هل في العيون التونسية شاطئ
نزار قباني
هل في العيون التونسية شاطئ
ترتاح فوق رماله الأعصاب ؟
أنا يا صديقة متعب بعروبتي
فهل العروبة لعنة وعقاب ؟
أمشي على ورق الخريطة خائفا
فعلى الخريطة كلنا أغراب
أتكلم الفصحى أمام عشيرتي
وأعيد ... لكن ما هناك جواب
لولا العباءات التي التفوا بها
ما كنت أحسب أنهم أعراب
يتقاتلون على بقايا تمرة
فخناجر مرفوعة وحراب
قبلاتهم عربية ... من ذا رأى
فيما رأى قبلا لها أنياب
يا تونس الخضراء كأسي علقم
أعلى الهزيمة تشرب الأنخاب ؟
وخريطة الوطن الكبير فضيحة
فحواجز ... ومخافر ... وكلاب
والحاكم العربي ....أما نعجة
مذبوحة أو حاكم قصاب
والحاكم العربي يرهن سيفه
فحكاية الشرف الرفيع سراب
والحاكم العربي يخزن نفطه
في خصيتيه ... وربك الوهاب
والناس قبل النفط أو من بعده
مستنزفون ... فسادة ودواب
يا تونس الخضراء كيف خلاصنا ؟
لم يبق من كتب السماء كتاب
ماتت خيول بني أمية كلها
خجلا ... وظل الصرف والإعراب
فكأنما كتب التراث خرافة
كبرى ... فلا عمر ... ولا خطاب
وبيارق ابن العاص تمسح دمعها
وعزيز مصر بالفصام مصاب
من ذا يصدق أن مصر تهودت
فمقام سيدنا الحسين يباب
ما هذه مصر ... فان صلاتها
عبرية ... وأمامها كذاب
ما هذه مصر ... فان سماءها
صغرت ... وان نساءها أسلاب
أن جاء كافور ... فكم من حاكم
قهر الشعوب ... وتاجه قبقاب
بحرية العينين ... يا قرطاجة
شاخ الزمان ... وأنت بعد شباب
هل لي بعرض البحر نصف جزيرة ؟
أم أن حبي التونسي سراب
أنا متعب ... ودفاتري تعبت معي
هل للدفاتر يا ترى أعصاب ؟
حزني بنفسجه يبللها الندى
وضفاف جرحي روضة معشاب
لا تعدليني أن كشفت مواجعي
وجه الحقيقة ما عليه نقاب
إن الجنون وراء نصف قصائدي
أوليس في بعض الجنون صواب ؟!
فتحملي غضبي الجميل فربما
ثارت على أمر السماء هضاب
فإذا صرخت بوجه من أحببتهم
فلكي يعيش الحب والأحباب
وإذا قسوت على العروبة مرة
فلقد تضيق بكحلها الأهداب
فلربما تجد العروبة نفسها
ويضيء في قلب الظلام شهاب
ولقد تطير من العقال حمامة
ومن العباءة تطلع الأعشاب
قرطاجة ...قرطاجة ... قرطاجة
هل لي لصدرك رجعة ومتاب ؟
لا تغضبي مني ... إذا غلب الهوى
إن الهوى في طبعه غلاب
فذنوب شعري كلها مغفورة
والله - جل جلاله – التواب