مكونات تراثية في تركيبات تشكيلية جميلة قراءة للوحات توفيق مرتموح بقلم لحسن ملواني ـ كاتب وتشكيلي مغربي.
يتخذ توفيق مرتموح التراث منبعا لجل أعماله الفنية ، فهو يحاول تشكيل مكونات لوحاته انطلاقا من انتقائه الفنيللعناصر من الزاوية الفنية التي يرى عبرها المعطى الفني المنتظر منها ، فهو بذلك يفضل نقل عناصر أعماله من المتخيل أو من الواقع ، وإعادة تركيبها بالصيغة التي تموقعها بشكل فني .
ويحضر التراث في لوحاته كأشياء مخضرمة الانتماء ، أو عبر شخصيات تمثل عوالم شبه منقرضة إلا من الذاكرة.
واستلهام التراث كمادة للوحات التشكيلية ولغيرها من الأعمال الفنية والأدبية حاضر في أعمال الكثير من المبدعين في العالم ، وكأن العمل الإبداعي يحاول القبض على أشياء لا ينبغي تركها للنسيان . وكأن اللوحة تحاول لا تجديد التراث وإنما تجديد النظرة إلى جمالية عناصر ومكونات من مكونات هذا التراث.
وباعتبار الإبداع فردي الطابع ، فإن المبدع ينظر إلى الأشياء نظرة خاصة تجسدها ببصمته الفريدة ، ولعل ذلك ما نجده بصدد لوحات توفيق ، فهو يجيد توطيد العلاقة وإحكام الوضعيات الإخراجية لمفردات لوحاته المتنوعة الموضوعات والمتشابهة نسبيا من حيث الطابع الفني إذ المتأمل لمعظم أعماله يجد نسقية مضطردة في جلها ، فنجد مثلا قطعة من الفسيفساء المغربي في زاوية من زوايا لوحاته … وإبداعية توفيق تتجلى في مستويين ، مستوى القدرة الفنية على النقل ، ومستوى القدرة على التركيب الإبداعي لمفردات ما ينجزه من أعمال.
إن المؤشرات الخارجية للوحاته تنصب في معظمها على معطيات محيطه ، أعمال تجمع بين معطيات مادية في جدلية مع استدعاء المركون والثاوي في الذاكرة .
إن استلهام التراث في اللوحة يكشف بصيغ متعددة عن الحس الجمالي الذي يتميز به الإنسان في كل العصور ، فهو يحاول عرض العناصر بالشكل الجاذب للمتفرج على الأعمال وبالشكل الذي يجعله ينخرط في عوالمها المتسقة بريشة ونظرة المبدع.
وتوفيق وأمثاله من بعض المبدعين والمبدعات يتجاوز بأعماله اجترار عناصر التراث التي ينتقيها المحاكاة المباشرة وتحاشى عملية التكرار التي نعتبرها القاتلة للإبداع.فيقدم لك فانوسا معروفا من قبل جيل السبعينات وماقبلها ، ونقودا وكتاب قراءة منسي عبر إخراج وتركيب فني جميل يوحي بالاعتزاز بمعطيات الماضي ، كما يوحي بالذوق الجمالي التركيبي للفنان …ويقدم لك في لوحة أخرى طفلا يستحم بوسائل بسيطة فيشعرك بالبدائل الممكنة في حالة الفقر وانعدام التجهيزات المتطورة …وفي لوحة يواجه المشاهد إبريق شاي محاط بكؤوس متنوعة الألوان على صينية ذهبية اللون ، وذلك ضمن فضاء إبداعي جميل من تركيب وتصميم الفنان …وفي لوحات تجد المرأة بزيها التقليدي الذي لا يقل جمالية مما هو حديث…
بهذه الصيغة يلج الفنان توفيق عالم التراث مستلهما يراه أهلا بالتجسيد عبر أعماله المتنوعة الموضوعات ، هذه الأخيرة التي يحاول من خلالها الإشارة إلى ضرورة الاعتزاز بالتراث وكل ما هو أصيل في ثقافتنا ، إنه يخوض تجربته من أجل إعادة الإلفات إلى الجمالية التي أفرزتها نظرة الإنسان المغربي إلى العالم متشبثا بعراقة حضارته وأصالتها.
وبعيدا عن امتياح الفنان توفيق من التراث ، فإنه يخوض في كثير من المواضيع والتيمات التي تناسب أسلوبه التعبيري ، والتي تثير مخيلته ومشاعره ، وقد نعود إلى لوحاته كي نرصد لأهم موضوعاته الأخرى بعيدا عن استلهامه للتراث والذي ركزنا عليه في هذا المقال.