فلسطيني يصنع ألعابا تعليمية بتدوير النفايات.
بين يديه قوارير زجاجية وعبوات بلاستيكية القاها المارة على الطريق، وعلى الطاولة امامه تجد قطع خشبية بالية وعلب سجائر، وفي جلسة فراغ ابداعية يبتكر ايمن عبد ربه من بلدة قوصين قضاء نابلس، العابا تربوية للأطفال تحاكي البيئة بطريقة ودودة وصديقة، وبمتعة وسعادة يقبل عليها الاطفال وطلبة المدارس.
بعد قضائه ما يقارب أربعة عشر عاما في كنف سجون الاحتلال، يخرج عبد ربه من الأسر بفكرة استلهما من خبرته وساعاته الطويلة التي قضاها هناك، ليبتكر فكرة الالعاب البيئة التربوية للأطفال، والتي يهدف من خلالها لتقوية وتطوير علاقة الطفل بالبيئة، لتغدو علاقة احترام وتقدير، حيث يصنع عبد ربه هذه الالعاب من مخلفات البيئة، ومن مواد مختلفة بلاستيكية، ومعدنية، وخشبية متوافرة بالطرق وفي ارجاء المنازل.
بداية مشواره الابداعي
خمسة واربعون لعبة ابداعية تربوية انتجها عبد ربه في غضون اربع سنوات، فبداية هذا المشوار الملهم كانت عام 2010، حين كان ذاهبا لالقاء توعية بيئة في المدارس، حيث يعمل عبد ربه في سلطة جودة المياه،حينها بدأ الموظف يحاضر بالطلبة بطريقة تلقينية اعتادها الطلبة في حصصهم المدرسية - كما يذكر عبد ربه، بحيث اجتاح شعور الملل عقول وقلوب الطلبة بعد مرور فترة زمنية، ومن هنا شعر عبد ربه بضرورة وجود فكرة وطريقة افضل من هذا الاسلوب التلقيني الملل.
ففور عودته لمكتبه، بدأ عبد ربه بالتفكير بكيفية جعل العملية التربوية والتعليمية ممتعة وسلسة، ويشير الى ان موهبته هي التي اسعفته في هذا المجال، تلك الموهبة التي اكتسبها عبراعوامه الطويلة التي امضاها في سجون الاحتلال.
ويذكر عبد ربه احداثا عاشها في سجنه منها تمخضت فكرة الالعاب البيئة التربوية، حيث يقول:" كنا عندما تدخل علبة كرتونية الى السجن نتهافت للحصول عليها، رغبة في تحويل الاسير الذي يحصل على تلك العلبة الكرتونية الى برواز جميل، يرسله الى اهله.
ويضيف: "حتى علب السجائر والقصدير كل ذلك كنا تستغله بطريقة ذكية، فبعد خروجي من السجن توظفت في سلطة البيئة، و بدأت حينها اجمع مخلفات البيئة من الشارع واحولها الى العاب بيئة تفيد المعلم والطالب على حد سواء.
وحول الوقت المستغرق في انتاج الألعاب، يشير عبد ربه الى ان الامر يعتمد على توافر المواد والخامات اللازمة لانتاج الالعاب، منوها ان هناك لعب تستغرق منه ما يزيد عن ثلاثة أيام لتغدو جاهزة ولتخرج للنور، مؤكدا أنه عمله في انتاج هذه الاعمال هو تطوعي، فهو يهدف من خلال انتاج مثل هذه الوسائل والالعاب الى توعية طلبة المدارس حول اهمية العناية بالبيئة.
وبدأت الفكرة تكبر
بعد مرور فترة زمنية على عمله في انتاج هذه الوسائل التربوية-البيئة، وحب الاطفال لهذه الفكرة، قرر عبد ربه توسيع الفكرة لتشمل الفئات العمرية كافة ، وبحيث يستفيد منها المعلم والطالب معا، فالمعلم لا بد من تدريبه على كيفية الاستفادة من مخلفات البيئة في انتاج العاب بيئية يتهافت الطلبة عليها، ويكبر بالطالب حب البيئة وضرورة الحرص على بلادنا جميلة ونظيفة.
وفي سياق الحديث يذكر عبد ربه انشائه صفحة الكترونية على الفيس بوك خاصة به، بعنوان" بيئتنا أمانة في اعناقنا"، لينشر عليها ابرز ما صنعه، وما تم عرضه في المدارس، والمعارض، والنوادي الصيفية، مشيرا الى انه يخطط لعقد عدد من الدورات في مطلع العام الجديد في كل من جنين وبيت فوريك، تستهدف المعلمين بالدرجة الاولى.
مضيفا انه قام مؤخر بصناعة ازهار جميلية من علب البلاستك، بدل اتلافها، مستهدفا بذلك الاطفال وطلبة المدارس وربات البيوت، لتعليمهم كيفية التعامل مع المخلفات البيئة بشكل نافع، وليساندوا البلدية في التقليل من الجهد والمال المبذول للتخلص من مثل هذه النفايات والتي ينتجها الفلسطيني بكثرة.
حيث يعمل عبد ربه على انتاج هذه الالعاب بمفرده، منوها انه قد يلجأ أحيانا الى طلب المساعدة من نجار او حداد قريب، الى جانب مساعدة سلطة جودة البيئة له بتوفير المواد التي يحتاجها ومجمّلات الوسيلة، وكذلك مؤسسة الرؤية العالمية ، التي ساعدته في نشر الفكرة من خلال عقد دورات ، ولقاءات في المدارس، والمخيمات الصيفية والنوادي، وعمل معارض مختلفة.
تحديات وافكار
يستمر الابداع، ويكبر طموح عبد ربه ليمتد من مدينة نابلس الى المناطق المجاورة، حيث استطاعت العابه المميزة أن تزور مدارس ومعارض عدة في كل طولكرم، و طوباس، وسلفيت، وقلقيلة، والخليل، و بيت لحم، ورام الله وغيرها من المناطق الفلسطينة التي كم سعدت بأفكار عبد ربه الذكية.
يواجه عبد ربه صعوبات وعقبات عدة تعيق توسيعه للفكرة، لتشمل كل محافظات الوطنن فيقول :"لقد بعثت رسائل لعدد من الجهات والمؤسسات التي عملت معي، والتي لقيت منتجاتي استحسانها، اذ لا بد لكل فكرة من تصميم وارادة ودعم،فهناك عائقين امام توسيعي للفكرة وهما الحاجة الى توفير وسيلة نقل لهذا المشروع لينتشر بشكل اكبر، وكذلك مخزن، ارضي لأضع فيه المواد ولأتمكن من الصناعة فيه
حصل معي ما شجعني على الاستمرار في هذا العمل، فقد كان من بين الحاضرين في احد المعارض التي شاركت بها، سيدة جاءت للاطلاع على أعمالي وأحضرت أولادها بصحبتها ، فوجئت أنها في نهاية المعرض تقدمت صوبي شاكرة لي على اسعاد اولادها، فهذا هو النجاح بالنسبة لي يكون برسم السعادة على وجوه الاطفال.
فالرسالة التي اوجهها لكل مواطن ولكل ربة اسرة أن تحافظ على البيئة، قدر الامكان بتقليل الاستهلاك وترشيده، ومحاولة معالجة وتدوير المخلفات المنزلية المضرة بالبيئة والصحة، قبل التفكير بالتخلص منها، وشراء ما يلزمنا فقط، فكل بيت ينتج قوارير بلاستكية فبدلا من القائها سيكون من الجيد استخدامها كقوارير للزراعة مثلا، مشيرا الى ان هناك ترتيب لاقامة معرض في الجامعة الامريكية في جنين.
ما اجمل أن يكون المواطن غيورا على بيئته، ووفيا لها، فاذا كان باستطاعة عبد ربه صناعة وسائل تعليمية في غاية الروعة من مخلفات البيئة، فابمكان كل مواطن مكنا ان يفعل ذلك، لتغدو فلسطين اجمل ببيئتها واهلها المحافظين عليها.