الفرق بين النبي والرسول.
من الوسائل التي أرسل الله تعالى بها رسائله إلينا، والتي عرَّفنا عن طريقها بطريقنا وغايتنا التي خلقنا لأجلها، والتي عرَّفنا من خلالها أيضاً على وجوده وعلى ما يحب وما يكره، وعلى أهداف الحياة كلها، هي وسيلة الرسل والأنبياء، الذين أرسلهم إلينا، فكانوا خير مبلغ وخير حامل لهذه الأمانة العظيمة والحمل الثقيل، فكم لاقوا وتحملوا في سبيل هذه الدعوة وفي سبيل الإيمان بالله تعالى وحده لا شريك له،وفي سبيل نصرة المستضعفين في الأرض وإحقاق الحق للناس وتعريفهم بالباطل كي يتجنبوه في حياتهم، فكانوا منارات أشعّت هدى ورحمة وحب للعالمين. حتى يقتنع الناس بالأنبياء والرسل وكي لا يكون لهم على الله تعالى حجة، فقد جعلهم الله تعالى أفضل البشر من ناحية الصفات، فإذا ما نظرنا إليهم من ناحية الأخلاق وجدناهم أفضل الناس خلقاً، وإذا نظرنا إليهم من ناحية الخِلقة وجدناهم أجمل الناس وجوهاً وأكثرهم تناسقاً في الأجسام، أما من ناحية الوضع الإجتماعي فلهم مكانة مرموقة بين أقوامهم، لا يختلف عليها اثنين ممن كفروا بهم وأنكروا رسالاتهم. أما بالنسبة للفرق بين النبي والرسول فالرسول هو من أرسله الله تعالى إلى قومه وهو مأمور بالتبليغ عن الله تعالى، فالله تعالى يوحي إليه بشرع جديد، تختلف عن التشريعات التي شرّعت قبله، وقد يكون ممن نزلت عليهم كتب سماوية مقدسة، أما النبي فهو إنسان يوحى إليه وهو أقرب إلى أن يكون مصلحاً في قومه غير مأمور بالتبليغ وهو ليس حاملاً لرسالة جديدة أو ليس مبلغاً لكتاب سماوي مقدس كالرسول، إضافة إلى ذلك فهو يقرر شرع من سبقه من الرسل، والقاعدة في هذا الموضوع تقول أن كل رسول نبي ولكن ليس كل نبي رسول.
* الرسول:
لغة: أصل الرسل: الانبعاث على التؤدة ويقال: ناقة رسلة: سهلة السير، وإبل مراسيل: منبعثة انبعاثا سهلا، ومنه: الرسول المنبعث، وتصور منه تارة الرفق، فقيل: على رسلك، إذا أمرته بالرفق، وتارة الانبعاث فاشتق منه الرسول ، و"رسول" أي مرسلا، وهو فعول من الرسالة. ..... والرسول يقال للواحد والجمع، قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} (التوبة/128)، وللجمع: { فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الشعراء/16)،.......وجمع الرسول رسل. ورسل الله تارة يراد بها الملائكة، وتارة يراد بها الأنبياء، فمن الملائكة قوله تعالى: { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } (التكوير/19)، وقوله: { إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ }(هود/81)، وقوله: { وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ} (هود/77)، وقال: {وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى}(العنكبوت/31)، وقال: { وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا } (المرسلات/1)، {
بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} (الزخرف/80)، ومن الأنبياء قوله: { وما محمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ } (آل عمران/144)، {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} (المائدة/67)، وقوله: { وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} (الأنعام/48)، فمحمول على رسله من الملائكة والإنس...( لسان العرب , مفردات الفاظ القرآن , القرطبى)
* معنى النبي والرسول شرعا:
* قال ابن تيمية فى النبوات ج1 ص184...وما بعدها:
فالنبي: هو الذي ينبئه الله وهو ينبئ بما أنبأ الله به فإن أرسل مع ذلك الى من خالف أمر الله ليبلغه رسالة من الله اليه فهو رسول وأما اذا كان انما يعمل بالشريعة قبله ولم يرسل هو الى أحد يبلغه عن الله رسالة فهو نبي وليس برسول قال تعالى:" وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى .........(52) الحج وقوله "من رسول ولا نبي" فذكر ارسالا يعم النوعين وقد خص أحدهما بأنه رسول فان هذا هو الرسول المطلق الذي أمره بتبليغ رسالته الى من خالف الله كنوح وقد ثبت في الصحيح أنه أول رسول بُعث الى أهل الأرض وقد كان قبله أنبياء كشيت وإدريس وقبلهما آدم كان نبيا مكلما قال ابن عباس كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الاسلام فأولئك الانبياء يأتيهم وحي من الله بما يفعلونه ويأمرون به المؤمنين الذين عندهم لكونهم مؤمنين بهم كما يكون أهل الشريعة الواحدة يقبلون ما يبلغه العلماء عن الرسول وكذلك أنبياء بني اسرائيل يأمرون بشريعة التوراة وقد يوحَى الى أحدهم وحي خاص في قصة معينة ولكن كانوا في شرع التوراة كالعالم الذي يفهمه الله في قضية معنى يطابق القرآن كما فهم الله سليمان حكم القضية التي حكم فيها هو وداود فالانبياء ينبئهم الله فيخبرهم بأمره وبنهيه وخبره وهم ينبئون المؤمنين بما أنبأهم الله به من الخبر والامر والنهي فإن أرسلوا الى كفار يدعونهم الى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له ولا بد أن يكذب الرسل قوم قال تعالى:" كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُون ٌ"(52) الذاريات...وقال تعالى:" مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ(43) فصلت...فان الرسل ترسل الى مخالفين فيكذبهم بعضهم وقال تعالى:" وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ(109)حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ(110) يوسف وقال تعالى:" إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ(51) غافر...فقوله "وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي" دليل على أن النبي مرسل ولا يسمى رسولا عند الاطلاق لانه لم يرسل الى قوم بما لا يعرفونه بل كان يأمر المؤمنين بما يعرفونه أنه حق كالعلم ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:" العلماء ورثة الانبياء" .
وليس من شرط الرسول أن يأتي بشريعة جديدة فان يوسف كان رسولا وكان على ملة ابراهيم وداود وسليمان كانا رسولين وكانا على شريعة التوراة قال تعالى عن مؤمن آل فرعون:" وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ(34) غافر... وقال تعالى:" إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا(163)وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا(164) النساء...والإرسال اسم عام يتناول إرسال الملائكة وإرسال الرياح وإرسال الشياطين وإرسال النار قال تعالى:" يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ(35) الرحمن.. وقال تعالى:" الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ......(1) فاطر...فهنا جعل الملائكة كلهم رسلا والملك في اللغة هو حامل الألوكة وهي الرسالة وقد قال في موضع آخر:" اللَّهُ يَصْطَفِي مِنْ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ(75) الحج...فهؤلاء الذين يرسلهم بالوحي كما قال:" وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ(51) الشورى...وقال تعالى:" وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ....(57) الأعراف.... وقال تعالى:" أَلَمْ تَرَى أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا(83) مريم.....
لكن الرسول المضاف الى الله اذا قيل رسول الله فهم من يأتي برسالة الله من الملائكة والبشر كما قال تعالى:" اللَّهُ يَصْطَفِي مِنْ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ(75) الحج....وقالت الملائكة:" يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ....(81) هود...وأما عموم الملائكة والرياح والجن فإن إرسالها لتفعل فعلا لا لتبلغ رسالة قال تعالى:" يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا(9) الأحزاب فرسل الله الذين يبلغون عن الله أمره ونهيه هم رسل الله عند الاطلاق وأما من أرسله الله ليفعل فعلا بمشيئة الله وقدرته فهذا عام يتناول كل الخلق