فـــاس ·· المدينة العتيقة نسيـــج التاريـــخ والنـــاس
فـاس .. المدينة العتيقة
نسيـــــج التاريـــــخ والنـــــاس
تقع فاس على مفترق طرق بين البحر الأبيض المتوسط وجبال الأطلس وواحات بدايه الصحراء، وهي ثالث أكبر مدن المغرب بعد الدار البيضاء والرباط حيث بلغ عدد السكان في آخر إحصائية -2004- ما يزيد عن 1,4 مليون نسمة- وهي أيضا أول عاصمة سياسية للمغرب.
أسس تلك المدينة التاريخية المولى إدريس بن عبدالله مؤسس دولة الأدارسة ( المعروف أيضا بإدريس الأول ) سنة 172هـ ( 789م ) .
بنى المدينة على الضفة اليمنى لنهر فاس، والتى قطن بها العرب القرويين ( في حي عدوة القروين ) والأندلسيين المهاجرين من الأندلس ( في حي عدوة الأندلسيين ) واليهود والذين تمركزوا في ( حي الملاح ) .
ثم بنى إدريس الثاني ( بعد وفاة والده ) المدينة الثانية على الضفة اليسرى لنفس النهر ( نهر فاس )، ثم وحد المدينتين يوسف بن تاشفين ( دولة المرابطون ) في مدينة واحدة، وجعلها قاعدة حربية رئيسية لشمال المغرب، وعرفت بفاس البالي ( أو القديمة ).
في عهد المرينيين قام أبو يوسف يعقوب ببناء ( فاس الجديدة ) سنة 1276م، وحصنها بسور ومسجد كبير وأحياء سكنية جديدة وقصور وحدائق.
وقد بنيت الـ Ville Nouvelle ( أو المدينة الجديدة بالفرنسية ) خلال فترة الاستعمار الفرنسي.
وبهذا تكون فاس مقسمة إلى ثلاثة أقسام، (فاس البالي- القديمة) و(فاس الجديدة) و الـVille Nouvelle
اتخذت المدينة اسمها من نهر فاس، كما أن الاسم الأجنبي (Fes-Fez) هو ما يرادف الطربوش الفاسي، فقد عرفت المدينة بصناعة الطربوش حتى القرن التاسع عشر الميلادي، عندما بدأت كل من تركيا وفرنسا في تصنيعه بعدها.
كانت مدينة فاس مركزاً تجاريا وتاريخيا وسياسياً هاماً في شمال أفريقيا، كانت مركزاً للصراعات بين الأمويين والفاطميين، وتناوبت في حكمها المرابطون والموحدين والمرينيين، ثم وقعت في قبضة العثمانيين سنة 1554 م. ثم صارت مركزاً هاماً للدولة العلوية في 1649م، ثم كانت العاصمة للمغرب حتى عام 1912، أثناء فترة الاحتلال الفرنسي الذي استمر حتى 1956م تحولت العاصمة إلى الرباط وعانت المدينة من أحوال اقتصادية سيئة بسبب هجرة السكان منها خاصة اليهود.
بفاس الكثير من الأنهار والعيون والينابيع وثروة المياة الجوفية، التي جعلت المياة متوفرة في كل بيت ومدرسة ومسجد، والتي جعلت للمدينة مكانة استراتيجية وكانت سبباً في صمودها عبر الأزمنة ضد الحصارات المتتالية عليها، كما توفرت فيها وحولها الكثير من الغابات ذات الأشجار الجيدة الأخشاب، والأراضي الزراعية التي تزرع فيها الحبوب والكروم والزيتون والبرتقال والتين والرمان والزيتون، مما يعطي منظراً رائع الجمال من اللون الأخضر الزمردي تراه في الأفق ومن المرتفعات وعلى امتداد البصر.
المناطق الأثرية
توجد الكثير الآثار الدالة على مختلف الحضارات الإسلامية التي توافدت على المدينة، مثل السور وبواباته الثمانية (باب محروق، باب الدكاكين، باب المكينة، باب أبي الجنود، باب البرجة، باب السمارين، باب جبالة، باب الكيسة، باب سيدي بوجيدة، باب الخوخة، باب زيات، باب الحديد) وكلها أبواب بأقواس ونقوش وزخارف رائعة الجمال، يتخللها التخريم البارز، وهي آثار ترجع إلى عصر المرينيين عند بناءهم فاس الجديدة.
كما ظلت المدينة تحتفظ بالكثير من البنايات القديمة العهد (عددها تقريبا ً عشرة آلاف بناية) تتخللها القنوات المتدفقة والنافورات والسقايات البديعة الجمال، كما ظلت قصور المرينيين الواقعة على تلال فاس الشمالية شاهدة على جمال هذا العصر، كما بقيت المنازل القديمة والمكونة من طابقين والمكسوة بفنون الفسيفساء الجميلة بأبوابها المزخرفة بفنون الجص المحفورة والحدائق المحيطة بها واقفة شامخة ضد عوامل الزمن.
كما عرفت فاس المارستانات العديدة لعلاج المرضى، وأشهرها مارستان فرج، نسبة إلى الطبيب المشهور (من بني الأحمر) فرج الخزرجي، والذي أدخل الموسيقى كعلاج داخل تلك المارستانات.
كما يوجد بفاس أندر وأهم الكتب بتاريخ المغرب، موجودة كلها في مكتبة الخزانة.
كما تعددت مدارس فاس التي خرجت لنا الكثير من العلماء العرب المشهورين مثل المدرسة المرينية التي أسسها السلطان أبو عنان المريني سنة 756هـ - 1355م، وألحق بها مسجد تجمله منارة لا مثيل لها في الجمال، أيضا المدرسة المصباحية التس أسسها أبو الحسن سنة 743هـ - 1343م، أما أقدم مدرسة فهي مدرسة الصفارين التي بناها أبو يوسف المريني سنة 678هـ - 1280م.
مساجد فاس
بفاس 222 مسجداً وجامعا عتيقاً هي حصيلة توالي الحضارات الإسلامية عليها، أشهرها جامع القرويين وجامع الأندلس وجامع الحمراء ومسجد الرصيف.
جامع وجامعة القرويين :
أسسته فاطمة بنت محمد الفهري عام 245هـ- 859م، بعد إحدى وخمسين سنة من بناء المدينة، ليصير جامعاً وجامعة علمية على مدى ألف سنة تقريباً، لهذا تعتبر جامعة القرويين من أقدم الجامعات الثقافية في العالم، كما تعتبر مساعدة على تكوين الشخصية والهوية الإسلامية والمحافظة على اللغة العربية من خلال مناهجها التي جمعت ما بين علوم الدين وعلوم الدنيا، فوصل إشعاعها إلى العالم العربي ومنه إلى مختلف ربوع أوروبا.
حيث درّس وتعلم بها الكثير من علماء الغرب والعرب المشهورين، تعلم فيها (جربرت دي لوفرينه الثاني) الذي شغل منصب البابا من عام 999 إلى 1003 م والذي عرف الصفر العربي في علم الحساب الذي تعلمه، لينشره بعدها في أنحاء أوروبا، وفيها تعلم ودرس الطبيب والفيلسوف المشهور (موسى بن ميمون) الذي رحل إلى الشرق ليصير طبيب صلاح الدين ومدرساً بالقاهرة، ومن العلماء الذين درسوا بها أيضا ابن خلدون المؤرخ ومؤسس علم الاجتماع، ولسان الدين بن الخطيب، وابن عربي الحكيم وابن مرزوق.
بسب كل تلك الآثار الجميلة، والفنون المرسومة بريشة الزمن العتيقة، والراسخة بمدينة فاس، اعتبرت فاس من قبل (اليونسكو والبنك الدولي) من الآثار الإنسانية، وكأحد مواقع التراث العالمي سنة 1981، كما تعد المدينة القديمة بفاس أكبر منطقة خالية من المركبات والسيارات في العالم.
حين تزور فاس وتغريك بسحر وجمال آثارها وطبيعتها، ستنبهر أيضا بمطبخها وموسيقاها التي تجمع ما بين فنون العرب والبربر والاندلس،
وكذلك ستجد نفسك في النهاية داخل أسواقها التجارية لشراء ما يذكرك بها من منتجات جلدية وصوفية تشتهر فاس بها.