شاعر وقصيدة - حكم المنية أبو الحسن التهاميالشاعر هو : التهامي \" أبو الحسن علي بن محمد \" (416) الشاعر المشهور,كان مشتهر الإحسان ذرب اللسان مخلي بينه وبين ضروب البيان يدل شعره على فوز القدح دلالة برد النسيم على الصبح قال ناشر ديوانه: أن أبا الحسن قدم إلى مصر مستخفيا ومعه كتب كبيرة من حسان بن مفرج ابن دغفل البدوي وهو متوجه إلى بني قرة وهي بلدة في صعيد مصر بالقرب من أسيوط.فقال أنا من بني تميم.
فلما انكشفت حاله عرف أنه التهامي الشاعر.اعتقل في خزانة البنود وهو سجن بالقاهرة.وذلك سنة 416 ثم قتل سرا في سجنه في تاسع جمادي الأولى من السنة المذكورة ديوان (أبي الحسن التهامي) - إسكندرية 1893 ص 144 وطبعت المرثية التي قالها في رثاه ولده وأولها حكم المنية في البرية جار ما هذه الدنيا بدار قرار طبعت في كتاب بلوغ الأرب بشرح قصيدة من كلام العرب . انظر \" وفيات الأعيان \" 3 / 381.
* الأنساب 3 / 224، الوافي بالوفيات 2 / 181، طبقات السبكي 4 / 114، 115، شذرات الذهب 3 / 203.
وأما القصيدة: فهي قصيدة حكم المنية في البرية جار, وتعد من أروع قصائده والتي يقول فيها :
حكم المنية في البرية جارِ ***** ما هذه الدنيا بدار قرارِ
بينا يرى الإنسان فيها مخبرا ***** حتى يُرى خبراً من الأخبار
طُبعتْ على كدر وأنت تريدها ***** صفواً من الأقذار والأكدار
ومُكلّفُ الأيام ضد طباعها ***** مُتطلبٌ في الماء جذوة نار
وإذا رجوت المستحيل فإنما ***** تبني الرجاء على شفيرٍ هار
فالعيش نوم والمنية يقظة ***** والمرء بينهما خيالٌ سار
فاقضوا مآربكم عجالا إنما ***** أعماركم سفرٌ من الأسفار
وتراكضوا خيل الشباب وبادروا ***** أنْ تُسترد فإنهن عوار
فالدهر يخدع بالمنى ويغص أن ***** هنّا ويهدم ما بنى يبوار
ليس الزمان وإن حرصت مسالما ***** خُلُقُ الزمان عداوة الأحرار
إني وُترتُ بصارم ذي رونق ***** أعددته لطِلابة الأوتار
والنفس إن رضيت بذلك أوأبت ***** منقادة بأزمّةِ المقدار
أثني عليه بأثره ولو انه ***** لم يغتبط أثنيت بالآثار
يا كوكبا ما كان أقصر عمره ***** وكذاك عمر كواكب الأسحار
وهلال أيام مضى لم يستدر ***** بدراً ولم يمهل لوقت سرار
عجل الخسوف عليه قبل أوانه ***** فمحاه قبل مظنة الإبدار
واستُل من أترابه ولِداته ***** كالمقلة استلت من الأشفار
فكأن قلبي قبره وكأنه ***** في طيِّهِ سِرٌّ من الأسرار
إن يعتبط صِغَراً فرب مُقَمّم ***** يبدو ضئيل الشخص للنظار
إن الكواكب في علو محلها ***** لَتُرى صغاراً وهي غير صغار
وَلدُ المعزَّى بعضُه فإذا مضى ***** بعض الفتى فالكل في الآثار
أبكيه ثم أقول معتذرا له ***** وُفّقْتَ حين تركتَ ألأمَ دار
جاورتُ أعدائي وجاور ربه ***** شتان بين جواره وجواري
أشكو بعادك لي وأنت بموضع ***** لولا الردى لسمعتَ فيه مزاري
والشرق نحو الغرب أقرب شقة ***** من بعد تلك الخمسة الأشبار
هيهات قد علقتك أسباب الردى ***** واغتال عمرك قاطع الأعمار
ولقد جريتَ كما جريتُ لغاية ***** فبلغتَها وأبوك في المضمار
فإذا نطقتُ فأنت أول منطقي ***** وإذا سكتُ فأنت في أضماري
أُخفي من البرحاء نارا مثل ما ***** يخفي من النار الزناد الواري
وأُخفّضُ الزفرات وهي صواعق ***** وأكفكف العبرات وهي جوار
وشهاب نار الحزن إن طاوعته ***** أورى وإن عاصيته متواري
وأكفُّ نيرانَ الأسى ولربما ***** غلب التبصر فارتمت بشرار
ثوب الرياء يَشِفُّ عما تحته ***** وإذا التحفت به فإنك عار
قصرت جفوني أم تباعد بينها ***** أم صُوّرتْ عيني بلا أشفار
جَفَتِ الكرى حتى كأن غِرَاره ***** عند اغتماض العين وخزُ غِرار
ولو استزارت رقدةً لَطحا بها ***** ما بين أجفاني من التيار
أُحيي الليالي التُّمِّ وهي تُميتني ***** ويُميتهن تبلّجُ الأسحار
حتى رأيت الصبح تهتِك كفُّه ***** بالضوء رفرف خيمة كالقار
والصبح قد غمر النجوم كأنه ***** سيل طغى فطفا على النّوار
لو كنتَ تُمنعُ خاض دونك فتيةٌ ***** منا بحارَ عوامل وشِفار
ودَحَوا فُويقَ الأرض أرضاً من دم ***** ثم انثنوا فبنوا سماء غبار
قومٌ إذا لبسوا الدروع حسبتها ***** خلجا تَمُدُّ بها أكُفَّ بحار
لو شرّعوا أيمانهم في طولها ***** طعنوا بها عِوضَ القنا الخطّار
جنبوا الجياد إلى المطى وراوحوا ***** بين السُّروج هناك والأكوار
وكأنما ملؤوا عياب دروعهم ***** وغمود أنصلهم سراب قفار
وكأنما صَنِعُ السوابغ عَزّه ***** ماءُ الحديد فصاغ ماء قرار
زَرَداً فأحكم كل موصِل حلقةٍ ***** بحبابة في موضع المسمار
فتسربلوا بمتون ماء جامد ***** وتقنعوا بحباب ماء جار
أُسْدٌ ولكن يؤثرون بزادهم ***** والأسد ليس تدين بالإيثار
يتزين النادي بحسن وجوههم ***** كتزين الهالات بالأقمار
يتعطفون على المجاور فيهم ***** بالمنفسات تعطف الآظار
من كل من جعل الظُبى أنصاره ***** وكَرُمْنَ واستغنى عن الأنصار
وإذا هو اعتقل القناة حسبتها ***** صِلاً تأبطه هزبر ضار
والليث إن ثاورته لم يعتمد ***** إلا على الأنياب والأظفار
زَرَدُ الدلاص من الطعان يريحه ***** في الجحفل المتضايق الجرار
ما بين ثوب بالدماء مُضمّخٍ ***** زَلِقٍ ونقعٍ بالطراد مثار
والهون في ظل الهوينا كامن ***** وجلالة الأخطار في الإخطار
تندى أسِرّةُ وجهه ويمينه ***** في حالة الإعسار والإيسار
ويمدُّ نحو المكرمات أناملاً ***** للرزق في أثنائهن مجار
يحوي المعالي كاسباً أو غالباً ***** أبداً يُدارَى دونها ويُداري
قد لاح في ليل الشباب كواكب ***** إن أُمهلت آلت إلى الإسفار
وتَلَهُّبُ الأحشاء شيَّبَ مفرقي ***** هذا الضياء شواظ تلك النار
شاب القذال وكل غصن صائر ***** فينانُه الأحوى إلى الإزهار
والشبه منجذب فلم بيض الدمى ***** عن بيض مفرقه ذوات نفار
وتود لو جعلت سواد قلوبها ***** وسواد أعينها خضاب عذار
لا تنفر الظبيات عنه فقد رأت ***** كيف اختلاف النبت في الأطوار
شيئان ينقشعان أول وهلة ***** ظل الشباب وخلة الأشرار
لا حبذا الشيب الوفي وحبذا ***** ظل الشباب الخائن الغدار
وطري من الدنيا الشباب وروقه ***** فإذا انقضى فقد انقضت أو طاري
قصرت مسافته وما حسناته ***** عندي ولا آلاؤه بقصار
نزداد همّاً كلما ازددنا غنى ***** والفقر كلُّ الفقر في الأكثار
ما زاد فوقَ الزاد خُلِّفَ ضائعاً ***** في حادث أو وارث أو عار
إني لأرحم حاسديّ لحرّما ***** ضمنت صدورهم من الأوغار
نظروا صنيع الله بي فعيونهم ***** في جنة وقلوبهم في نار
لا ذنب لي قد رُمت كتم فضائلي***** فكأنما بَرقعتُ وجه نهار
وسترتها بتواضعي فتطلّعت ***** أعناقها تعلو على الأستار
ومن الرجال معالمٌ ومجاهل ***** ومن النجوم غوامضٌ ودراري
والناس مشتبهون في إيرادهم ***** وتفاضلُ الأقوام في الإصدار
عمري لقد أوطأتهم طرق العلا ***** فعموا فلم يقفوا على آثاري
لو أبصروا بقلوبهم لاستبصروا ***** وعمى البصائر من عمى الأبصار
هلّا سعوا سعي الكرام فأدركوا ***** أو سلّموا لمواقع الأقدار
وفشت خيانات الثقات وغيرهم ***** حتى اتّهمنا رؤية الأبصار
ولربما اعتضد الحليم بجاهل ***** لا خير في يمنى بغير يسار
د. بدر عبد الحميد هميسه