"يتجه التعليم المعاصر إلى تشجيع الطلاب على المبادرة، والفردية، والتلقائية في النقاش، والجرأة في الحوار، ومساعدة المتعلمين على إبراز ما لديهم من معلومات، وقدرات، وأسئلة، وأفكار، وإبداعات، وهذه المبادئ لا بد من أن تنطلق من المعلِّم"[1].
وبعد أن انتشر التعليم على شكله في الوقت الحاضر، تحول التعليم في حِقبة من الزمن إلى ما يشبه السجن في الصرامة والشدة، واستخدام الأساليب القمعية التي لا تصلح أن يتعامل بها مع التلاميذ، فتجاوزت الحد، وأخرجت تلاميذَ حمَل بعضهم صفات التوتر والخنوع وعدم الثقة بالنفس، مع كراهة شديدة للتعليم، فلم تأتِ المخرجات حسب ما خطط لها، وصار هذا الأسلوب القمعي سببًا من الأسباب التي أدت إلى تسرُّب بعض التلاميذ من المدارس، وسببًا من الأسباب التي أثرت على مخرجات التعليم لدينا كما أشارت إليه بعض الدراسات.
وأسلوب التعزيز، منهج نبوي جاء به الكتاب والسنة؛ يقول الله تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159]، قال أبو جعفر بن جرير الطبري - رحمه الله -: وأما قوله: ﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159]، فإنه يعني بـ: "الفظ" الجافي، وبـ: "الغليظ القلب": القاسي القلب، غير ذي رحمة ولا رأفة، وكذلك كانت صفته صلى الله عليه وسلم، كما وصفه الله به: ﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].
فتأويل الكلام: فبرحمةِ الله، يا محمد، ورأفتِه بك وبمن آمن بك من أصحابك "لِنْتَ لَهُمْ"، لأتباعك وأصحابك، فسهُلت لهم خلائقك، وحسُنت لهم أخلاقك، حتى احتملتَ أذَى من نالك منهم أذاه، وعفوتَ عن ذي الجرم منهم جرمه، وأغضيت عن كثير ممن لو جفوت به وأغلظت عليه لتركك ففارقك ولم يتبعك، ولا ما بُعثتَ به من الرحمة، ولكن الله رحمهم ورحمك معهم، فبرحمة من الله لنت لهم"[2]، وعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن الرِّفقَ لا يكون في شيء إلا زانَه، ولا يُنزَع من شيء إلا شانه))؛ رواه مسلم[3]، وقد ذكر المصنف كثيرًا من الأساليب، سيتعرض الباحث لبعض منها:
• من أساليب التعزيز: استخدام الكلام اللطيف الحسن مع التلاميذ، يشير إلى ذلك ابن مفلح - رحمه الله - بقوله: "قال الأعمش: كان ابن مسعود إذا جاءه أصحابه قال: أنتم جَلاء قلبي"[4].
• من أساليب التعزيز: استخدام الهدية مع الصغار، وهذا منهجٌ نبوي يشير إليه ابن مفلح - رحمه الله - بقوله: "وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم خالد خميصةً سوداء، وقال: ((أَبْلِي وأَخْلقي يا أمَّ خالد، هذا سَنَا))"، قال ذلك مرتين، والسَّنَا بلسان الحبشة: حسنٌ؛ رواه البخاري[5]، وأشار المصنف - رحمه الله - إلى أن الهدية تقع في نفوس الصغار موقعًا عظيمًا، فيقول: "وأنه يخص بذلك (يعني: الهدية) أو بعضه من يحضره من الصغار؛ لأنه يقع لذلك موقعًا عظيمًا بخلاف الكبار، وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بأول الثمر فيقول: ((اللهم بارك لنا في مدينتنا، وفي مُدِّنا، وفي صاعنا، وفي ثمارنا، بركةً مع بركة، ثم يعطيه أصغر من يحضره من الولدان))"[6].
وكثير من علماء هذه الأمة، انتشرت علومهم، وتلقاها الناس بالقَبول، والرضا عن أولئك العلماء؛ كالأئمة الأربعة وغيرهم من العلماء العاملين، بسبب تحبيبهم العلمَ للناس بأخلاقهم التي استلهموها من سيرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأخلاقِه الطاهرة.
• من أساليب التعزيز: مدح التلميذ المجتهد، والثناء عليه أمام زملائه؛ ليزيد من اجتهاده، ويجتهد زملاؤه كما اجتهد، وهذه الطريقة في المدح ليست مذمومةً في الشرع؛ لأنها مدح في شيء حسن وأمر محمود، ألا وهو التنافس في العلم؛ وذلك لترغيب المتعلمين فيه، وتحريضهم عليه، وقد قال ابن مفلح - رحمه الله -: "قال أبو بكرة: أثنى رجل على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((ويلك قطعتَ عنق صاحبك ثلاثًا))، ثم قال: ((من كان منكم مادحًا أخاه لا محالة، فليقل: أحسب فلانًا، والله حسيبه، ولا يزكي على الله أحدًا، أحسب كذا وكذا، إن كان يعلم ذلك منه))؛ رواه أحمد والبخاري ومسلم، وقال في النهاية: وأراد بالمدَّاحين الذين اتخذوا مدح الناس عادةً، وجعلوه بضاعةً يستأكلون به الممدوح، فأما من مدَح على الفعل الحسن والأمر المحمود ترغيبًا في أمثاله وتحريضًا للناس على الاقتداء به في أشباهه، فليس بمداح، وإن كان قد صار مادحًا بما تكلم به من جميل القول، كذا قال"[7].
بل قد أشار المصنف - رحمه الله - إلى هذه الطريقة في التحفيز المعنوي للمتعلمين؛ قال المصنف - رحمه الله -: "ثم إن أصاب واحد وأخطأ غيره، جاز مدح المصيب؛ لتزداد رغبته وحرصه، ويجتهد أيضًا المخطئ"[8].