شخص قد يقرأ هذا المقال؟!
إذاً فمجرد المساعدة على تبادل الآراء و نشر الأفكار هو أحد أوجه استغلال التقنية في دعم المبدع العربي.
و لكن هل يكفي هذا ؟
منذ فترة شاهدت أحد المواقع الأكثر روعة في العالم و كانت فكرته بسيطة حيث يلعب دور “الشهر العقاري” على الإنترنت، فمن خلاله تسطيع تسجيل أي شيء قمت بصناعته أو ابتكاره من جهاز إلى نصوص حتى !
صحيح أنه لا يمتلك سلطة تخوله للدخول في قضايا لمجرد مخالفة القوانين التي تضعها أنت مقابل نشر أفكارك لكنه على الأقل يحفظ الفكرة لصانعها.
لم أتفاجأ عندما اكتشفت أن مدونة عالم التقنية تنشئ مسابقات كبرى لأفضل المشاريع التقنية، ولكني لم أعتبره أيضا أمراً كافياً فلا يجب أن تسخدم التقنية لتطوير ذاتها فقط، تخيلوا لو أصبحت المسابقة تشمل كافة المجالات و كافة الصناعات! بالتاكيد قد يصبح الأمر رائعاً!
تمثل ذلك في برنامج أجنبي شاهدته عبر التلفاز وكانت الفكرة أن يتقدم كل شخص باختراعه للوصول إلى أفضل مخترع في البلاد و دعمه مادياً و معنوياً أيضاً، لكن تخيلوا لو استخدمنا التقنية في ذلك !
تخيلوا شبكة اجتماعية متجددة كل هدفها هو نشر الأفكار وتقييمها من قبل المستخدمين ذاتهم، بالتأكيد ستصبح مصدر جذب للمستثمر العربي بل سيحدث هناك تقارب بين المستخدمين ذاتهم فقد يتم دمج فكرتين معاً و قد يساهم أكثر من مستخدم في دعم فكرة، بالتأكيد سيصبح عالم آخر قد ينتج مجتمع أكثر من رائع تصبح فيه للفكرة أهمية و مقدار.
ولكن كأحد الأسئلة المطروحة كيف يستطيع مشروع مماثل أن يحقق كفالته الذاتية؟ فهو لا يقدم سلعة أو منتج بل يقدم خدمة تبادل الآراء و الأفكار!
تبقى الإجابة سهلة فهو يمثل شبكة اجتماعية مثل الفيس بوك أو غيره و تكون الوسيلة عن طريق الدعاية الإعلانية التي تجلبها الشهرة الخاصة بالموقع.
الفكرة الأخيرة وهي دعم المبدع معنوياً، تخيلوا لو أنشأت مدونة عالم الابداع قناة تلفيزيونية تعطي بثاً مباشراً على الانترنت هدفها هو عرض آخر و أفضل الأفكار و المواهب العربية!
لن تحتاج لتكاليف مهولة كما يتصور القارئ الآن، فقط مقر و كاميرا عالية الجودة لتسجيل اللقاءات من ثم عرضها كبث مباشر و بعد ذلك تنقل للأرشيف. الفكرة مبسطة و متشعبة قد أعجز عن شرحها بكلمات بسيطة لكن بالتأكيد ناجحة فهناك حوالي 25 قناة أجنبية تطلق بثاً مباشراً عبر الإنترنت و قد لقت استحسان من قبل الزوار و من قبلي أنا شخصياً فأنا أتابع قناة تقدم لقاءات مع المصممين الأجانب و أصحاب الشركات الكبرى مثل adobe و غيرها و تعتبر مصدراً هاماً لعديد من الأخبار قد لا أجدها في المدونات العربية التقنية!
إذاً و في النهاية ما هي خطوات دعم المبدع العربي ؟
- بداية توفير نمط تقني يسهل عمليه حفظ الحقوق الملكيه و الفكريه للعرب كما شرحت بالأعلى.
- توفير آليات تقنيه لعرض الأفكار و تقييمها من قبل الأعضاء و توفير فرصة التواصل فيما بينهم.
- دعم المبدع معنويا عن طريق بدء حملات توضح أهميه دعم المبدعين و عن طريق إنشاء منابر لهم مثل القنوات التليفيزيونيه.
- توحيد نظام عالمي يهدف لاحترام نظام حقوق الملكيه الفكريه حتى علي الانترنت و منع نزع البرمجيات مما سيساهم في تشجيع المبدع العربي و الغربي على التطوير.
و يبقي السؤال اخيراً:
أبدعت بطرح فكرتي بعد أن جمعت المعلومات و أخرجت تلك الأفكار، فهل ستبدع أنت بدعم المبدعين العرب في التنفيذ و التحديث؟
______________________________________________________
مصادر: 1, 2 , 3, 4, 5, 6, 7