الأزياء الشعبية... ماضٍ يجدد شبابه على منصات عروض الأزياء
يارا ماهر
قد تكون تصاميمها قديمة، وطرق صناعتها التقليدية لم تعد موجودة، إلا أنها تسجل اليوم حضورا قويا وأصيلا، لا يفقد بريقه وتألقه... هكذا هي الأزياء الشعبية، التي بقدر تراجع انتشارها ما بين الناس بشكلها الأصلي، استطاعت أن تعود لتتصدر النماذج المقدمة على منصات العرض، وفي واجهات أفخر المحلات التجارية في عالم الأزياء، عربيا وعالميا.
وإن كانت الكثير من هذه التصاميم، من مختلف الدول العربية، توصف بأنها ملابس الجدات، لا بل جدات الجدات أحيانا، إلا أنها اليوم تعتبر من أفخر أنواع التصاميم وأغلاها، التي يسعى الكثير من المصممين العرب والأجانب للاقتباس من أسلوبها، لتطعيم أنماط الأزياء اليوم، أو حتى لإعادة إحيائها والإبداع في إنتاجها.
وإن كانت بعض أنواع الأزياء القديمة قد غابت لفترات طويلة، لتغير أنماط تعامل وأسلوب تعبير المجتمع، كما هو الحال مع الكثير من الأزياء الشعبية في سورية، ومصر والعراق، وغيرها من الدول العربية. إلا أن دولا أخرى حافظت وتمسكت بقديم أسلوبها، وإن كان مع بعض التغيير في تصميمها، وعلى رأس قائمة هذه الدول، دول الخليج التي مازالت النساء بشكلٍ خاص يتعاملن مع بعض أنواع الأزياء التي يعود تاريخ ابتكارها إلى مئات السنين ما لم يكن أكثر، ويشارك منطقة الخليج بتمسكها بالأزياء الشعبية، تمسك بعض دول المغرب العربي بأنماط ملابس عُرفت تاريخيا فيها.
والكثير من المهتمين بهذا المجال من مصممين وعارضين وأصحاب أسماء تجارية، يصفون هذه الأزياء المقتبسة من الأنموذج التقليدي القديم لملابس بعض الحضارات، بأنها أزياء تقليدية شعبية، إلا أن هذا لا يجعلها من ضمن هذه الفئة بشكل دقيق، فهي تقع أيضا تحت شروط العصر من صرعات وتقليعات، وأساليب إنتاج وابتكار... فما دخلها من ابتكار وتغير غير ملامحها بشكل كبير، بل بدل أسلوبها والغرض الذي صممت من أجله بهذا الشكل، لتتحول إلى قطع أزياء مواكبة للعصر، تتماشى تقاطيعها مع أساليب منصات العرض العالمية، حتى إن البعض يعلق على التغييرات التي تطرأ على أساسيات هذه الموديلات بأنها تجديد شباب، وتغيير إطلالة، بما يتناسب والموضة.
ومن أكثر أنواع الأزياء الشعبية التي مازالت تحقق حضورا متميزا يشد الجمهور ويدفعه إلى اقتنائه، العباءة الخليجية، سواء أكانت السوداء أو الملونة التي تلبس في المناسبات، والقطفان المغربي الذي يحظى بشعبية كبيرة، حتى في دول غربية، والجلباب الفلسطيني الذي يحمل الكثير من المعاني والرسائل عند ارتدائه، لارتباطه بالمرأة الفلسطينية المناضلة التي تقاوم الاحتلال بتراثها وأصالته.
ولا تقتصر الملابس التقليدية التي تعيش حتى اليوم على الملابس التقليدية العربية، فكثيرة هي التصاميم المقتبسة من فلكلور أزياء شعوب أوروبا وآسيا، التي نتعامل معها من دون أن نربطها في كثير من الأحيان بأصل مصدرها.
وغالبية الناس، وخصوصا النساء، تتعامل مع النمط الجديد من هذه الأزياء بمحبة وتفضيل على موديلاتها القديمة، مما جعلها تقضي على الصورة الأصلية للزي، وتغيبه، بل وتمحي معالم أصالته، وهو أيضا الأمر الذي يدفع الكثيرين إلى انتقاد التعدي على هذه القيمة التراثية.
وأيا كانت الصورة التي تظهر فيها هذه الأزياء في النهاية، فهي بالنتيجة ترتبط ولو اسميا بأصلها الذي لا يمكن أن تنسلخ عنه، حتى لو أدخل على قماشها وتصاميمها ألف لون.