تعوّد الفلسطينيون من حكومة الاحتلال الإسرائيلي على سرقة كل شيء، فقبل ذلك سرقت الأرض، وهي تعمل الآن على شطب الإنسان وتصفية القضية الفلسطينية، حتى أن سرقة الأموال والآثار قد خضعت لحسابات وسياسات تلك الحكومة.
إسرائيل وحتى هذه اللحظة، تعمد إلى إخفاء كل الحقائق التي تربط تواصل الفلسطيني بأرضه، وتشوه بأقاويلها المزيفة حقيقة الواقع، فما تجرأت عليه أمس في جنين من سرقة للآثار والتاريخ الفلسطيني، هو جزء من تلك الخطة التي تقوم بها قوات الاحتلال بهدف طمس معالم الهوية الفلسطينية.
فقد سرقت "دائرة الآثار الإسرائيلية" وبشكل معلن قطعاً أثرية من موقع أثري هام يقع في منطقة بئر حسن في منطقة الجلمة، في محافظة جنين.
وقالت شرطة السياحة والآثار، إن دائرة الآثار الإسرائيلية، نفذت أعمال تنقيب في الموقع الأثري، قبل نقلها القطع إلى داخل "الخط الأخضر".
يشار أن هذه ليست المرة الأولى، التي يقوم فيها الاحتلال الإسرائيلي بسرقة الآثار الفلسطينية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، أشار تقرير خاص، صدر عن المركز الصحافي الدولي بالهيئة العامة للاستعلامات، في الثلاثين من نوفمبر الماضي، أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي سرقت آلاف الدونمات التي تضم العديد من المواقع الأثرية الهامة والضاربة في عمق التاريخ في الضفة الغربية، بحجة وقوعها في مناطق بناء جدار الفصل العنصري.
ومن تلك المواقع الأثرية التي سرقها الاحتلال: خربة شمسين، وهي خربة أثرية تقع بين قريتي قفين وباقة الشرقية، وهي قرية رومانية تمتد على مساحة 60 دونماً وهي غنية بالمعالم الهامة كالجدران، وأنقاض الأبنية، وكذلك أساسات بناء وخزانات آبار منحوتة للمياه ومقاطع صخرية ومقابر، وكانت هذه الخربة تشهد أحياناً حركة سياحية نشطة لكن الجدار التهمها حيث وقعت غرب الجدار.
وخربة أم قصير، وهي خربة رومانية تقع بين قريتي قفين والنزلة الشرقية، وقد تأثرت بإقامة الجدار العنصري وتم اقتطاع جزء منها وتضم أساسات، آبار ومغاور وجدران ومقابر وغيرها، وتمتد معالمها على مساحة 10 دونمات.
والتهم الجدار موقعاً أثرياً يسمى خربة رحال، وهي خربة أثرية رومانية تقع غرب قرية دير الغصون، مر الجدار العنصري من منتصفها فالتهمها جميعها، وتمتد هذه الخربة على مساحة تصل إلى 8 دونمات. وكانت تتواجد في ذلك الموقع بعثة إسرائيلية خاصة أثناء أعمال الحفر لصالح الجدار العنصري، مما يعني النية المبيتة لسرقة الآثار الفلسطينية.
ومن المواقع الهامة التي استولى عليها الاحتلال وضمها للجدار، تل شويكة أو تل الراس، وقد شهد عدداً من الحقب المتعاقبة، مما يعني أنه خصب وغني بالآثار ويعتبر من المواقع الهامة في فلسطين، حيث يعود نشوء الحضارة فيه إلى العصر البرونزي المتأخر والفترة الحديدية والرومانية والبيزنطية، حسب الاستقراءات الفخارية.
وقد كان هذا التل ممراً للقوافل التجارية والعسكرية من شمال فلسطين لجنوبها ويعتقد أن هذا التل شهد معركة قادش التاريخية التي حارب فيها الجيش المصري ممالك الكنعانيين.
ويقع هذا التل بمحاذاة الجدار العنصري، وقد تأثر بعدد من الحفريات التي نفذتها طواقم الآثار الإسرائيلية أثناء شق الجدار مما يشير إلى سرقة الآثار الموجودة فيه.
ومن المواقع المسلوبة أيضاً، خربة زهران، وتقع بين قريتي سفارين وكفر اللبد، شرق طولكرم وتضم كنيسة قديمة وجدران فسيفساء، كما تضم أساسات ومبانٍ وغيرها من المعالم الأثرية الهامة، وهي قريبة مما تسمى "مستوطنة عناب"، الأمر الذي يهدد بإزالتها إلى الأبد أو إلحاقها بالمسروقات الإسرائيلية.
حكومة الاحتلال لم تطل الآثار والمواقع الأثرية فقط، بل امتد ذلك وصولاً بمنع المواطنين الفلسطينيين من ممارسة شعائرهم الدينية.
وكان وكيل وزارة السياحة والآثار عبد الله حجازي، نبه سابقاً للمخاطر الناجمة عن سيطرة قوات الاحتلال على الأماكن السياحية والدينية والأثرية في الأراضي الفلسطينية.
كما اعتبر حجازي أن استمرار سياسة الانتقائية والازدواجية التي تمارسها سلطات الاحتلال في المزارات الدينية والأماكن السياحية على اختلافها، يكشف حقيقة السياسة التي تصر على ممارستها بشكل تعسفي في الأراضي الفلسطينية.
وقال، إن ممارسة العبادات والزيارات لا تتم بشكل انتقائي، حيث يسمح بحرية الحركة للمستوطنين اليهود، بينما يحرم المؤمنون الآخرون من ممارسة عباداتهم في المساجد والكنائس المختلفة في القدس الشريف وبيت لحم وغيرهما من المدن الفلسطينية.
وتابع قائلاً: إن القرارات التي تتخذها سلطات الاحتلال بخصوص المزارات الدينية والأماكن السياحية باطلة، خاصةً وأن سلطات الاحتلال تتحكم في حرية الحركة والمرور في الأراضي الفلسطينية، في الوقت الذي تشدد فيه من حصارها المفروض على المدن والقرى والبلدات والمخيمات الفلسطينية.
يذكر أن سياسة الحكومة الإسرائيلية تعج بالأساليب والممارسات العنصرية والاستفزازية، تجاه كل ما هو فلسطيني، فالحديث لا يدور فقط عن استلاب الأرض، بل يدور عن شطب وقتل الفلسطينيين، وتدمير الهوية والكيانية الفلسطينية، وسرقة كل ما يتعلق بالترابط التاريخي والحضاري للشعب الفلسطيني