هل يفتقر مجتمعنا الى ثقافة الاعتذار والاعتراف بالخطأ.. !؟؟
يجهل بعض الناس قيمة وفضيلة الاعتراف بالخطأ، بحجة أن الاعتراف قد يسبب مشاكل وخلافات أكبر من الخطأ نفسه..عدا ان المجتمع لا يتفهم هذا التصرف ولا يقابله بتسامح وبقلب طيب.. ومن هنا نجد صعوبة لدى المذنبين في الاعتراف بأخطائهم، مفضلين الصمت والتجاهل.
إحساس بالذنب نتيجة الصمت..
يملأ الإحساس بالذنب وجدان العشريني صالح عواد نتيجة كتمانه لسر إيذائه غير المباشر لزميله بالعمل، وكان سبباً في فصله من منصبه الوظيفي، موضحاً أنه لم يكن يقصد تلك النتيجة السلبية، يقول:” أعترف بالخطأ الآن، لكنني لم أملك القدرة على الاعتراف بالخطأ وأذيتي لزميلي..فشكوته للمدير العام بأنه لا يعمل مشاريعنا المشتركة بذهن صاف، ويصب العمل كاملاً على كتفي، لم أتوقع أن يقوم المدير بفصله بداعي عدم حاجة الشركة لموظفين مهملين، ومن بعد هذا القرار..بدأ إحساسي بالذنب تجاه زميلي يزداد يوماً بعد يوم..لدرجة أنني أتجنبه تماما بأي اجتماع أو لقاء خارجي..”
يؤكد صالح أن الاعتراف بالخطأ والاعتذار أمر يحتاج لجرأة وشجاعة، لكن شدة إحساسه بالذنب فاقت مقدرته على الاعتراف.
ما قاله الدكتور مشعل الفوازي في الاعتذار:
الاعتذار قيمة إنسانية وأخلاقية عليا نحتاجها باستمرار، لأنها مرتبطة بالخطأ، والخطأ جزء من تركيبتنا السلوكية ولا يمكن التخلص منه لأن ذلك ينافي طبيعتنا البشرية، ولذلك جاء الاعتذار بمثابة الدية المناسبة للخطأ.
في ثقافتنا الشرقية يبدو الاعتذار معيبا لدى البعض لأنه يمثل لديه حالة من الضعف والانكسار التي لا تليق بالرجل العربي ذي الأنفة والقوة والبطش.
ولذلك يقال في كتب الأدب أن اعتذارية النابغة الذبياني التي قالها في النعمان بن المنذر كانت فاتحة هذا الباب في الشعر الذي لم يعرف هذا الغرض من قبل وبالتالي لم يعرفه المجتمع ولم يتداوله بين أفراده ومجاميعه.
وإذا كان للاعتذار قيمته الحضارية العالية، فإن قبوله من الطرف الآخر يمثل حالة لا تقل عن الأولى بل تتفوق عليها لأنها تصدر ممن وقع عليه الضرر وتأذى منه.
لا يعتذر إلا من كان متصالحا مع ذاته وثقته بنفسه عالية وتسيره منطلقات وأفكار راقية ومتسامية، ولذلك تجد أن من تنقصه هذه المبادئ والمثل العليا، حتى لو شعر في قرارة نفسه بحجم الخطأ الذي ارتكبه فإنه يلجأ للتبرير، والمكابرة، والهروب للأمام، بما يكشف ضعف وهشاشة بنيته الثقافية والسلوكية، وأتذكر في هذا الصدد مقولة ديل كارنيجي (كل أحمق يستطيع الدفاع عن أخطائه أما أن تعترف بأخطائك فهذا هو سبيلك إلى الارتفاع فوق درجات الناس وإلى الإحساس بالرقي والسمو)..
الخلاصة: إن لم تكن لديك الشجاعة الكافية للاعتذار عن الخطأ، فاعمل جاهدا على ألا تحتاج إليه، فالحكمة تقول: إذا كان الاعتذار ثقيلا على نفسك فالإساءة ثقيلة على نفوس الآخرين أيضا.
يقول : ستيفن ر.كوفي
كنت في صباح يوم أحد الأيام في قطار الأنفاق بمدينة نيويورك
وكان الركاب جالسين في سكينة بعضهم يقرأ الصحف وبعضهم مستغرق بالتفكير
وآخرون في حالة استرخاء, كان الجو ساكناً مفعماً بالهدوء !!
فجأة … صعد رجل بصحبة أطفاله
الذين سرعان ما ملأ ضجيجهم وهرجهم عربة القطار …
جلس الرجل إلى جانبي وأغلق عينيه غافلاً عن الموقف كله ..
كان الأطفال يتبادلون الصياح ويتقاذفون بالأشياء ,,,
بل ويجذبون الصحف من الركاب وكان الأمر مثيراًً للإزعاج ..
ورغم ذلك استمر الرجل في جلسته إلى جواري
دون أن يحرك ساكناً ..!!؟؟
لم أكن أصدق أن يكون على هذا القدر من التبلد ..
والسماح لأبنائه بالركض هكذا دون أن يفعل شيئاً ..!؟
يقول (كوفي) بعد أن نفد صبره ..
التفت إلى الرجل قائلاً : .. إن أطفالك ياسيدي يسببون إزعاجا للكثير من الناس ..
وإني لأعجب إن لم تستطع أن تكبح جماحهم أكثر من ذلك ..!!؟
إنك عديم الإحساس .
فتح الرجل عينيه …
كما لو كان يعي الموقف للمرة الأولى وقال بلطف :
.. نعم إنك على حق …يبدو أنه
يتعين علي أن أفعل شيئاً إزاء هذا الأمر .. لقد قدمنا لتونا من المستشفى …..
حيث لفظت والدتهم أنفاسها الأخيرة منذ ساعة واحدة .. إنني عاجز عن التفكير ..
وأظن أنهم لايدرون كيف يواجهون الموقف أيضاًً ..!!
يقول ( كوفي ) .. تخيلوا شعوري آنئذ ؟؟
فجأة امتلأ قلبي بآلام الرجل وتدفقت مشاعر التعاطف والتراحم دون قيود ..
قلت له : هل ماتت زوجتك للتو؟
… إنني آسف …. هل يمكنني المساعدة …؟؟
لـــــــــقد … تغيــــــــــر كل شيء في لحــــــــــظة.. !!
انتهت القصة … ولكن…
ما انتهت المشاعر المرتبطه بهذا الموقف في نفوسنا …
نعم …كم ظلمنا أنفسنا حين ظلمنا غيرنا .. في الحكم السريع المبني على سوء فهم وبدون أن نبحث عن الأسباب اللي أدت إلى تصرف غير متوقع من إنسان قريب أو بعيد في حياتنا ..
وسبحان الله .. يوم تنكشف الأسباب .. وتتضح الرؤية ..
نعرف أن الحكم الغيبي غير العادل الذي أصدرناه بلحظة غضب ,له وقع أليم على النفس … ويتطلب منا شجاعة للاعتذار .. والتوبة عن سوء الظن ..
أيها الأعزاء
هذي القصة .. تذكرنا بحوادث كثيرة في حياتنا .. كنا في أحيان ظالمين وفي أحيان مظلومين ..
ولكن المهم في الأمر .. أن لانتسرع في اصدار الأحكام على الآخرين .
..نعتذر … وعندما نخطئ
ويوم يقع علينا الظلم .. نغفر
..