ثريا الحافظ محررة الوطن والمرأة في سوريا.
أبوها الشهيد وزوجها المجاهد صاغا شخصيتها النضالية، وثبتا أقدامها على درب الجهاد
-- أول امرأة سورية ترشح نفسها للانتخابات العامة، وأول من حملت البندقية والرشاش في المقاومة الشعبية ضد المحتل الفرنسي
-نسيج من الجهاد والوطنية والعروبة، التف حولها وشكل شخصيتها، ورسم ملامح حياتها ونضالها، فهي ابنة شهيد وزوجة مناضل.
-أفنت زهرة شبابها في ميدان العمل الوطني والاجتماعي والفكري، وتعرضت لأقسى أنواع الملاحقات والمداهمات من قبل قوات الاحتلال الفرنسي في سوريا.
-إنها المناضلة والمجاهدة السورية ورائدة العمل النسائي ثريا الحافظ، التي اعتبرها بعض المؤرخين الأدبيين موسوعة أدبية نضالية نسائية روائية ثقافية متنقلة، وكان لأسرتها تأثير كبير في ذلك، فهي ابنة المجاهد الشهيد أمين لطفي الحافظ، الذي لقي ربه شهيدًا أثناء مقاومة الاحتلال الفرنسي.
-ولدت في دمشق سنة 1911م لأسرة مثقفة مناضلة ضد الاستعمار والاستبداد، درست في دمشق، وعملت في إدارة المدارس، تابعت النضال ضد الاستعمار الفرنسي لسوريا أسوة بأبيها.
-فكانت من أبرز النساء اللاتي وقفن للاستعمار وقارعنه بشجاعة نادرة.
-وقد شجعها زوجها المجاهد منير الريس، صاحب "الكتاب الذهبي"، والقلم الجريء على مواصلة درب النضال والكفاح، فقد آزرها، وثبتها، وساعدها على تأسيس عدد من الجمعيات والمنتديات، بهدف توعية النساء السوريات والعربية بواجبهن في هذه المرحلة الفارقة من التاريخ العربي والسوري.
-قادت - مع رفيقاتها: ألفة الأدلبي، وجيهان الموصلي، وسنية الأيوبي المظاهرات للضغط على الحكومة التي أقامها الفرنسيون؛ للإفراج عن زوجها الذي كانت القوات الفرنسية قد اعتقلته بعد أن مارست ضدها حربًا نفسية شديدة، فداهمت منزلها في منتصف الليل، وبحثت عن زوجها تحت الأسِرَّة، فصرخت فيهم: "إن منير رجل شجاع، ولا يختبئ تحت الأسرة، ولو كان هنا لأحسن استقبالكم"، فزاد حنقهم عليها، فاقتادوها معهم بملابس النوم، ولما رأوا شدة بأسها وجرأتها أفرجوا عنها، وسمحوا لها بارتداء ملابسها".
-وعندما عادت لمنزلها وجدت أصدقاء زوجها الذين طيبوا خاطرها، وأخبروها بأن منير يقود الثورة ضد الإنجليز في العراق، وبذلك كانت الأسرة تقارع الفرنسيين والإنجليز معًا.
كوني مثله
كانت ثريا الحافظ معطاءة ومتعاونة على صعيد الحي الذي تسكنه، فكانت تمد يديها بالخير لجيرانها ماديًا ومعنويًا، فلما تعرضت لمحنة اعتقال زوجها وإرهاب ابنها (أسامة)، وقفوا معها، وواسوها، وساعدوها في تدبير أمورها بعد الهجوم على منزلها، ردًا لجميلها وتضحياتها ووطنيتها.
تلك الوطنية التي ظهرت بوادرها مبكرًا منذ طفولتها، فكانت أمها تبدي الخوف عليها من طريق المصاعب - كما وصفته - لكن بعد أن فقدت الأم زوجها شهيدًا تبددت مخاوفها، وصارت تشجعها، وتحيل خوفها قوة وبأسًا، وتقول لها: "اذهبي ولا تخشي شيئًا في نضالك يا ثريا، فأنت لست أحسن من والدك الشهيد، الذي ضحى بحياته في سبيل الوطن، وأنت ابنته فكوني مثله".
وقد تمثلت هذه المقولة، واتخذتها زادًا في مشوار حياتها، فلم تبخل بوقت ولا جهد في توصيل رسالتها النضالية، وفي توعية المرأة السورية والعربية بالتحديات التي تواجهها، وواجبها في التصدي لها، بالتعاون مع زميلاتها الأديبات والمناضلات، باستخدام الأحاديث الإذاعية، والمحاضرات في الأندية، والجمعيات النسائية، والمنتديات الأدبية، مثل "جمعية يقظة المرأة الشامية"، وخريجات دور المعلمات، و"دوحة الأدب"، و"جامعة نساء العرب" القوميات، والرابطة الثقافية النسائية، منتدى سكينة الأدبي، والنادي الأدبي النسائي، أو من خلال الاتصال المباشر بالنساء عن طريق المقاومة الشعبية للمرأة عام 1956م، وتمريض جرحى المظاهرات ضد المستعمر الفرنسي، ومواساة أسر الشهداء، ورعاية أطفالهم ماديًا ومعنويًا:
قامت مع زميلات النضال بتأسيس جمعية رعاية الجندي عام 1956م، وقمن معًا بعدة زيارات للجنود في مواقعهم، وزيارات لمرضاهم، وتقديم المواساة لأسرهم، واستمر دورها النضالي داخل البلاد وخارجها حتى نالت سوريا استقلالها سنة 1947م.
وكانت سباقة في ممارسة حقها المشروع في الانتخابات والترشيح للمناصب القيادية والعامة، وبرغم عدم نجاحها في هذه الخطوة، فإنها قدمت قدوة لبنات جيلها لخوض التجربة؛ دفاعًا عن حقوقهن وحرياتهن.
وهكذا فقد جمعت بين العمل السياسي والعمل العسكري، فكانت تفخر بأنها أول امرأة سورية رشحت نفسها لانتخابات عامة، وأول من حملت بندقية ورشاشًا في المقاومة الشعبية ضد المحتل الفرنسي، وحاولت توظيف كل المنابر الأدبية المتاحة لخدمة قضايا المرأة ونصرتها.
فقد جعلت من جريدة (بردي) - التي أصدرها زوجها - نصيرًا للمرأة وحقوقها، وعندما أقامت صالونها الأدبي (حلقة الزهراء الأدبية) سنة 1946م، جعلته منبرًا للرأي الحر، وجعلت مقره منزل زهراء العابد - زوجة رئيس الجمهورية، ثم أسست منتدى سكينة الأدبي عام 1953م للغرض نفسه، فكان ساحة لتنافس الشعراء والأدباء والمفكرين والفنانين على مستوى الوطن العربي، في مجالات الأدب والفكر الحر، لتنمية الثقافة والذوق الأدبي، وتشجيع هؤلاء الزدباء، وجمع إنتاجهم، ونقل المهم من نتاج الغرب إلى اللغة العربية والعكس، وإلى جانب استضافتها للشعراء، فقد كانت هي نفسها تقول الشعر، ويقال فيها الشعر، فجاء في قصيدة علي الجندي بعنوان (ثريا الشام):
يا ثريا وأنت أخت الثريَّا في سناء وفي سنايا ثريَّا
ما جهلنا تلك الجهود اللواتي قد أحلَّتك في المكان العليَّا
قد ورثت الجهاد عن أب صدق عاش صلب القنا شهمًا أبيَّا
إنتاجها الأدبي
تركت كتابين مهمين:
- "حدث ذات يوم"، سنة 1961م، وتناول ملامح نضال وحوادث أيام الأديبة المناضلة، منذ طفولتها حتى خروجها إلى ميدان العمل العام.
- وقيادة المظاهرات والخطابة في الساحات كنموذج لنضال المرأة السورية ضد الاستعمار الفرنسي وطغيانه.
- "الحافظيات"، تأريخ لسيرة حياة حافلة بالكفاح والإخلاص للأفكار السياسية والاجتماعية وللقيم والمعتقدات التي تبنتها.
وقد أهدته إلى المجاهدات في سبيل تحرير فلسطين، وقدم له الأمير يحيى الشهابي.
قالت عنها المحامية عناية رمزي في عبارة لخصت بها مسيرة حياة ثريا الحافظ وعطاءها: "لقد ولدت الجمهورية الفاضلة في ضمير ثريا الحافظ قبل أن تولد في الدساتير والقوانين".
رحلت عن دنيانا سنة 2000م بعد أن خاضت - وبنات وأبناء جيلها - معارك مشهورة في تحرير الوطن، والذات.