عطرة و بعد :
يبدو أن المؤامرة الأمرو صهيونية الجديدة بدأت بالكشف عن خيوطها ابتدءاً
من لعبة المفاوضات و حظر التسليح و تهم الارهاب .. وتفجير الداخل العراقي
و تصفية المقاومة الترهيب من بعض الدول ...ألاعيب جديدة تجربها الادارة
الامريكية الجديدة في اطار سياسة الفوضى الخلاقة - لخلق وقائع جديدة في
المنطقة
التخطيط الأميركي، والضغط الأوروبي، والتراخي العربي، وهشاشة المفاوض الفلسطيني.
هذه هي العوامل الأربعة، التي جعلت من الحكومة اليمينية العنصرية بزعامة
بنيامين نتنياهو، تبدو وكأنها القوة المنتصرة التي تستطيع أن تفرض كل ما
تريد في مهزلة التفاوض الفلسطيني - الإسرائيلي.
لقد أصبحنا الآن على أبواب المفاوضات المباشرة، وهي مفاوضات ستتم بالكامل
حسب الصيغة التي تريدها "إسرائيل". وصيغة "إسرائيل" هي مفاوضات من دون أي
شروط مسبقة. أي مفاوضات يتنازل فيها الطرف الفلسطيني عن كل مطالبه. وهذا
يعني أن المفاوض الفلسطيني أصبح فوراً أمام احتمالين لا ثالث لهما:
الاحتمال الأول الاستسلام الكامل لصيغة "إسرائيل" التفاوضية، وقبول إنشاء
دولة فلسطينية تعيش داخل القبضة الإسرائيلية، وتكون هيكلاً وظيفياً
تابعاً ل"إسرائيل". والاحتمال الثاني: أن تكون المفاوضات مفاوضات عبثية،
يكرر فيها الرئيس محمود عباس المفاوضات العبثية السابقة التي أجراها، ومن
دون أن يكون لديه أي بديل للفشل المنظر.
لقد شنف المفاوض الفلسطيني الأزلي «صائب عريقات» آذاننا، ولزمن طويل،
بسلسلة المطالب الفلسطينية التي لا ذهاب للمفاوضات من دونها، وحين كان
يقال له هذه شروط مسبقة، كان يتفنن بالشرح والقول: هذه ليست شروطاً
مسبقة، بل هي التزامات «خارطة الطريق» التي وضعها الأميركيون أنفسهم.
وكان يبدو وهو يردد ذلك أمام شاشات التلفزيون، أنه مفاوض متصلب، يعرف
مواقع أقدامه. ولكن ها نحن نشهد الآن صائب عريقات نفسه، وهو يتصدر المشهد
التلفزيوني كالعادة، ولكن بعد أن نسي «التزامات خارطة الطريق»، ولم نعد
نجد أي ذكر لها في حديثه.
كما شنف آذاننا الرئيس محمود عباس، بتأكيده على شروط فلسطينية من أجل
الانتقال من المفاوضات غير المباشرة إلى المفاوضات المباشرة، وهي: وقف
الاستيطان كله. ووقف الاستيطان في القدس بشكل خاص. وتحديد مرجعية
للمفاوضات أساسها انسحاب إسرائيلي إلى حدود 1967. ولكن ها نحن نشهد الآن
صمتاً كاملاً من قبله عن أي ذكر لشرط وقف الاستيطان، وعن أي ذكر لموضوع
القدس الذي تطور فيه الاستيطان إلى حد طرد الناس من منازلهم، واعتبار
القدس جزءاً من «دولة إسرائيل» وليس أرضاً محتلة عام 1967، وتطبيق قانون
أملاك الغائبين على أهلها الموجودين خارجها، على غرار ما حدث مع اللاجئين
الفلسطينيين عام 1948. والجديد هنا هو أن الغائب عن القدس هو فلسطيني
يسكن في رام الله مثلاً، أو طالب يدرس في الخارج وانتهى مفعول إذن السفر
الذي يحمله، أو زوجة سافرت لتلتحق بزوجها في مكان آخر، أو مناضل تمنعه
"إسرائيل" من الإقامة في القدس. كل هؤلاء أصبحوا «غائبين» في دولة
"إسرائيل" (الديمقراطية)، وكل هؤلاء أصبحت بيوتهم وأملاكهم خاضعة لقانون
أملاك الغائبين، وهم على بعد أمتار منها.
واللعبة التفاوضية الأخيرة التي يلعبها المفاوض الفلسطيني، هي الإصرار
على بيان يصدر عن اللجنة الرباعية الدولية، يذكر حدود 1967، ويحدد سقفاً
زمنياً للتفاوض. ولكن هذه اللعبة أيضاً بدأت تتمخض عن لا شيء، فبيان
الرباعية لن يكون بصيغة شروط للتفاوض، لسبب واضح جدا، وهو أن الإمبراطور
نتنياهو يرفض ذلك. ولهذا فإن بيان الرباعية سيتحدث عن حدود 1967، وسيذكر
موضوع المدى الزمني للمفاوضات، وسيبشر بالموافقة على إنشاء دولة فلسطينية
(يقتطع منها نتنياهو نصف الضفة الغربية)، ولكن كل ذلك سيكون تعبيراً عن
«رأي» وعن «تطلعات» وعن «نوايا» اللجنة الرباعية، ولكنه لن يكون أبداً
«شروطاً» ملزمة للتفاوض، يخضع لها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي،
وبذلك.. يتحول بيان اللجنة الرباعية إلى لا شيء.
تبدو هذه الصورة مكرورة ومملة، وبخاصة حين نغرق في تفاصيلها، ولكنها تصبح
ذات أهمية خاصة وخطرة، حين نضعها في سياقها الاستراتيجي الذي ترسمه
الولايات المتحدة، والذي تعمل الولايات المتحدة لفرضه على الجميع. وهنا
تظهر أهمية التشدد الذي يمارسه نتنياهو والذي تدعمه واشنطن والعواصم
الأوروبية مجتمعة، على شكل ضغط على الفلسطينيين وعلى العرب. وتبرز في هذا
السياق القضايا الاستراتيجية التالية:
أولاً: السعي الأميركي لأن تبقى "إسرائيل" القوة المهيمنة في المنطقة
سياسياً وعسكرياً واستراتيجياً، وفي هذا المسعى لا يجوز أميركياً أن
تتراجع "إسرائيل" أمام الفلسطينيين، ولا يجوز أن تظهر ضعيفة أمام الضغط
الدولي أو أمام العرب، فلا بد إذن أن تفرض شروطها في التفاوض. ولدعم هذا
الموقف الإسرائيلي توافق واشنطن على أن تبيع ل"إسرائيل" طائرات جديدة،
متطورة جداً، تضعها في موضع استراتيجي مهيمن (بدءاً من عام 2017). وهي
نفسها الطائرات التي ثارت ضجة في واشنطن ضد سعي السعودية لشراء طائرات
مماثلة لها، وبخاصة لأنها طائرات هجومية وليست دفاعية فقط.
ثانياً: تشجيع الإدارة الأميركية لمساعي "إسرائيل" في التقارب الجديد مع
اليونان، تعويضاً للتباعد الذي نشأ بينها وبين تركيا مؤخراً. وهذا
التقارب الإسرائيلي - اليوناني يشمل المناورات العسكرية، وعمل المخابرات،
إذ من المعروف أن "إسرائيل" تحتاج دائماً إلى مجال جوي واسع (خارج حدودها
الجوية) للتدرب على الأنواع المتطورة من الطائرات بعيدة المدى، وقد كان
هذا التدريب يتم في السابق مع تركيا، وهو سيتم بدءاً من الآن مع اليونان.
ثالثاً: قيام الإدارة الأميركية، ومن خلال الرئيس أوباما بالذات بالاتصال
مع القادة الأتراك وتهديدهم، والقول لهم بأن سياسة معاداة "إسرائيل"
والتقارب مع إيران ستؤدي إلى تقليص التسليح الأميركي لتركيا. ومن المعلوم
أن تركيا صوتت ضد قرارات الأمم المتحدة بمعاقبة إيران، لا لأنها تدعم
إيران كقوة نووية عسكرية، بل لأنها كانت وسيطاً أساسياً مع البرازيل في
مسعى ضمان السيطرة الدولية على تخصيب اليورانيوم الإيراني، بحيث لا
يستخدم لأغراض عسكرية، وقد وقفت واشنطن ضد هذا المسعى وعرقلته، وكان
منطقياً أن تحافظ على مواصلة دبلوماسيتها وتصوت ضد قرار العقوبات، ورغم
ذلك فإن واشنطن تهددها.
رابعاً: الانحياز الأميركي المباشر والسريع والفج، إلى جانب "إسرائيل"
بعد اشتباك الحدود الإسرائيلي - اللبناني، ومسارعتها إلى تهديد لبنان
بوقف تسليحه، ثم بروز حملة إسرائيلية مكثفة تقول: إن الجيش اللبناني أصبح
تحت سيطرة حزب الله، لمجرد أنه قاوم عدواناً إسرائيلياً على شجرة جنوبية.
إن هذه الأمور الأربعة تكشف عن رؤية استراتيجية لاستمرار السيطرة
الأميركية على المنطقة العربية وتخومها الإقليمية، وتمثل "إسرائيل"
المكان الأول في فرض هذه الاستراتيجية على المنطقة. وأمام هذا الهدف
الأميركي الكبير، يصبح منطقياً دعم "إسرائيل" في تفاوضها مع الفلسطينيين
لتبقى قوية ومنتصرة. إن تراجع "إسرائيل" هنا يعبر عن علامة ضعف، ولذلك لا
يجب أن يحدث.
لقد كانت هذه هي سياسة المحافظين الجدد، وها هو أوباما يواصل تنفيذها،
مهما قال وأعلن من كلمات طيبة.
منقووول عن أحد مواقع الانترنت