الظبي والعقد والخنزير ...
للشاعر أحمد شوقي
*** في الحكاية الشعريّة : " الظّبيُ والعقدُ والخنزير " صوّر الشاعرُ " أحمد شوقي " هذا الصّراع المأساوي بين :
المُتحقّق ... المُمْكِن
والمأمول... المُرْتَجى
صوّر الصراع الإنساني بين الواقع والمُرْتَجى ، وصوّر مأساة البدد الإنساني في انتظار ما لا يأتي ...
وقد استطاع الشاعر أنْ يطرح هذه الإشكالية الإنسانية الكبرى باقتدارٍ فنيٍ في هذه الحكاية الشعرية المُندرجة تحت أدب الأطفال ...! بينما أراها جديرة بأنْ تندرج تحت شعر الحكمة وتهذيب النفس الإنسانية ، فهناك الكثيرُ منّا نحنُ الـ... كبار يحتاجها ربّما أكثر من الأطفال الذين قد تعصمهم من هذه الظّلمات براءتُهم وعفويَّتهم وأفراحهم اللا محدودة بكلِ مايثيرُ البهجة ولو كان محدودا ...
** بطلُ هذه الحكاية الشعريّة: غزالٌ ( ظبيٌ ) ، وخنزيرٌ ، وعقدٌ من اللؤلؤ ... كان الظبيُ جميلا بديع الرّقبة رائع الطّلعة بهيّا ، كان الجمالُ هو الرزق المقسوم له في الكون ، وكان محلّ إعجاب الجميع ومديحهم ، ولكنّه لم يرض بهذا الرّزق ، ولم يكتف به ... طلب المزيد ... وهفت روحه إلى عقدٍ من اللؤلؤ يزيّن رقبته البديعة الجميلة ، عقدٍ من اللؤلؤ يبرزُ جمال هذا الجيدَ النّاصع العاجيّ ... يقول الشاعر :
ظبي رأى صورته في الماء
فرفع الرأس إلى السماء
وقال يا خالق هذا الجيد
زنه بعقد اللؤلؤ النضيد
فسمع الماء يقول مفصحا
طلبت يا ذا الظبي ما لن تمنحا
إن الذي أعطاء هذا الجيدا
لم يبق في الحسن له مزيدا
لو أن حسنه على النحور
لم يخرج الدر من البحور
فافتتن الظبي بذي المقال
وزاده شوقاً إلى اللآلي
ولم ينله فمه السقيم
فعاش دهراً في الفلا يهيم
حتى تقضى العمر في الهيام
وهجر طيب النوم والطعام
فسار نحو الماء ذات مره
يشكو إليه نفعه وضره
وبينما الجاران في الكلام
أقبل راعي الدير في الظلام
يتبعه حيث مشى خنزير
في جيده قلادة تنير
فاندفع الظبي لذاك يبكي
وقال من بعد انجلاء الشك
ما آفة السعي سوى الضلال
ما آفة العمر سوى الآمال
لولا قضاء الملك القدير
لما سعى العقد إلى الخنزير
فالتفت الماء إلى الغزال
وقال: حال الشيخ شر حال
لا عجب؛ إن السنين موقظه
حفظت عمراً لو حفظت موعظه