منقول
في ليلةٍ مقمرة
أوصى السّنجاب الحيوانات بالكتمان، فالريح تهب متلصّصة بين الفينة والأخرى، وكذلك صنع الدوري، حتى آنت ليلة الموعد؛ انسحبت الريح لتقبع خلف الجبال في الفيافي البعيدة، وانسحبت نسماتها ليسكن كل شيء، احتضنت السماء بدراً منيراً يلقي بنوره فوق الغابة الهاجعة بسكينة، انعكست ظلال الأشجار الباسقات على أرضها. تسللت الحيوانات الى مكان الاجتماع، ولم يصدر أي منها صوتاً، حتى الطيور؛ فلم تهدل حمامة، ولم ينعق غراب، وما غرد بلبل، ولا زقزق عصفور، وسكت صداح العندليب، وشدو الكروان.
تجمع الكل، وقفت الطيور على الغصون المحيطة بالمكان، وانتظمت الحيوانات قريبة من بعضها البعض، واتخذ من جذور الشجرة العجوز الناتئة من سطح الأرض منبراً لكل من لديه فكرة يطرحها؛ توزعت عصافير التوت حول المكان للحراسة اذا ما رأت حركة غريبة لتنذر الجمع.
بدأ السّنجاب حديثه:
- يا سكان الغابة... ان حياتنا أصبحت جحيماً لا يطاق... وقد فقدنا ما فقدنا من أعزاءٍ دون استطاعتنا مد يد العون اليهم... فعلينا التعاون والتفكير بوضع حدٍ وتخليص الغابة من شرّ الصقور.
عدَّل كبير الأرانب جلسته وقال:
- ها قد أصبحت عجوزاً هرماً... لقد أتعبنا الاختباء خائفين، وان شئت ان أعيش يوماً آخر، فليكن يوماً أضع فيه يدي بيد السّنجاب، لتعيش بعدي عائلتي بأمان.
أبدت الأرانب المجتمعة تأييدها، فقالت إحداهن:
- كيف ننسى ذوينا الذين افترستهم الصقور ناهشة لحومهم ومبعثرة فرائهم... سنكون معكم مهما كلف الأمر.
قال عصفور الدوري مخاطباً الطيور ليشركهم بالحديث:
- ونحن معشر الطيور، ضاقت علينا السّماء الرحبة، ولم يبق فينا من لم تفجعه الصقور... وعلينا ان نتآزر للخلاص من الصقور.
فصاحت حمامة وخرجت الكلمات منها سريعة:
- لقد فقدت زوجي قبل ثلاثة أسابيع... خرج ليجلب الطعام للصغار فحاصره صقر وتناوشه بمخالبه.
رفع رأسه الكروان بعد ان كان مطرقاً وقال:
- كنا ثلاث أخوة نعيش سعداء... وها أنا اليوم وحيداً بعد ان صار أخوتي طعاماً للصقور، ولن أقف بعيداً عنكم.
وناحت يمامة متذكرة أعزاءها غارقة بالبكاء، وقالت بصوت مغتم:
- ان كانت... خطة... فأنا أشارك...
وقال الجرذ بعد عدة حركات من انفه الصغير:
- تعلمون ان الصقور قلوبها مثل الصخور في الجبال التي تسكنها... ولم يبق في الغابة من لا يدخر لها العداوة.
فارتفعت الأصوات من هنا وهناك:
- نعم... نعم... قساة القلوب...
تفاجأ الجميع بنعقة أفلتت من فم الغراب، فاعتذر وتسائل:
- وهل أحكمتم خطة لذلك؟
تكلَّم السّنجاب وعيون الجميع ترقبه باهتمام منتظرة الجواب:
- هناك خطة يا أصدقائي، ونجاحها مرهون بتعاون الجميع... وهي على مراحل... أولاها؛ الاختباء لعدة أيام، حينها سيضني الصقور بحثها عن فريسة، فتبدأ خطوتنا الثانية.
تسائل كبير الأرانب موسعاً عينيه باستفهام:
- وما هي يا صديقنا؟
نزل السّنجاب عن جذع الشجرة العجوز وتقدم وسط الجمع، أحاطت به الحيوانات وحدقت العيون وأنصتت الطيور، فبدأ بشرح خطته بالتفصيل، وفي عتمة الغابة وصمتها الا من بعض همسات وهمهمات، بدأت المشاورات، وبعد تفكير ملي تكلَّم كبير الأرانب واضعاً يده على كتف السّنجاب:
- انها خطة تنمُّ عن شجاعتك... وأرى فيها مخاطرة كبيرة.
بان على الكروان القلق حين قال:
- قد تكون ناجحة رغم المخاطرة...
قال الدوري حاسماً تردد الجميع:
- ان تعاونا... لن نترك للفشل مجالاً بيننا.
وبعد ليلة طويلة، كاد الصبح ان ينبلج، انفضّ الجمع بهدوء ليهجع كل في مسكنه.