لقد بين الرسم الدماغي للأطفال أثناء مشاهدتهم التلفزيون، بأنه في حالة قريبة جداً من نظم ألفا (تواتر نظم ألفا Alfa Rhythem) وقوته (10- 13) هرتز Hertz، ويكون هذا التواتر في الدماغ الساكن، حيث الانتباه في حدوده الدنيا، والعملية الإدراكية في حالة سبات، وينقطع الإحساس بالعالم الخارجي. وهذه الحالة تشبه إلى حد بعيد حالة التشبع المغناطيسي، حيث تبدأ بتثبيت الانتباه نحو بؤرة الإثارة (التلفزيون)، ومرور الإلكترونات والأضواء الساقطة (غير المعكوسة)، مع لمعان الشاشة، وفي ظل جو من السمع والهدوء، تؤدي إلى التشبع المغناطيسي. وتتوقف هذه الحالة مع بداية الانتباه الواعي والنشاط الإدراكي (تواتر نظم بيتا Beta Rhythem).
فهل الأضواء الباهرة والإشعاعات المنبعثة من التلفزيون، وفي ظل سكون الطفل وارتخائه، تدفعان الدماغ- بعد تشويشه وخداعه- إلى اتخاذ وضعية النوم، وما يتبعها من إفرازات هرمونية تنشط أثناء النوم.
إن هذا الاستنتاج- بالرغم من عدم إثباته تجريبياً- يظل أكثر منطقية، خصوصاً وأن الباحثين اكتشفوا- مثلا- أن هرمون النمو الذي ينشط بفعالية أثناء النوم، يزداد إفرازه لدى الأطفال الذين يشاهدون التلفزيون بشكل مكثف، وبالتالي، يصلون مرحلة البلوغ المبكر أكثر من الأطفال الأقل مشاهدة للتلفزيون. وعندما حُرِم هؤلاء الأطفال من مشاهدة التلفزيون لمدة أسبوع واحد فقط، شهدوا زيادة في مستويات هرمون الميلاتونين الذي يمنع البلوغ المبكر بحوالي 30 %. وهذا ما يجعلنا نزعم أن عملية تشويش الدماغ وخداعه أثناء مشاهدة التلفزيون، تدفعه لاتخاذ وضعية قريبة جدا من النوم وما يتبعها من إفراز هرمونات تنشط أثناء النوم، منها على سبيل المثال هرمون الأندروفين المسئول عن إضعاف الإحساس بالألم وتثبيطه. ومما يدعم هذا الاستنتاج، ما لاحظه الباحثون من أن تعرض الطفل للأضواء بما فيها ضوء الشمس، يساعده على النوم، إذ لوحظ إفراز هرمون السيروتونين، وهو هرمون مسئول عن تنظيم عمليات النوم، وفي الوقت نفسه يعمل كمهدئ.
هل يجعلنا التلفزيون بلهاء؟
الفرضية الثانية التي استندت إلى مشاهدتنا للطفلة (ف)، تتمثل في انخفاض مستوى أدائها التحصيلي عقب المشاهدة للتلفزيون (خصوصا برامج الصور المتحركة)، بشكل ملموس أكثر مقارنة بمستوى تحصيلها الدراسي قبل المشاهدة.
فهل هناك ارتباط بين المشاهدة التلفزيونية ومستوى التحصيل الدراسي؟
للتحقق من صحة هذه الفرضية، أجرينا اختباراً ذا شقين (عام 2006) على مجموعة من الأطفال بلغت ثمانية عشر طفلا، تراوحت أعمارهم ما بين (6- 7) سنوات، ومن كلا الجنسين.
الشق الأول اختبار الأشكال الهندسية، حيث بلغ صدق الثبات (75 %)، والشق الثاني اختبار العمليات الحسابية، حيث بلغ صدق الثبات (90 %). وكانت نتيجة الاختبار بشقيه في ظل ظروف ضابطة (اللامشاهدة) كما يلي: اختبار الأشكال الهندسية، وصلت نسبة الإنجاز والتحقق إلى 89 % لدى (16) ستة عشر طفلا. اختبار العمليات الهندسية، وصلت نسبة الإنجاز والتحقق إلى 83 % لدى (15) خمسة عشر طفلا.