الحكمة من خلق الكون في ستة أيام.
[rtl]تفكّر في خلق الكون[/rtl]
ما من أمر يفعله الله إلا وله فيه حكمة بالغة وهذا من معاني اسم الله تعالى " الحكيم " وهذه الحكمة قد يطلعنا الله تعالى عليها وقد لا يطلعنا ، وقد يعلمها ويستنبطها الراسخون في العلم دون غيرهم .
غير أن جهلنا بهذه الحكمة لا يحملنا على نفيها أو الاعتراض على أحكام الله ومحاولة التكلف والتساؤل عن هذه الحكمة التي أخفاها الله عنا.
قال الله تعالى : ( لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون ) الأنبياء / 23 .
وإلى من يسأل عن الحكمة في خلق السموات والأرض في ستة أيام قمت بإجراء هذا البحث.
أ- الأدلة على هذا الخلق :
جاء في القرآن الكريم آيات كثيرة تدل على أن الله خلق السموات والأرض – وهما الكون جميعه – في ستة أيام ومنها :
قوله سبحان وتعالى :
1 - ( إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) – الأعراف 54-
2 – ( قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) ) – فصلت 9،10،11،12 –
ملاحظة : كما ورد في زاد الميسر لابن الجوزي :
قوله تعالى : { في أربعة أيّام } أي : في تتمة أربعة أيّام . قال الأخفش : ومثله [ أن ] تقول : تزوجت أمس امرأة ، واليومَ ثنتين ، وإحداهما التي تزوجتها أمس .
قال المفسرون : يعني : الثلاثاء والأربعاء ، وهما مع الأحد والإثنين أربعة أيام .
أي اليومين الأوليين في الآية (9) مشمولين في الأربعة أيام في الآية (10) مع اليومين في الآية (12) يصبح المجموع ستة أيام.
3 – ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ) – ق 38 –
ملاحظة : لغوب أي تعب وفي هذا دليل على بطلان قول اليهود عليهم لعائن الله من أنه تعالى تعب لما خلق السموات والأرض في ستة أيام فاستراح يوم السبت تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا .
وقد ورد في بعض الآثار أن ابتداء الخلق كان في يوم الأحد , والانتهاء في يوم الجمعة وأن الإنسان قد خلق في آخر ساعة من يوم الجمعة , وأما يوم السبت فلم يكن فيه خلق قط .
ب - مقدار اليوم :
اختلف العلماء في مقدار اليوم المذكور في الآيات السابقة وغيرها على قولين :
أولهما أن اليوم مقداره كاليوم المعروف , وقد رد هذ ا القول بأنه لم يكن هناك شمس ولا قمر ولا ليل ولا نهار حتى يحدد اليوم بذلك 0
وثانيهما أن مقدار هذا اليوم كمقدار يوم من أيام الآخرة , يعني كل يوم مقداره ألف سنة
أخذا من قوله تعالى : ( وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ) - الحج (47) -
ج - الحكمة من هذا الخلق :
كما ذكرنا ...الله سبحانه وتعالى قادر على أن يقول للكون كن فيكون .. ولكن له حكمة من الخلق في ستة أيام.....
وقد حاول بعض العلماء استنباط الحكمة من خلق السموات والأرض في ستة أيام
1- قال الإمام القرطبي - رحمه الله - في تفسيره " الجامع لأحكام القرآن "
للآية
( إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) -الأعراف ( 54 )-
ولو أراد خلقها في لحظة لفعل ؛ إذ هو القادر على أن يقول لها كوني فتكون ، ولكنه أراد :
ولكنه أراد أن يعلم العباد الرفق والتثبت في الأمور، ولتظهرقدرته للملائكة شيئا بعد شيء.
وحكمة أخرى - خلقها في ستة أيام لأن لكل شئ عنده أجلا.
وبين بهذا ترك معاجلة العصاة بالعقاب، لأن لكل شئ عنده أجلا.
2- وقال ابن الجوزي في تفسيره المسمى بـ " زاد المسير " ( 3/162 ) في تفسير آية الأعراف :
ومعنى قوله : { في ستة ايام } أي : في مقدار ذلك ، لأن اليوم يعرف بطلوع الشمس وغروبها ، ولم تكن الشمس حينئذ . قال ابن عباس : مقدار كل يوم من تلك الأيام ألف سنة ، وبه قال كعب ، ومجاهد ، والضحاك ، ولا نعلم خلافاً في ذلك . ولو قال قائل : إنها كأيام الدنيا ، كان قوله بعيداً من وجهين .
أحدهما : خلاف الآثار . والثاني : أن الذي يتوهمه المتوهِّم من الإِبطاء في ستة آلاف سنة ، يتوهمه في ستة أيام عند تصفح قوله : ( إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ) [ يس : 82 ] . فان قيل : فهلاَّ خلقها في لحظة ، فانه قادر؟ فعنه خمسة أجوبة .
أحدها : أنه أراد أن يوقع في كل يوم أمراً تستعظمه الملائكة ومن يشاهده ، ذكره ابن الانباري .
والثاني : أن التثبُّت في تمهيد ما خُلق لآدم وذريته قبل وجوده ، أبلغُ في تعظيمه عند الملائكة .
والثالث : أن التعجيل أبلغ في القدرة ، والتثبيت أبلغ في الحكمة ، فأراد إظهار حكمته في ذلك ، كما يظهر قدرته في قوله : { كن فيكون } .
والرابع : انه علّم عباده التثبُّت ، فاذا تثبت من لا يزلُّ ، كان ذو الزَّلل أول بالتثبُّت .
والخامس : أن ذلك الإمهال في خلق شيء بعد شيء ، أبعد من أن يُظن أن ذلك وقع بالطبع أو بالاتفاق .