كانت الانترنت دائما مدفوعة بالرغبة في السرية بقدر الرغبة في الشفافية. وكانت الشبكة اختراعا شاركت في ابتكاره وزارة الدفاع (البنتاغون) وثقافة الضد الاميركية. وكانت لدى الطرفين اسبابهما لبناء بيئات الكترونية خفية أو شبه خفية فضلا عن البيئات المنفتحة. ويقول داني اوبراين الناشط في "مؤسسة الحدود الالكترونية" التي تطالب بحماية الخصوصية على شبكة المعلومات العالمية "ان كتابة الشفرات تطورت بموازاة تطور الانترنت".
لندن: ما زالت هناك جوانب خفية في الانترنت حيث يستمر التحالف الغريب بين متمردين من ذوي الشعور الطويلة ينادون بالحرية لا تقيدها حدود والمؤسسة العسكرية المهجوسة بأساليب "العباءة والخنجر" ، على حد وصف صحيفة "الغارديان" مشيرة الى ان "اونيون روتر" Onion Router أو "تور" Tor وهو مشروع اميركي يديره متطوعون ، يقدم برمجيات مجانية لمن يريدون البقاء مجهولين في اتصالاتهم ومراسلاتهم الالكترونية ، على غرار نسخة أرقى من موقع "فرينت" Freenet. وبحسب موقع "تور" فان من بين مستخدميه "عملاء ميدانيين في الخدمة السرية الاميركية ومسؤولين في اجهزة فرض القانون..." ويتيح موقع "تور" للمسؤولين تحري مواقع وخدمات مريبة دون أن يتركوا اثرا وراءهم ولكنه يضع الامكانية نفسها تحت تصرف ناشطين آخرين ، في منظمات البيئة مثلا حيث يقعون بصورة متزايدة تحت المراقبة في الولايات المتحدة بموجب قوانين يُفترض ان هدفها الحماية ضد الارهاب. باختصار ان موقع "تور" تستخدمه الدولة الاميركية والبعض من ألد خصوم هذه الدولة. وتقول صحيفة "الغارديان" ان الحياة السياسية على الانترنت الخفية يمكن ان تكون اشبه بالمتاهة.
بعض المراقبين لاحظوا نوعية الحياة التي كثيرا ما تكون فوضوية ، خفية على الانترنت منذ عقود. ففي عام 1975 ، بعد ست سنوات فقط على اختراع الانترنت ، كتب مؤلف روايات الخيال العلمي جون برنر يتحدث عن "الكثير من الديدان والديدان المضادة المنفلتة في شبكة المعلومات". وبحلول الثمانينات أُنشئت "ملاذات معلوماتية" على غرار الملاذات الضريبية في منطقة الكاريبي ، بدأت مادية ثم على مواقع الكترونية حيث يمكن اخفاء معلومات حساسة. وفي عام 2000 أوجدت شركة انترنت امريكية جديدة اسمهما "هيفن كو" HavenCo ملاذا معلوماتيا أشد استفزازا بكثير في حصن بحري سابق يعود الى فترة الحرب العالمية الثانية خارج المياه الاقليمية البريطانية قبالة الساحل الشرقي ، كان منذ الستينات مقر امارة مستقلة غريبة تُسمى "سيلاند" Sealand. واعلنت شركة "هيفن كو" انها ستحفظ اي معلومات إلا ما يتعلق بالارهاب أو استغلال الاطفال في مواد خلاعية ، في خوادم مبنية داخل ركائز "سيلاند" المجوفة تحت امواج البحر.
في عام 2007 اعلن موقع "ذي بايرت باي" The Pirate Bay السويدي الناجح لتبادل الملفات نيته في شراء امارة "سيلاند". وبمناسبة الحديث عن هذا الموقع فان تفريغ الموسيقى والافلام مجانا يعد مشروعا آخر من المشاريع المزدهرة على الجانب المظلم من الانترنت. ولكن صفقة شراء الامارة البحرية لم تتم حتى الآن ، وتردد العام الماضي ان شركة "هيفن كو" اوقفت عملياتها والأرجح ان الحاجة الى ملاذات معلوماتية مادية أخذت تتناقص لا سيما وان خدمات مثل "تور" و"فرينت" تؤدي المهمة نفسها الكترونيا ، وبمعنى ما فان الانترنت "المفتوحة" ، كما يشير اليها بقدر من الاستهجان احيانا دعاة الخصوصية ، اصبحت بصورة متزايدة مكانا للتستر والاختفاء حيث يعمد اشخاص الى نشر مواد وكتابة مدونات باسماء مستعارة وآخرون يسوُّرون حياتهم الالكترونية بجدران تحميها من العيون المتطفلة على مواقع الشبكات الاجتماعية.
يقول اوبراين انه كلما زاد ما يفعله الناس من اشياء على الانترنت زادت تلك النتف من حياتك التي لا تريديها ان تكون جزء من شخصيتك المعروفة للجميع على الشبكة. ويشير متحدث باسم شرطة مكافحة الجرائم الالكترونية في بريطانيا الى ان الكثير من اسرار الانترنت تختفي وراء واجهات تبدو بريئة. ويضيف ان جزء كبيرا من النشاط الاجرامي على الانترنت يُمارس على منابر الكترونية ليست مخفية وما عليك إلا ان تعرف كيف تتوصل الى معرفتها. ومن الامثلة على ذلك مواقع المنحرفين الذين يعتدون على الأطفال. فالاشخاص الذين يستخدمونها يمكن ان يتوجهوا الى موقع بريء في الظاهر تظهر عليه صورة زهور ، وتنقر على الزهرة الثامنة عشرة فتصل الى موقع آخر بريء في الظاهر فتنقر شيئا هناك وهكذا دواليك. وتلفت صحيفة "الغارديان" الى ان عصابة المنحرفين الذين دينوا في خريف هذا العام لارتكابهم جرائم امتدت الى استغلال دار حضانة في مدينة بليموث ، تعرفوا على بعضهم البعض من خلال موقع فيسبوك. ولكنها تضيف ان مثل هذه الشبكات الاجرامية ليست نتاج العصر الرقمي حصرا بل ان اللغة المشفرة ورموز اللغة العامية والمصطلحات التي لا يعرفها إلا المتفقون فيما بينهم عليها ، كانت مفاتيح لدخول العالم السفلي قبل ظهور الانترنت بزمن طويل.
بالنسبة للبعض من دعاة الحرية المطلقة فان الانترنت ايا يكن تعريفنا لها تتعرض دائما الى التهديد من الحكومات والجهات التي تسعى الى تقييد استخدامها. ويقولون ان حريات الشبكة يجب ان تصان بكل حزم. ويذهب هؤلاء الى ان خلاعة الاطفال موجودة حقا على موقع "فرينت" مثلا ولكنها موجودة على الشبكة عموما ، وموجودة في البريد.... وفي "فرينت" يمكن ادخال فيروس يدمر اي مواد خليعة تستخدم الأطفال. هذا ممكن تقنيا ولكن من يمسك بيده مفتاح البرمجيات التي تفرز المحتويات المرفوضة سيكون مستهدفا وستنهال عليه بلاغات تذكِّره بحقوق الطبع ، وكل ما هو موضع شبهة على "فرينت" سيعقبه ضغط لغلق الموقع ، على ما يجادل هؤلاء محذرين من ان تعديل نمط عمل "فرينت" يعني نهاية "فرينت".
ولكن الشرطة البريطانية تقول ان النهاية قادمة في كل الأحوال لمستخدمي خدمات مثل "فرينت" في نشاطات اجرامية. وقال المتحدث باسم شرطة مكافحة الجرائم الالكترونية ان هناك طرقا لاختراق الجدران التي تبقي هويات المجرمين مجهولة. واضاف ان شيئا يُسجل دائما في مكان ما لدى استخدام الانترنت والمسالة تتعلق بالتعرف على مَنْ يمتلك هذه المعلومات. واكد ان دعاة الحرية المطلقة لا يقفون عقبة في طريق مثل هذا التحريات لأن موقف المواطنين عموما هو التعاون لملاحقة النشاطات الاجرامية على الشبكة.
رغم كل الفوضى التي تتسم بها الانترنت تكتسب الشبكة طابعا تجاريا متزايدا. ومع اتساع عمليات الشركات التي تقدم الخدمة وتنامي نشاطها بدافع الربح يزداد ادراكها بأن ممارسة قدر من الضبط والرقابة يخدم مصالحها ايضا.
الرئيسية
البوابة
التسجيل
دخول
