ماسح الاحذية
بقلم د . محسن الصفار
في احد المقاهي جلس سعيد الاستاذ الجامعي والاديب كي يشرب فنجان القهوة ويقرأ الجريدة كعادته كل يوم منذ ان احيل على التقاعد واصبح لديه وقت فراغ , في احد الايام اقترب منه صبي صغير يحمل صندوقا لمسح الاحذية يكاد يكون اكبر من جسده الضئيل الذي لاتستره سوى ملابس قليلة وقديمة وسأله ان كان يريد تلميع حذاءه , لم يكن حذاء سعيد بحاجة الى تلميع ولكنه وتعاطفا مع الصبي اجاب بنعم .
اسرع الصبي ووضع الصندوق ثم اخرج منه زوج من النعال ونزع حذاء سعيد بكل عناية والبسه النعال ريثما ينتهي من عمله ثم قام بنزع اربطة الحذاء كي لا تتسخ وبعد ذلك قام بنفض التراب عن الحذاء بكل دقة واعقبها بطبقة من الصباغ ومن ثم وضع الملمع بدقة وهو يضع الحذاء امام عينه في كل مرة كي يتاكد من جودة العمل واخيرا وضع الاربطة مرة ثانية والبس سعيد الحذاء وهو يبتسم .
سر سعيد من دقة الصبي في عمله وتفانيه في جودة عمله رغم بساطته وسأله - كم يجب ان ادفع ؟
رد الصبي بابتسامة - انت اول زبون عندي اليوم وانا معتاد ان لا احدد سعر للزبون الاول بل ارضي باي شي يعطيني اياه واقول الحمد لله .
استغرب سعيد من هذا الرد وقرر ان يختبر الصبي فاعطاه مبلغا زهيدا جدا ليرى ردة فعله فأذا بالصبي يقبل الورقة النقدية ويضعها في جيبه وحمل صندوقه وهم بالرحيل .
اسرع سعيد خلف الصبي قائلا - ياولدي لاتذهب لقد اعطيتك مبلغا اقل بكثير من استحقاقك
رد الصبي بابتسامة - لا فكما قلت لك اول زبون كل يوم يدفع ما يشاء وانت دفعت وانا قبلت
قال سعيد هو يضع يده على كتف الصبي - انما كنت اريد ان امتحنك وان اعلم ان هذا المبلغ ليس منطقيا
وفجأة سحب الصبي كتفه من تحت يد سعيد وابتعد خطوة وقال - انت تتمتحنني ؟ ومن تكون انت كي تتمتحن العباد في ارزاقهم ؟ وهل مالك الذي في جيبك من عندك كي تمتحن به غيرك ؟ انما رزقك ورزقي على الله .
قال هذه الكلمات ومضى شامخا وكأنه امير او قائد لجيش نظر اليه سعيد فلم يرى طفلا بل رجلا بكل معنى الكلمة واحس بأنه هو الطفل الذي بحاجة الى يتعلم درسا في احترام الاخرين .
ركض سعيد الصبي وتوسل اليه ان يقبل باخذ بقية حقه والصبي يرفض حتى توسط صاحب المقهى واخذ الصبي المال ومضى في حال سبيله .
تذكر سعيد قول الشاعر
لا تحقرنَّ صغير الجسم تحسبه بالجســـم يبلغ آفاقاً وأمجادا
لكنها همم تســمو بصاحبها وهمتي ذكرت بي الدهر أحفادا
*مقتبسة بتصرف عن قصة اجنبية