بيوت "حمص" القديمة.. بيوت بالأبيض والأسود.
إذا كنت من عشاق الشرق فإنك تفضل أن تستيقظ باكراً لتتمشى في حارات مدينتك العتيقة، حارات لطالما تميزت بها "سورية" كواحدة من أجمل بلدان الشرق تجتذب السياح، والمستثمرين من جميع أنحاء العالم.
وفي شوارع "حمص" ما يميزها عن غيرها ولا سيما البيوت الشعبية القديمة وفن عمارتها، ولكي تعرف أنك في "حمص" القديمة وليس في "دمشق" أو "حلب" انظر جيداً وتمعن في صورتها.
تسمى عمارة "حمص" بـ "الأبلقية" التي يعود لسنة /1500/ م ويعني أن منازلها بنيت باستعمال الحجارة السوداء مع حجارة بيضاء لتصبح لوحة شطرنج قائمة، هذا ما وضّحه "نسيب عريضة" بشعره المشهور "حمص يا أم الحجارة السود" ويأتي ذلك كونها أقيمت على أرض بركانية.
بعكس فن "العمارة" الحالي في المدن "العربية" عامة و"السورية" خاصّة فإن الطراز القديم كان بمثابة هوية للعرب و"المسلمين" عن غيرهم من الشعوب لا سيما في تخطيط البيوت، وأكبر مثال على ذلك الطراز المعماري في "الأندلس" مدينة "سيفيلا الإسبانية" حالياً ففيها يظهر التباين الواضح بين أحياء يسكنها "العرب" وأخرى لغير "العرب"، لنعرف ذلك بالتفصيل، التقى eHoms يوم (20/10/2008) بالدكتور "عبد المسيح عشي"
"العمارة" في جامعة "البعث" الذي قال لنا: «لم تكن المخططات العامة للمدن "العربية" عشوائية وإنما كانت على أعلى مستويات التنظيم العمراني والتوزيع الوظيفي لمختلف عناصرها وفعالياتها، فقد اعتمدت على قاعدة التضاد العضوي والبيئي بين الخارج بشمسه المحرقة والداخل بظلاله وبرودته وحدائقه ومياهه، واهتمت بدراسة الفراغات المعمارية بدقة وعناية وأضافت إليها الزخارف والتزيينات، وتلاءمت مع عوامل البيئة والمناخ وطبيعة المواد الأولية والوظيفة التي نشأت من أجلها، ومع فلسفة الإنسان "العربي" وحياته الاجتماعية والثقافية واشتملت على عدّة تكوينات رئيسية: (الإيوانات، الملاقف، المشربيات، الأروقة والمداخل المتكسرة، القاعات، السلسبيل، البحرة».
بيت الآغا تحول إلى مطعم وعن أهم ما اتسمت به أضاف: «وجود الفناء الداخلي الذي كان منغلقاً على الخارج متوجهاً إلى الداخل، وذلك من أهم المبادىء التي نادى بها "الإسلام" للحفاظ على خصوصية الأسرة وحرماتها، إعطاء الطريق حقه، واحترام "الجار" مع تأمين الإنارة والتهوية والمنظر الجميل».
هذا بالنسبة للبيوت "العربية" فما الذي يميز البيت "الحمصي"
يتابع الدكتور "عشي": «احتوى على معظم عناصر العمارة "العربية"، والاختلاف أتى في بعض الجزئيات نتيجة الوضع الاقتصادي أو الثقافة يأتي "الإيوان العلوي"، الذي يوجد في الطابق العلوي أهم المميزات، ويستخدم كغرفة معيشة "شتوية" يتجه إلى الجنوب لتأمين وصول أشعة "الشمس" إليه وتدفئته، أما "الإيوان" السفلي فيقع إلى الجنوب من "الفناء" ويتجه نحو الشمال ليستخدم كغرفة معيشة "صيفية" لأنها مكان مظلل طوال اليوم، ويواجه "الإيوان" "البحرة" الموجودة في الفناء، مع وجود أكثر من "إيوان" سفلي استخدمت بحسب موقعها من حركة "الشمس" واتجاه الريح كمكان للجلوس فيها حسب رغبة السكان».
بيت أبو مطانيوس الأخرس تحول إلى مطعم
ما زالت "حمص" تحتفظ بعدد كبير من البيوت القديمة منها ما تحوّل إلى متاحف للتقاليد "الشعبية" و"الإسلامية"، أو إلى مطاعم تكتظ بكثير من محبي "التراث والأصالة" من "حمص" وغيرها وأحد هذه المطاعم "الدار" الذي يقع في حي "الورشة" ومع المدير السيد "نجيب بيطار" تحدثنا عن المكان تاريخه وحاضره: «البيت يعود
بملكه
لعائلة "الأخرس" وعمره حوالي (270) عام، تمّ تحويله لمطعم منذ حوالي (9) أشهر، مع محافظتنا على سمات المنزل الأساسية لاسيما إبقاء "السلسبيل" على مكانه، بيت "المونة"، "الأيوان"، "اليوك"، ولا يخلو الأمر من زخرفته قليلاً والتجديد في الفوانيس والقناديل عما كانت آنذاك، كل هذه التقاليد هي التي تدفع الناس على كل فئاتهم، وبالأخص الكبار بالسن للمجيء والاستمتاع بالجو الحميمي التراثي، والوجبات "الشرقية" القادمة من سياق الجو».
ومن روّاد المكان السيدة "هالة عبود" التي تربت وترعرعت في بيت من بيوت "حمص" القديمة تعطي رأيها فتقول: «بيت عائلتي من أجمل البيوت "العربية" ومن يتربى في مكان واسع، جميل، وحميمي أصيل، يصعب عليه الابتعاد عنه، ربما لما فيه من أجواء مريحة تعيد الشخص إلى أيام زمان تمتع فيها السكان بـ "البحرة" و"النافورة"، البرودة في الصيف، الدفء في "الشتاء"، وباعتقادي أن للبيوت "الشرقية" سحراً لا يستطيع المرء الإفلات منه».