ابدل سيئاتك بالحسنات !!
بقلم محسن الصفار
كان سعيد شابا طيبا ومن اسرة طيبة ارسلته الى احدى الدول الغربية لإكمال دراسته الجامعية ولكنه ككثير من الشبان العرب الذين ينتقلون فجأة من مجتمعات محافظة الى مجتمعات منفتحة بشكل غير طبيعي اصيب بحالة الصدمة بين القيم التي تربى عليها والواقع الذي يعيشه , في البداية حاول تفادي كل شيئ منكر يراه ويستعين بالصلاة والدعاء ولكنه شيئا فشيئا بدأ يستسلم لبراثن الشيطان فبدأ يقلل من صلواته ويغفل عن بعضها ثم ترك الصلاة وبعدها تذوق الخمر وصار يسكر وجرب لذة الجنس الحرام وصارت له صديقة او غيرل فريند كما يقال يسكنان معا في بيت واحد في الحرام وبعد مضي عدة سنوات لم يتبق من سعيد الذي جاء الى هذه البلاد سوى اسم يحمله دون ان يكون له اي معنى وكانت ايامه تقضي بين سكر وعربدة ولكنه لم يكن سعيدا ابدا وكان يحس دوما ان فراغا هائلا ينخر احشائه ولم تنفع الحبوب المهدئة في ان تحل مشكلته وظلت الكأبة ملازمة له كظله لاتفارقه ابدا .
انقطعت علاقته باقربائه واستولى الحزن على ابيه وامه واخذ منها الخجل كل مأخذ فبدلا من ان يعود ابنهم وهو يحمل الشهادة اصبح يقضي ايامه وهو يحمل زجاجة الخمر .
في احد الايام كان يتمشى في الشارع فصادف احد اقربائه يتمشى ارتعب وحاول ان يتفاداه ولكن الاوان كان قد فات وشاهده القريب وناداه بالاسم فلم يجد بدا من الوقوف والتحدث اليه على الرغم من انه كان خجلا من منظر قميصه المفتوح حتى السرة وشعره الطويل المربوط كذيل الفرس والسيجارة التي كانت في فمه ورائحة الكحول التي تخرج مع كل نفس من انفاسه .
سلم عليه قريبه وقال :
- يامحاسن الصدف ياسعيد انا هنا لإجراء فحوصات طبية لقلبي وهاأنا اراك في الشارع مصادفة وماشاء الله كبرت واصبحت رجلا .
تلعثم سعيد وقال :
- شكرا شكرا يا عم والحمد لله على سلامتك .
رد قريبه قائلا :
- الله يسلمك يا ولدي , اراك ماشاء الله قد تأقلمت مع واقع البلد تماما واصبح شكلك مثلهم تماما ولولا اني اعرف شكلك جيدا لحسبتك واحدا منهم .
رد سعيد باتسامة يائسة :
- انت تعلم يا عم كما يقول المثل اذا ذهبت الى روما فكن مثل الرومان .
ضحك القريب وقال له :
- ياسعيد هل تشعر انك اصبحت شخصا اخر غير الذي كنت عليه ؟
رد سعيد :
- احيانا اشعر بذلك واحيانا احس ان هناك شيئا يشدني الى ما كنت عليه .
رد القريب :
- وما الذي يمنعك من العودة الى ذلك الشاب الطيب الوقور المؤمن الذي كنت عليه ؟
اجاب سعيد بحسرة :
- لقد تجاوزت حدودي كثيرا يا عم فقد حطمت كل الجسور التي كانت تربطني بالماضي وغيرت شكلي وعاداتي واختلط حلالي بحرامي ولم اعد اميز الصح من الخطأ .
قال قريبه :
- وربك ؟ اين هو من حياتك الأن ؟
اجاب سعيد :
- اتعرف ؟ انا نفسي لا ادري, أحس بأن ايماني موجود في داخلي ولكن في نفس الوقت ادرك اني قد ارتكبت خطأ عظيما بحق نفسي وقطعت علاقتي بربي وأشعر بالخجل منه .
ضحك قريبه وقال :
- ياسعيد اذا اصابك مكروه لاسمح الله , هل ترى ان والديك سيتخليان عنك ؟
اجاب سعيد :
- لا أظن, على الرغم من أني أكبر خيبة أمل في حياتهما ولكنهما مايزالان يحاولان اصلاح حالي وأمي تتصل وتدعو لي ان يوفقني الله ويرسل من يعيدني الى رشدي ويبعد عني الشيطان وغوايته , وتطلب مني العودة الى الوطن .
اجاب قريبه :
- فأعلم ياولدي ان الله أرحم بك من أمك وأحن عليك من أبيك وأقرب اليك من نفسك , لايغلق أبواب رحمته ولايبخل على عبد بمغفرته, فأرجع الى صوابك قبل ان تخسر دينك ودنياك في صفقة واحدة لايربح فيها سوى الشيطان .
قال سعيد :
- كيف يغفر الله لي ولم تبق معصية الا وارتكبتها ولا ذنب الا واقترفته .
قال قريبه :
- ياولدي ان الله غفار لكل الذنوب الم تسمع قوله تعالى
(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }.
وقوله تعالى
وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً . إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً .
فأن انت استغفرت ربك وعدت الى رشدك لن يغفر الله لك فحسب كل سيئاتك بل سيبدلها حسنات بأذن الله , عد ياولدي الى فطرتك النقية وكن خيرا لاهلك ودينك وبلدك .
ادمعت عينا سعيد واحتضن قريبه وقال :
- استغفر الله ربي اني كنت من الظالمين .
قال قريبه :
- هذه اول خطوة في الطريق الصحيح وعليك اكمال هذه الطريق الى النهاية حتى تكون سفيرا لدينك في هذه البلاد وتريهم معني الايمان والعمل الصالح والتسامح ولعل الله يهدي احدهم على يديك فيكون خيرا لك مما طلعت عليه الشمس وغربت .
وهكذا كان الامر وتاب سعيد وعاد الى فطرته السليمة وترك كل ما كان فيه فساد وكان اول مافعله زيارة اهله في الوطن ولما روى لهم عن لقائه بقريبهم وكيف انه شجعه على التوبة استغرب الجميع هذا القول لأن قريبهم هذا توفي في المستشفى ولم يغادر البلد في حياته ابدا .