من قصة النمور في اليوم العاشر لزكريا تامرزكريا تامر أديب سوري وصحفي وكاتب قصص قصيرة، ولد بدمشق عام 1931، واضطر إلى ترك الدراسة عام 1944. بدأ حياته حدادا في معمل انطلق من حي "البحصة" في دمشق. يكتب القصة القصيرة والخاطرة الهجائية الساخرة منذ عام 1958، والقصة الموجهة إلى الأطفال منذ عام 1968. يقيم في بريطانيا منذ عام 1981.
سبق له أن عمل في وزارة الثقافة ووزارة الإعلام في سوريا، ورئيساً لتحرير مجلة "الموقف الأدبي"، ومجلة "أسامة"، ومجلة "المعرفة". كما ساهم في تأسيس اتحاد الكتاب في سوريا أواخر عام 1969 وكان رئيسا للجنة سيناريوهات افلام القطاع الخاص في مؤسسة السينما في سوريا.
شارك في مؤتمرات وندوات عقدت في بقاع شتى من العالم. وكان رئيسا للجنة التحكيم في المسابقة القصصية التي اجرتها جريدة تشرين السورية عام 1981، والمسابقة التي اجرتها جامعة اللاذقية عام 1979، وكان عضوا بلجنة المسابقة القصصية بمجلة التضامن بلندن. ترجمت كتبه القصصية إلى الإنكليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والبلغارية والروسية والألمانية. (less)رحلت الغابات بعيداً عن النمر السجين في قفص ، ولكنه لم يستطع نسيانها، وحدق غاضباً إلى رجال يتحلقون حول قفصه وأعينهم تتأمله بفضول ودونما خوف، وكان أحدهم يتكلم بصوت هادئ ذي نبرة آمرة: "إذا أردتم حقاً أن تتعلموا مهنتي، مهنة الترويض، عليكم ألا تنسوا في أي لحظة أن معدة خصمكم هدفكم الأول، وسترون أنها مهنة صعبة وسهلة في آن واحد. انظروا الآن إلى هذا النمر. إنه نمر شرس متعجرف، شديد الفخر بحريته وقوته وبطشه، ولكنه سيتغير، ويصبح وديعاً ولطيفا ومطيعا كطفل صغير، فراقبوا ما سيجري بين من يملك الطعام وبين لا يملكه، وتعلموا".
فبادر الرجال إلى القول أنهم سيكونون التلاميذ المخلصين لمهنة الترويض، فابتسم المروض مبتهجاً، ثم خاطب النمر متسائلاً بلهجة ساخرة: " كيف حال ضيفنا العزيز؟".
قال النمر:"احضر لي ما آكله فقد حان وقت طعامي".
فقال المروض بدهشة مصطنعة: "أتأمرني وأنت سجيني؟ يا لك من نمر مضحك! عليك أن تدرك أني الوحيد الذي يحق له هنا اصدار الأوامر".
قال النمر: لا أحد يأمر النمور".
قال المروض: "ولكنك الآن لست نمراً. أنت في الغابات نمر، أما وقد صرت في القفص فأنت الآن مجرد عبد تمتثل للأوامر وتفعل ما أشاء".
قال النمر بنزق: "لن أكون عبداً لأحد".
قال المروض: "انت مرغم على إطاعتي لأني أنا الذي أملك الطعام".
قال النمر: "لا أريد طعامك".
قال المروض: "إذن جع كما تشاء، فلن أرغمك على فعل ما لا ترغب فيه".
وأضاف مخاطباً تلاميذه: "سترون كيف سيتبدل فالرأس المرفوع لا يشبع معدة جائعة".
وجاع النمر، وتذكر بأسى أيام كان ينطلق كريح دون قيود مطارداً فرائسه..
وفي اليوم الثاني، أحاط المروض وتلاميذه بقفص النمر، وقال المروض: "ألست جائعاً؟ أنت بالتأكيد جائع جوعاً يعذب ويؤلم. قل انك جائع فتحصل على ما تبغي من اللحم".
ظل النمر ساكتاً، فقال المروض له: "افعل ما أقول ولا تكن أحمق. اعترف بأنك جائع فتشبع فورا".
قال النمر: "أنا جائع".
فضحك المروض وقال لتلاميذه: "ها هو ذا قد سقط في فخ لن ينجو منه".
وأصدر أوامراه، فظفر النمر بلحم كثير.
وفي اليوم الثالث، قال المروض للنمر: "إذا أردت اليوم أن تنال طعاماً، نفذ ما سأطلب منك".
قال النمر: "لن أطيعك".
قال المروض: "لا تكن متسرعاً فطلبي بسيط جدا. أنت الآن تحوص في قفصك، وحين أقول لك : قف، فعليك أن تقف".
قال النمر لنفسه: "انه فعلا طلب تافه ولا يستحق أن أكون عنيداً وأجوع".
وصاح المروض بلهجة قاسية آمرة: "قف".
فتجمد النمر تواً، وقال المروض بصوت مرح : "أحسنت".
فسر النمر ، وأكل بنهم بينما كان المروض يقول لتلاميذه "سيصبح بعد أيام نمرا من ورق".
وفي اليوم الرابع، قال النمر للمروض: "أنا جائع فاطلب مني أن أقف".
فقال المروض لتلاميذه: "ها هو قد بدا يحب أوامري"
ثم تابع موجها كلامه إلى النمر: "لن تأكل اليوم إلا إذا قلدت مواء القطط".
فكظم النمر غيظه، وقال لنفسه: "سأتسلى إذا قلدت مواء القطط".
وقلد مواء القطط فعبس المروض، وقال باستنكار: "تقليدك فاشل. هل تعد الزمجرة مواء".
فقلد النمر ثانية مواء القطط، وكلن المروض ظل متجهم الوجه، وقال بازدراؤ: "اسكت اسكت. تقليدك ما زال فاشلا، سأتركك اليوم تتدرب على مواء القطط، وغدا سأمتحنك . فإذا نجحت أكلت ، أما إذا لم تنجح فلن تأكل".
وابتعد المروض عن قفص النمر وهو يمشي بخطى متباطئة وتبعه تلاميذه وهم يتهامسون متضاحكين. ونادى النمر الغابات بضراعة، ولكنها كانت نائية.
وفي اليوم الخامس، قال المروض للنمر: "هيا، إذا قلدت مواء القطط بنجاح نلت قطعة كبيرة من اللحم الطازج".
قلد النمر مواء القطط، فصفق المروض، وقال بغبطة: "عظيم أنت.. تموء كقط في شباط".
ورمى إليه بقطعة كبيرة من اللحم.
وفي اليوم السادس، ما ان اقترب المروض من النمر حتى سارع النمر إلى تقليد مواء القطط. ولكن المروض ظل واجما مقطب الجبين، فقال النمر "ها أنا قد قلدت مواء القطط".
قال المروض: "قلد نهيق الحمار".
قال النمر باستياء: "أنا النمر الذي تخشاه حيوانات الغابات، أقلد الحمار؟ سأموت ولن أنفذ طلبك".
فابتعد المروض عن قفص النمر دون أن يتفوه بكلمة.
وفي اليوم السابع، أقبل المروض نحو قفص النمر باسم الوجه وديعاً، وقال للنمر: "ألا تريد أن تأكل؟"
قال النمر: "أريد أن آكل".
قال المروض: "اللحم الذي تأكله له ثمن، انهق كالحمار تحصل على الطعام".
فحاول النمر أن يتذكر الغابات، فأخفق، واندفع ينهق مغمض العينين، فقال المروض: "نهيقك ليس ناجحاً، ولكنني سأعطيك قطعة من اللحم اشفاقاً عليك".
وفي اليوم الثامن، قال المروض للنمر: "سألقي مطلع خطبة، وحين سأنتهي صفق اعجاباً".
قال النمر: "سأصفق".
فابتدأ المروض القاء خطبته، فقال: "أيها المواطنون.. سبق لنا في مناسبات عديدة أن أوضحنا موقفنا من كل القضايا المصيرية، وهذا الموقف الحازم الصريح لن يتبدل مهما تآمرت القوى المعادية، وبالايمان سننتصر".
قال النمر: "لم أفهم ما قلت".
قال المروض: "عليك أن تعجب بكل ما أقول وأن تصفق اعجاباً به".
قال النمر: "سامحني. أنا جاهل أمي، وكلامك رائع وسأصفق كما تبغي".
وصفق النمر، فقال المروض: "أنا لا أحب النفاق والمنافقين، ستحرم اليوم من الطعام عقاباً لك".
وفي اليوم التاسع، جاء المروض حاملاً حزمة من الحشاش وألقى بها للنمر وقال: "كل".
قال النمر: "ما هذا؟ أنا من آكلي اللحوم".
قال المروض: "منذ اليوم لن تأكل سوى الحشائش".
ولما اشتد جوع النمر، حاول أن يأكل الحشائش، فصدمه طعمها، وابتعد عنها مشمئزاً، ولكنه عاد إليها ثانية، وابتدأ يستسيغ طعمها رويدا رويدا.
وفي اليوم العاشر، اختفى المروض وتلاميذه والنمر والقفص، فصار النمر مواطناً، والقفص مدينة.
اليوم العاشر: مؤشر زمني يشير إلى المدة التي قضاها النمر في القفص تحت الترويض
الفهم:
1- الدوافع والأسباب التي أدت بالنمر إلى حالة الغضب هي ابتعاده عن الغابة وحبسه في القفص وتحلق الناس حوله.
2- تجويع النمر من أجل جعله ممتثلا للأوامر
3- العبارات الدالة على إباء النمر: لا أحد يأمر النمور – لن أكون عبدا لأحد – لا أريد طعامك
4- تجويع النمر جعله يسقط في فخ المروض
5- امتثال النمر لأوامر المروض حيث جعله يقلد أصوات بعض الحيوان
6- بعض المؤشرات الدالة على درجات التحقير والإذلال التي تعرض إليها النمر من طرف المروض:
- اليوم الرابع: طلب منه المروض تقليد مواء القطط
- اليوم السادس: تقليد نهيق الحمار - إرغامه على أكل الحشائش
7- مظاهر ودلالات للتحول في اليوم العاشر:
في اليوم العاشر يطلعنا الكاتب على ما آلت غليه الأحداث فالنمر في الحقيقة ليس سوى مواطن مقهور يتعرض للتجويع والحرمان من أجل سلب عناصر قوته، وتتحول المدينة إلى غابة ويتسلط فيها القوي على الضعيف.
التحليل:
1- الأطراف المتحاورة في النص هي النمر والمروض
2- محاولة إخضاع النمر للأوامر وذلك عن طريق تجويعه
3- العناصر المشاركة في الحوار:
- المروض: شخصية مستبدة وقوية تتحكم في مصير النمر
- النمر: شخصية حرم من حريته وامتثل لأوامر المروض بسبب تجويعه
4- الشكل الحواري:
أ- اتخذ شكل الحوار في النص شكل استجواب حيث كشف هذا الحوار عن علاقة الصراع بين النمر والمروض.
ب- أمثلة الحوار المباشر: *المروض: "ألست جائعا ؟ إفعل ما أقول" *النمر: "أنا جائع..."
ج- أمثلة الحوار الداخلي: *قال لنفسه: سأتسلى إذا قلدت مواء القطط"
5- الحوار الذي دار بين التلاميذ والمروض هو حوار غير مباشر على لسان السارد يهدف إلى تفسير وجهة نظر
التركيب:
إعتمد الكاتب في هذا النص على أسلوبين من الحوار: الحوار المباشر الخارجي والحوار الذاتي الداخلي، فالحوار الخارجي هو الذي جمع بين الإنسان أي المروض والحيوان وهو النمر، أما الحوار الداخلي فهو الذي انطلق من داخل النمر عبر لحظات مختلفة (تأزم نفسي؛ صراع داخلي..)، نلاحظ أيضا أن لهجة المروض أخذت منحى التهكم والإستهزاء، بينما لهجة النمر أخذت منحى المرونة والإنقياد، خاصة في الفترات الأخيرة من تواجده في القفص، ويتضح لنا أيضا أن الأسلوب المهيمن في هذا النص هو أسلوب الأمر وذلك واضح من خلال كلام المروض.