تاريخ التسجيل : 28/04/2015 العمر : 30 البلد /المدينة : السعودية
موضوع: تطبيق الأخلاق المحمدية والأوصاف القرآنية 8/31/2015, 05:25
لو وزنت أفعالك وأحوالك بأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كانت أفعالاً عادية وليست في نظرك عبادية، كالتأسي به في طريقة الكلام، ومعاملة الأنام والحركة والسير والمشى خالياً أو في الزحام، فكلُّ أفعاله كانت مطابقة للكتاب لأن خلقه كان هو القرآن، وكل أقواله كانت من مشكاة وحى الله فقد كان لا ينطق عن الهوى كما أخبر مولاه، وكما قال لأصحابه أنه لا ينطق في رضا أو غضب إلا بما يرضي الله.
فأنت بمتابعتك له تثاب على ذلك وتؤجر على ذلك، ويصير العمل الذى هو في نظرك عملٌ عاديٌ عبادةً لله جلّ في عُلاه تستحق عليها أعلى أنواع الأجر وأفضل أنواع الثواب وأرفع مقامات التكريم عند حضرة الكريم الوهاب لأنك تشبهت بحضرة النبي الأواب وسرت على هدى السنة والكتاب.
أما لو سار الإنسان في حياته وفي دنياه على ما تأمره به نفسه وهواه ولم يُوفق للتأسى في كل ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت أعماله وبالاً عليه يوم يلقى الله، ولا يجد لها حسنة ولا أجراً ولاخيراً ولا برَّاً، بل وأسوأ من ذلك أنه بحاله يصبح مدعاة للتنفير من دين الله ونشر الأمراض القلبية التى تنفر الناس منه ومن نهج حَبيب الله، فأساس الأجور عند الله أن يكون العمل مطابقاً لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه بذلك ينصلح المجتمع ويتقدم ويرقى بفضل إقامة دين الله والتخلق بأخلاق حَبيبه ومُصطفاه.
وقد مشى على هذا المنهاج أصحابه الكرام فأعزّهم الله على جميع أعداء الله وأغناهم الله وجعلهم وجهاء في الدنيا وسادة وعظماء في الآخرة مع حَبيب الله ومُصطفاه، ولذلك قال سيدنا عمر رضي الله عنه: {إنَّا كُنَّا أَذَلَّ قَوْمٍ فَأَعَزَّنَا اللَّهُ بالإسْلاَمِ، فَمَهْمَا نَطْلُبُ الْعِزَّ بِغَيْرِ مَا أَعَزَّنَا اللَّه بِهِ أَذَلَّنَا اللَّهُ}{1}
فنحن جماعة المؤمنين أجمعين وأتباع سيد الأولين والآخرين نحتاج إلى ثورة داخلية قلبية وصحوة إيمانية ليس في المساجد فقط ولكن في الشوارع والمعامل والمصانع والمدارس والجامعات، ثورة حقيقية لنرجع إلى القيم التى أرساها رسول الله صلى الله عليه وسلم ونرجع إلى الأخلاق التى كان عليها ونرجع إلى الأحوال التي أمرنا أن نتجمّل بها، فإذا قمنا بذلك مجتمعين وجمعنا قلوبنا على ذلك فإن الله لن يخيّب رجاءنا، بل سيُصلح جميع أحوالنا.
لقد وقف النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم أمام الكعبة المعظمّة وخاطبها قائلاً: {مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ. مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ. مَالِهِ وَدَمِهِ، وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلاَّ خَيْراً}{2} وقال أيضاً: {كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ . دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ}{3}
حرّم علينا الإسلام أن نعتدي بالقول أو بالفعل باللسان أو باليد أو بالسلاح أو بالتشنيع والتجريح على كل من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله،.من سبَّ واحداً من المسلمين العاديين، ما وصفه وما نعته؟ يقول فيه حضرة النبى صلى الله عليه وسلم : {سِبابُ المُسْلمِ فُسوقٌ وَقِتالُه كُفْر}{4} أى أن من سبَّ مسلماً صار فاسقاً والعياذ بالله، أما من يقتله فهوكفر.
أمَّا من يشنّع على مسلمٍ وهو يعلم أنه غير ذلك، وإنما يشنِّع عليه قاصداً أن يهدمه أمام المجتمع وأن يُخزيه أمام إخوانه المؤمنين، يقول فيه صلى الله عليه وسلم: {مَنْ قالَ في مُؤْمِنٍ ما لَيْسَ فِيهِ أسْكَنَهُ الله رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قالَ}{5} لأنه لا ينبغي لمسلم أن يُشنِّع على مسلم ولا يعتدي على مسلم وإنما المؤمنون أجمعون شرقاً وغرباً نساءاً ورجالاً شيوخاً وأطفالاً، قال الله لنا فيهم أجمعين: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} الحجرات10
كلهم أخوة بينهم التآلف، بينهم التواد، بينهم التحاب، بينهم الشفقة والعطف والرحمة، بينهم اللين، بينهم كل الأخلاق الكريمة التى كان عليها سيد الأولين والآخرين، ويجمعهم قول الله في كتابه المبين: {رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} الفتح29 رحمة سابغة في المعاملة، وفي الحديث، وفي البيع والشراء، وفي الأجر في المستشفيات، وفي الأجر في المدارس التى بالمصروفات، رحماء بينهم، والشدة على مَن؟ {أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ} الفتح29
لكن وجدنا في هذه الأيام الشدة يعاني منها المؤمنون ويُروّع منها المسلمون ويُخاف منها الآمنون المُطمئنون، وإذا سكتنا ولم نتحرّك سيأتي علينا الدور أجمعين، من منا لم يعاني في طريقٍ سار فيه فوجد الطريق مقطوعاً واستمّر ساعات حتى وصل؟ من منا لم يركب المواصلات فوجد فيها الغاصبين والخطرين يريدون أن يعتدوا على الآمنين؟ والكل يأخذ نفسه جانباً ويقول: (وأنا مالي) إذا قلنا جميعاً ذلك حاق بنا أجمعين مانراه الآن.
يا أمة خير الأنام، يا أمة بلدٍ مدحه الحَبيب عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، يامن قال فيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا فتح الله عليكم مصر بعدي فاتخذوا فيها جنداً كثيفاً فذلك الجند خير أجناد الأرض}{6} بلدكم يُدَمَّر والإقتصاد يُدَمَّر والأمن يُدَمَّر والمنشآت تُدَمَّر كيف نعيش في بلدٍ يُدَمَّر ونحن نتفرّج، وكلٌ يقول ما شأني ماذا أصنع وماذا أفعل؟ ليس هذا حال المسلمين وليس هذا حال المؤمنين وإنما المسلمين والمؤمنين يتكاتفون، قال صلى الله عليه وسلم: {المؤمنُ للمؤمنِ كالبُنيانِ يشُدُّ بعضُهُ بعضاً، وشَبَّكَ بينَ أصابعِه}{7}
لا بد أن نتكاتف لإزاحة هؤلاء المنافقين وليكن ما يكن، لا بد أن نهبَّ جميعاً لتطبيق الأخلاق المحمدية والأوصاف القرآنية التى أمرنا الله أن نكون عليها في حياتنا الدنيوية، ويكفينا في هذا المقام لو تخلقنا بخلقٍ واحد كان عليه الحَبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام حتى قبل بعثته وقبل تكليفه برسالته، لقد كان صلى الله عليه وسلم يُدعى بين قومه قبل أن ينزل عليه وحى السماء ، وقبل أن يجتبيه الله للرسالة وقبل أن يتنزَّل عليه القرآن، كان يُدْعى بينهم الصادق الأمين، والأمة كلها وصفها الله في القرآن، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} التوبة119
{1} عَنْ طَارِقٍ، رواه الحاكم، وقال : صحيح على شرطهما {2} سنن ابن ماجه، عن عبد الله بن عمرو {3} عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، صحيح مسلم ، والحديث بتمامه للفائدة {لاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ يَبِـعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ. وَكُونُوا، عِبَادَ اللّهِ إِخْوَاناً. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ. لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ، وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى ههُنَا، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ: بِحَسْبِ امْرِىءٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِم. كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ . دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ} {4} صحيح البخاري ومسلم ، عن عبدالله {5} سنن أبي داوود عن بن عمر، وردغة الخبال هى عصارة أهل النار أعاذنا الله تعالى منها ومما يقرب لها {6} عمرو بن العاص عن عمر فى كشف الخفاء، ووردت في المقاصد الحسنة للسخاوي {7} عن أبي موسى صحيح البخاري