ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا ( 25 ) وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا ( 26 ) إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا ( 27 ) وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا ( 28 ) ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ( 29 ) إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ( 30 ) ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا ( 31 ) ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا ( 32 ) ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا ( 33 ) .
قوله : ربكم أعلم بما في نفوسكم أي بما في ضمائركم من الإخلاص وعدمه في كل الطاعات ، ومن التوبة من الذنب الذي فرط منكم أو الإصرار عليه ، ويندرج تحت هذا العموم ما في النفس من البر والعقوق اندراجا أوليا ، وقيل : إن الآية خاصة بما يجب للأبوين من البر ، ويحرم على الأولاد من العقوق ، والأول أولى اعتبارا بعموم اللفظ ، فلا تخصصه دلالة السياق ولا تقيده إن تكونوا صالحين قاصدين الصلاح ، والتوبة من الذنب والإخلاص للطاعة ؛ فلا يضركم ما وقع من الذنب الذي تبتم عنه فإنه كان للأوابين غفورا ue]ص: 819 ] أي الرجاعين عن الذنوب إلى التوبة ، وعن عدم الإخلاص إلى محض الإخلاص غفورا لما فرط منهم من قول أو فعل أو اعتقاد ، فمن تاب تاب الله عليه ، ومن رجع إلى الله رجع الله إليه .
ثم ذكر سبحانه التوصية بغير الوالدين من الأقارب بعد التوصية بهما فقال : وآت ذا القربى حقه والخطاب إما لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - تهييجا وإلهابا لغيره من الأمة ، أو لكل من هو صالح لذلك من المكلفين كما في قوله : وقضى ربك والمراد بذي القربى ذو القرابة ، وحقهم هو صلة الرحم التي أمر الله بها ، وكرر التوصية فيها ، والخلاف بين أهل العلم في وجوب النفقة للقرابة ، أو لبعضهم كالوالدين على الأولاد ، والأولاد على الوالدين معروف .
والذي ينبغي الاعتماد عليه وجوب صلتهم بما تبلغ إليه القدرة وحسبما يقتضيه الحال والمسكين معطوف على ذا القربى ، وفي هذا العطف دليل على أن المراد بالحق الحق المالي وابن السبيل معطوف على المسكين ، والمعنى : وآت من اتصف بالمسكنة ، أو بكونه من أبناء السبيل حقه .
وقد تقدم بيان حقيقة المسكين وابن السبيل في البقرة ، وفي التوبة .
والمراد في هذه الآية التصدق عليهما بما بلغت إليه القدرة من صدقة النفل ، أو مما فرضه الله لهما من صدقة الفرض ، فإنهما من الأصناف الثمانية التي هي مصرف الزكاة .
ثم لما أمر سبحانه بما أمر به هاهنا نهى عن التبذير فقال : ولا تبذر تبذيرا التبذير تفريق المال كما يفرق البذر كيفما كان من غير تعمد لمواقعه ، وهو الإسراف المذموم لمجاوزته للحد المستحسن شرعا في الإنفاق ، أو هو الإنفاق في غير الحق ، وإن كان يسيرا .
قال الشافعي : التبذير إنفاق المال في غير حقه ، ولا تبذير في عمل الخير .
قال القرطبي بعد حكايته لقول الشافعي هذا : وهذا قول الجمهور .