أحد الأفلام التي كان يتوقع لها حضور طاغً في 2013 هو فيلم "إنقاذ السيد بانكس-Saving Mr. Banks". فالفيلم هو إنتاج استرالي بريطاني أمريكي، ويمثل فيه الممثل الشهير توم هانكس دور "والت ديزني" الذي يمثل لأول مرة على الشاشة. إضافة إلى أن الفيلم يحكي قصة عمل فيلم شهير من كلاسيكيات أفلام ديزني وتقوم بدور البطولة فيه إيما تومسون. والحقيقة أن الفيلم كان محبطاً بعض الشيء، مقارنة بأفلام هذا العام من حيث المستوى الفني ومن حيث الأداء، فتوم هانكس نفسه قدم دوراً أجمل من دوره هذا في فيلم "كابتن فيليبس". لكن يظل أداء إيما تومسون التي لم نرها في عمل آخر لهذه السنة عاملاً أساسياً في الاستمتاع بهذا الفيلم الظريف.
يتناول الفيلم خلفية صناعة فيلم "ماري بوبينز" Mary Poppins الذي أنتج عام 1964م وهو من بطولة جولي أندروز وديك فان دايك. وهو فيلم موسيقي يحكي قصة خيالية وقد تم استخدام التحريك في بعض مشاهده. وقد رشح لثلاث عشرة جائزة أوسكار وهو رقم غير مسبوق لأي فيلم من أفلام ديزني وحصد خمساً منها. وهو مستمد من قصص الكاتبة بي إل ترافرس (أو باميلا ترافرس) التي تحمل نفس العنوان. تحضر، في الفيلم، مربية خيالية تدعى ماري بوبينز لتعيد الحياة والسعادة لعائلة تعيسة ولأب صارم لا يعترف بالمرح ويكرس حياته لعمله في أحد البنوك.
وفي فيلم "إنقاذ السيد بانكس" نرى شخصيات من حياة الكاتبة وبعض تفاصيل حياتها الخاصة وقد انعكست على قصصها، ومن ثم على الفيلم.
ينتقل الفيلم بين زمنين: الزمن الذي تواجه فيه باميلا ترافرس خيار الإفلاس حيث تعيش في بريطانيا، أو بيع قصص ماري بوبينز لوالت ديزني ليصنع منها فيلماً سينمائياً، وزمن طفولتها في استراليا وعلاقتها بأبيها (كولين فاريل). في الطفولة نرى طفلة جميلة لها علاقة خاصة مع أبيها لكن الأب الذي يعمل في بنك يواجه مشاكل كثيرة بسبب إدمانه على الكحول. يبدو الأب وكأنه طفل كبير يلعب مع ابنته ويربي فيها الخيال وبأنها تستطيع أن تكون ما تريد أن تكونه لكنه يبدو غير قادر على تحمل مسؤولية العائلة. نشاهد السيدة ترافرس وهي ذاهبة إلى نيويورك على مضض، فهي لا تحب أبداً أسلوب والت ديزني وترى أنها رسومات سخيفة، وتبدو متعالية ونزقة جداً ومتطلبة بشكل غير عادي. فمنذ لقائها بالسائق رالف المخصص لمرافقتها (بول جياماتي) إلى أن تذهب إلى الفندق ثم إلى مقر شركة والت ديزني وهو تتأفف. تلتقي هناك بفريق العمل: كاتب السيناريو دون داغرادي (برادلي ويتفورد) والمؤلفين الموسيقيين الأخوين ريتشارد وروبرت شيرمان (قام بدورهما جيسون شوارتسمان وبي جي نوفاك).
يحاول فريق العمل أن يقنعها بأن العمل سيكون جميلاً وممتعاً ويبدو الجميع مستمتعاً بالعمل عداها. ويظهر الفرق واضحاً بين أسلوب والت "كما يحب الكل أن يناديه" وشخصيته وأسلوب الكاتبة وشخصيتها. لكن والت ديزني قد وعد ابنتيه اللتين أحبتا قصص ماري بوبينز أن يصنع فيلماً عن هذه الشخصية، ولذلك يظل مصراً على التقرب من الكاتبة وكسب ودها وإنهاء الفيلم كما وعد.
تتكشف تدريجياً شخصية باميلا ترافيرس ليظهر أنها شخصية حزينة جداً تعرضت لصدمات كثيرة أثناء طفولتها ويفاجئ هذا الحزن العاملين معها. في الفيلم يبدو التشابه واضحاً بين شخصية باميلا ترافرس وشخصية السيد بانكس في ماري بوبينز. ويبدو أن ماري بوبينز مؤثرة في الشخصيتين في الفيلمين وهذا ربما أهم ما يميز الفيلم. فهناك تقاطع بين الفيلمين في الشخصيات وبعض الأجواء وهو أمر يحسب لكاتبتي السيناريو كيلي مارسيل وسو سميث. فقد نجحتا في الكشف عن العالم الداخلي للسيدة ترافرس في طفولتها وكتابتها للعمل وأثره على شخصيتها فيما بعد وظهور فيلم ماري بوبينز بالشكل الذي ظهر عليه.
وبالرغم من تعقيد شخصية الكاتبة باميلا ترافرس فقد أدت إيما تومسون الدور بجدارة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الممثلة الأولى المقترحة لهذا الدور كانت ميريل ستريب ولكن انتهى الدور إلى إيما تومسون وقد أدته باقتدار لكنها خسرت ترشيح الأوسكار لأفضل ممثلة رئيسية رغم توقعات كثيرين بوجودها لتحل محلها ميريل ستريب مرة أخرى عن دورها في فيلم "أغسطس: مقاطعة أوساج".
رغم أن الفيلم نال عدة ترشيحات وكان من ضمن قائمة معهد الأفلام الأمريكية لأفضل 10 أفلام لهذا العام، وترشحه ل5 جوائز بافتا (الأكاديمية البريطانية لفنون الفيلم والتلفزيون)، لكنه لم ينل سوى ترشح واحد لأوسكار أفضل موسيقى أصلية. ويمكننا القول بأن "إنقاذ السيد بانكس" هو من ضمن الأفلام الجيدة لهذا العام فهو يجمع بين المتعة والظرافة وأجواء ديزني الطفولية.
لقطة من الفيلم